ولأنني عرفت كيف أحب.. أصبحت كذلك



أمنية طلعت
2015 / 12 / 13

ما هو الحب؟ سؤال يتكرر منذ وعيت وربما وعينا جميعا على الحياة، غالبا ما يجيب الحكماء الذين يعشقون التنظير؛ بأن الحب هو حب ماما وبابا وحب الوطن وحب الله وحب الزوج والأبناء، لكن هل هذه هي الإجابة التي ننتظر سماعها؟ بالتأكيد لا، فكلنا نسعى وراء ذلك الحب الذي يجمع امرأة برجل وغالبا ما تكون صفة الزوجة والزوج بعيدة تماما عن مخيلتنا، لما لسمعة الزواج من روتين وملل وأطفال ومسئولية تعصف بأي مشاهد رومانتيكية قد تجمع اثنين تحت ضوء القمر أمام شاطئ هادئ الأمواج، بينما تعزف الكمنجات في الخلفية. لكن؛ هل هذا المشهد واقعي بالفعل ويحدث على الأرض حتى يكون لحلمنا فرصة للتحقق؟ هذا هو السؤال!

أغلب الفتيات لديهن صورة عن الحبيب، غالبا لا تخلو من وسامة وعضلات مفتولة ويا حبذا لو كانت هناك سيارة فارهة وتذاكر طيران تحت الطلب للسفر إلى أوروبا، وبيت أحلام يحتوي على كافة الكماليات، مع كلمات حب معسولة تُتَرجم في شكل دولاب ضخم يحتوي على أفخم الثياب الملونة والقبعات الوردية والحقائب والأحذية ذات الماركات العالمية، بينما يحلم الشباب بفتاة لا يمر عليها الزمن، فلا تمرض ولا تبلى، تحمل عينين زرقاوين وشعرا من سبائك الذهب، وجسدا كغصن بان، شهية في الفراش لا تتعب ولا تتوقف لحظة عن إمتاعه، ويا حبذا لو كانت تعرف الرقص كحورية شفافة، حنونة كأمه، عذب صوتها، لا تنام ولا تتسخ ولا تلبي احتياجات الطبيعة في الحمام، ليس لها رأي يخالفه، ولا توقعات مغايرة لتوقعاته، لا يخرج صوتها إلا كزقزقة عصفور، وتستيقظ في الصباح كملكة جمال عالمية في يوم تتويجها.

هل ما سبق له علاقة بالحياة التي نعيشها؟ ولا أعني بالحياة التي نعيشها؛ الواقع الاقتصادي للمجتمع المصري، لكني أقصد الحياة في شموليتها.

ربما يتوفر للبعض فرصة عشق غادة غناء، أو شاب وسيم مفتول العضلات، لكن من الصعب أن يكون هذا الصنف هو المتوفر دائما في الأسواق، وربما تمكن رجل ذو مال من الإغداق على حبيبته بالذهب والحرير، واستطاعت امرأة أن تُشبع حبيبها جنسيا في الفراش، لكن الواقع يقول إنك لن تستطيع أن تحصل على كل شئ، فعليك لو كان للحب لديك قائمة متطلبات، أن تحدد أولوياتك وتسعى ورائها لتنالها، لكن عليك أن لا تعلن مللك بعد ذلك وتبدأ في البحث عما هو ناقص، لأن دائما هناك شيئا ناقصا في الحياة نسعى وراءه، لكنه دائما مجرد “شيء”، فهل الحب يخضع للأشياء؟

ربما يكون كلامي القادم مجرد ثرثرة سرمدية لا علاقة لها بالواقع المحيط، لكني أستسمحكم في إعطائي المساحة لثرثرة فارغة، اقرأوها إن أعجبتكم أو اتركوها ولا تكملوا.

منذ البداية وأنا أسعى وراء الحب الذي لا يحده متطلبات مادية، فلا سعيت وراء “نيش مكتمل” ولا شبكة باهظة الثمن، ولا قصر يحوي الذهب، بل سعيت دوما وراء القلوب.. قلوب تعرف كيف تنبض وتنتفض تحت أي ظرف مهما كانت قسوته، وأكف حانية ترتعش لكل هديل الحمام، وأعين تعرف استيعاب أشعة الشمس وتتسع لضوء القمر.. لم أكن أسعى أبداً وراء محفظة مليئة بالنقود ولا عضلات مفتولة مع وجه وسيم، كانت نظرة الطفولة في العين هي التي تهزني والصوت الحاني هو الذي يسحبني من جسدي إلى السماوات العلا، والتعاطف مع كل الكائنات الضعيفة هو الذي يجعل رقبتي تدور تجاه ذبذباتها، فهل فُزت بالجائزة الكبرى؟

