هل أتاكم خبر مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات؟



الهيموت عبدالسلام
2015 / 12 / 20

لأول مرة تشارك المرأة السعودية في الانتخابات ليس كناخبة فحسب بل ومرشحة أيضا في الدورة الأخيرة للإنتخابات البلدية التي أجريت يوم 12 ديسمبر 2015،وقد فازت بعض النساء في عضوية مجموعة من المجالس البلدية بمدن مكة المكرمة وحائل والإحساء ومناطق أخرى من ضمن 1000 مرشحة مقابل 6000 مرشح من الرجال و لحوالي 1.3 مليون ناخب وناخبة كما أوردت جريدة لوموند الفرنسية الصادرة بتاريخ يوم 14 ديسمبر 2015 .
هذه الانتخابات استقطبت حضورا وازنا لكبريات الصحف الدولية والمنظمات الحقوقية الدولية والمؤسسات ذات الصلة بتتبع الانتخابات ، السؤال الذي ينتصب بقوة هو أنه إذا كانت المجتمعات المتحضرة تقاس من ضمن ما تقاس به أولا بمدى احترامها للمرأة ككيكونة بشرية لها الحق المطلق في تقرير مصيرها بكل استقلالية وندية ،ثانيا بشساعة المساحات التي تشغلها المرأة في مختلف مجالات الحياة حيث أصبحت تقود دولا عظمى وليس السيارة فقط،وأصبحت طبيبة تعالج الرجال،وأستاذة تدرس وباحثة اجتماعية وبكفاءات عالية تفوق الرجل أحيانا... فإن قياس المرأة بأختها في المملكة السعودية التي يمول نظامها جميع الثورات المضادة التي عرفت ربيعا عربيا بسخاء منقطع النظير ،ويعقد تحالفات طائفية يشتري فيها الدول بالشيكات والبترول دون علم بعض الدول أو بالهاتف فقط للمشاركة في هذه التحالفات لا يمكن إلا أن تكون فيه إلا كائنا دونيّا موضعها "الطبيعي" الحريم والإنجاب وموضوعا للمتعة الجنسية كما يتمثّله الفكر الوهابي الذي يرخي بظلاله البائدة كذلك على العديد من الدول الفقيرة وعلى الأوساط المجتمعية والفكرية التي كان للبترودولار الدور الحاسم في تشكّلها .
الدولة السعودية ذات النظام الأبوي العائلي المغلق والذي تتبنى الفكر الوهابي والأعراف والتقاليد المتكلسة والتي تفصلها سنوات ضوئية عن قيم التحضر والعصر و المدنية لا يمكن أن تعطي اعتبارا للمرأة ولا يمكن أن تحترم إنسانيتها كأم وكامرأة،ناهيك أن القبول الطوعي بوضعية القهر أو ما يسميه مصطفى حجازي في كتابه المغمور "سيكولوجية الإنسان المقهور" الاستلاب العقائدي حيث أن المرأة ذاتها بحكم ثقل هذه التقاليد البالية أصبحت إراديا وطوعيا تتعايش مع هذه الوضعية بل وتناصب العداء لكل من يحاول إخراجها من هذه الشرنقة الموغلة في الاستعباد والاحتقار.
في المقابل تفاءلت العديد من الأوساط النسائية على نذرتها لهذه الخطوة على محدوديتها ،وثمنتها الصحافة الفرنكوفونية والأنكلوسكسونية إذ اعتبرتها خطوة في ألف ميل ،وكوّة فتحت في جدار سميك محافظ لا يتصور المرأة خارج حريم الرجل
،مشاركة تعتبرها هذه الصحافة كذلك قد تفتح شهية المرأة في توسيع مشاركتها وهي التي تعاني من كل أشكال الاستعباد والإهانة والقهر لمجرد أنها ولدت امرأة ،في نفس سياق التثمين المشوب بالحذر واستحضار الإكراهات الثقيلة ذهبت المنظمة الحقوقية الدولية هيومن رايت ووتش التي صفقت ونبهت في نفس الوقت لأن التعاطي الحقوقي لا يمكن إلا أن يصفق لأية قفزة في المسيرة الحقوقية ولوكانت هذه القفزة بمقداربيض النمل .