الإجابة ببساطة: لا.. فلويت عنق بصلتي باتجاه المادة ربما كانت هي الإجابة الصحيحة لعالم يفرض علينا واقعه، فلم أستطع أن أتفاهم مع مفرداتها، فانزويت وانتحيت جانبا قصيا ألعق فيه جراحي، معلنة صومي إلى أبد آبدين.. لكنني في عزلتي بدأت اقترب من ذاتي أكثر، فأعلمها مهارات جديدة، وأدخل معها في حوارات متعددة، ألومها وأثني عليها وأدفعها للأمام وأتركها تتلوى عذاباً وحرماناً، فأبكي وأغرق في تلاوات حزني وآلامي، لأدخل في عذابات أخرى لها علاقة بالله الذي كنت ألومه دائما على كل صغيرة وكبيرة تحدث لي.. أرضى عنه أحيانا وأرفضه أحيانا أخرى.. صراع طويل في الحياة لأدرك الحب، ودائما كان المبتغى هو النصف الآخر الذي لا نشعر بالرضا إلا في وجوده، فإن أتى غضبنا ونعينا حظنا لأتفه الأسباب.

اكتشفت أنني كنت دائما ما أبحث عن جانٍ لكل ما يحدث لي، ودائما لا لوم علي، فتساءلت سؤالا واحدا: هل أنا ملاك منزل على الأرض؟ بالطبع لا يمكن أن أكون ملاكاً، فلماذا لا أكون أنا سبب كل آلامي؟

بكثير من التفكير، اكتشفت أن كل قصة حب في حياتي دفعتني للأمام، حتى ولو انتهت بالفشل، كل رجل قابلته في حياتي تعلمت منه الكثير وساهم بشكل كبير في تطور شخصيتي وقدرتي على اكتساب مهارات جديدة في الحياة، فلست أنا تلك الفتاة التي كسر حبيب الجامعة قلبها، ولا أنا تلك التي وجدت نفسها أما لطفلين بعيدا عن الزوج، ولا أنا تلك المجروحة التي أحبت رجلا على جرح لم يُغلق فصبت على رأسه اللعنات، لست أنا كل هؤلاء النساء اللائي كنتهن ذات يوم، أنا اليوم امرأة جديدة تعرف كيف تحب الكون من حولها، وكيف ترسل مشاعر العشق لكل إنسان ونبات وحيوان وحتى الحشرات، أنا التي تُسابق الفراشات كما لم تفعل وهي طفلة، وتعرف كيف يتهدج صوتها لمجرد ذكر اسم الله، وكيف تفرح لأن غيرها ينعم في العشق، وتعرف كيف أن الحب لا علاقة له بوسامة وعضلات مفتولة ورقم ضخم في البنوك ومنزل وسيارة فارهة. أنا المرأة التي تعرف أن الحياة تأتي عبوة كاملة يختلط فيها الفرح بالألم، فتسعد بالحياة في كل اللحظات، لأنها تعرف أنه لا يوجد على الأرض ذلك الإنسان المحظوظ الذي يمتلك كل شئ (مادي ومعنوي)، وأن علينا جميعا أن نتعامل مع جراحنا تماما مثلما نتعامل مع حظوظنا الجيدة.

أنا تلك المرأة التي أحبت وتركها حبيبها فلم تغضب، لأننا ليس بإمكاننا إجبار أحبتنا على البقاء معنا، بل بإمكاننا الدعاء لهم وإرسال ذبذبات العشق لقلوبهم عبر الأثير، وأننا بإمكاننا أن نحب بلا شروط ولا توقعات وأن الألم شرط للحياة، فلماذا لا نحتفي به؟، أنا تلك التي ترى الله عندما تطالع وجهها في المرآة، وتدرك أنه ليس عليها أن تُثبت شيئاً لأحد كي تكون منتصرة أمام نفسها والعالم. ليس علينا أن نكون منتصرين، فكثيرا ما تكون الهزيمة دواء، وانكسار القلب طريقا للوصول إلى جوهر الكون وإدراك هويته، والحزن مفتاح لتنسم عبير الزهور وملاحظة جمالها فوق سيقانها المتراقصة مع نسائم الفجر الباردة، فلماذا لا تدركون الله في عيونكم؟ تدركون الحب من داخل الانكسار؟ ولماذا لا تحبون من يترككم وتعيشون بدون قائمة متطلبات وتوقعات.. فتطوقون ما تُمنحون بسرور؟ حينها فقط ستلمسون جذر شعاع الشمس قبل أن يمتد لينير العالم.

ومعذرة على الفذلكة.