الأوساط الليبرالية على نذرتها التي تشتغل خارج السعودية والتي يحاكَم أحد رموزها رائف بدوي بالإعدام وحِصص من الجلد أمام الملأ لمجرد كتابته قصيدة شعراعتبرته العائلة السعودية إهانة للدين الإسلامي ،وهذه التهمة بالمناسبة جاهزة التي يحاكم بها إعداما كل من فكر أو كتب بشكل يخالف مقتضيات الفكر الوهابي،هذه الأوساط تعتبر خطوة مشاركة المرأة بأنها صورية وتجميل صورة نظام يتعرض للعديد من الانتقادات خاصة ما يتعلق برعاية التطرف وتمويله عالميا وانتهاك صارخ وجسيم لحقوق الإنسان وتشييئ المرأة والحط من كرامتها وتطبيق عقوبات مغرقة في البدائية والانتقام ،نفس الشيء أكده المثقفون السعوديون المستقلون أن نظام بلادهم نموذج عالمي في انتهاك حقوق الإنسان وأن أخر ما تفكر فيه العائلة السعودية هو حقوق المرأة ،فكيف لامرأة أن تدبر الشأن المحلي وهي كائن ليست موجودة بذاتها بل موجودة بالأخر،تقع كينونتها تحت السلطة المطلقة للرجل، و لا تستطيع حتى الخروج من بيتها من دون إذن ،كما لا يمكنها أن تسافر خارج البلد للدراسة أو العمل دون ولي أمرها الذي قد يكون أبا أو زوجا أو ابنا هي من ولدته ورعته وجعلت منه رجلا .
إن النظام السياسي الذي تحكمه عائلة تعتمد مسطرة التعيين ،نظام ليس فيه لا أحزاب ولا نقابات ولا مجتمع مدني مستقل لا يمكن أن يؤثر في قراراته أحد غير الأسرة الحاكمة سواء شاركت المرأة أو شارك الرجل أم أو لم يشاركا.
في دولة تسحق فيها المرأة وتمتَهن كرامتها ولم تحصل بعد حتى على الولوج بحرية إلى الفضاء العام وإلى مجال الوظيفة العمومية ،بل وتحتاج إلى ولي في أمور الزواج وجواز السفر وبطاقة الهوية و حتى في فتح حساب مصرفي ،كيف يتأتى لها تدبير الشأن المحلي ؟
العملية الانتخابية التي شاركت فيها المرأة لأول مرة كمرشحة ،تفرض الأعراف والفكر الوهابي أن تلتحف المرشحة نقابا أسود بالكاد تظهر خلالها عيناها ،المرشحة لا تشارك في اللقاءات الانتخابية التي يختلط فيه النساء بالرجال أو عبر وسائل الإعلام السمعي البصري كما هو جاري به العمل في العديد من الدول ،الشوارع كانت خالية طيلة الحملة الانتخابية من كل مظاهر التعبئة المختلطة ومهرجانات الخطابة وتوزيع المنشورات،ولأن المجتمع السعودي يقوم على الفصل الجنسي بين الرجل والمرأة في جميع المرافق والفضاءات العامة ،فإن المرشحة لِتخاطب الرجال في حملتها الانتخابية تنتدب رجلا ليخاطب الرجال ،والرجل المرشح لِيخاطب النساء ينتدب امرأة لتخاطب النساء ،وفي أحسن الأحوال فالمرشحة قد يسمح لها بمخاطبة الرجال في حملتها ولكن من وراء حجاب سميك حيث لا يمكن للمرشحة أن ترى الرجال ولا أن يروها ولتوصِل صوتها تستعين فقط بمكبر صوت .