- كشّر الصورة تطلع حلوة -



عندليب الحسبان
2015 / 12 / 22

يقول مارك الليبرالي على فيسبوك : "ضع صورتك وشاركها "..فماذا يضع العربي (غير الليبرالي ) ؟
بعد حفظ الحق الخاص بالمطلق للشخص باختيار ما يريد وضعه على صفحته الشخصية , بدءاً من الوضع العاري للصورة انتهاء بوضع الخمار الأسودللجسد كله , وبعد اعلان إحترامي لخياره بالمطلق سأسرد هنا ملاحظات خاصة لسلوكيات عامة لا شخصية على فيسبوك ....
رغم أن فيسبوك بدأ وبدا عالما افتراضيا ولكنه يوما بعد يوم يأتي بما يدل على أنه ربما أكثر واقعية من الواقع ذاته , تماما كصورتنا في المرأة المستوية هي نحن وإن لم نستطع لمسها وقرصها ..يقول فيسبوك إنه يوفرلك فرصة اللقاء بأصدقاء الطفولة أو الجامعة أو العمل أو الأقارب الذين ربما لم تسعفك ظروف الواقع بأن تلتقيهم منذ سنوات ...فعلا فرصة جميلة أن تلتقي بقطعة من ماضيك أو روحك أو دمك ..ولكن في عالم عربي يشوبه الانغلاق ..فهيهات ..
.كيف مثلا ألتقي بزميلة الدراسة " نهى علي جابر " التي لم ألتقها منذ سنوات طويلة فلا أعرف مثلا أنها أصبحت " أم محمد حيصاوي ".!!..فأنا لم أتشرف بمعرفة الأبن محمد ولا الزوج المحترم حيصاوي , ..حسنا ربما الصورة تشي ببعض ملامحها ولا بد أن أعرفها حتى ولو مر الزمن على جبينها وتحت عينيها ...ولكن أيضا هيهات !.فصورة الوالد أو الوالدة أو الأخ أو الابن أو الزوج أو الوردة أو المزهرية تعتلي صفحتها , وأنا لا أعرف العائلة كلها , أعرف فقط " نهى "...!!. إذن أنا سأبحث عن كائن بهوية مهمشة مهشمة ..فنساء الفيسبوك كما نساء الأرض يعرفن بذكور عوائلهن ...
وقد تفرج الأمور قليلا واكتب على فيسبوك " إيمان محمد " ..فإذا بايمان محمد تخترق عتبة من المحظور الاجتماعي فتجاهر باسمها على فيسبوك , ولكن حين يعطيك خيار البحث عشرات "إيمان محمد ", لا يعود الاسم هوية فأنت هنا مضطر للوجه وجه " إيمان محمد " لتتحقق من هويتها تماما مثل الهوية الوطنية لا تقبل دون وجه وتضاريس .ولكن وجوه فيسبوك محتجبة بوردة أو ممثلة تركية محجبة , أو هيفاء وهبي , أو ذكر نبوي أو شعر مستغانمي , فبروفايلات الوجوه هنا يلفها الكتمان كما واقعنا تماما .
وأخيرا تفرج الأمور فتجد " إيمان محمد "باسمها وصورتها ,ولكنها ملتفة بابنها أو ابنتها أو زوجها كمحرم من اللايكات ومن سوء النية , وكأنها تقول :" صحيح أنني أظهر في فيسبوك ولكن عندي محرم "
أما من تجاهر باسمها وصورتهامجردة من مضادات الفتنة والعار " من أبناء وآباء وورود وممثلات تركيات وأقوال مأثورة " فهذه دائما مشروع متحرَّش بها , فأفراد العائلة مثلا يتحاشون وضع لايك لصورتها أوالمشاركة بتعليق خاصة إذا بدت فيها ذات حضور مقبول , في حين يبادرون إلى مجاملاتها إذا وضعت صورة لوالديها أو أبنائها أو جدودها أو أي طوطم عائلي . هنا ترتبك بعض النساء وتضع صورتها بحذر وعلى استحياء ووفق شروط صارمة من الحشمة والجدية تفاديالانتقادات العائلة والمعارف.ومنهن من تضرب بعرض الحائط تحوطاتهم الاجتماعية فتحاول أن تمارس وجهها وجسدها كما ترى هي لا كما يرسم لهاالآخرون...وهنا يقع التحرش ..إما رسائل خاصة أو تعليقات ايحائية فجة أو مواعظ دينية وطوطمية مغبرة , أو اتهام بالاستعراض بصورها المقبولة من أجل اثارة التعليقات المطرية , وكأن الأصل أن نضع صورنا القبيحة حتى نثبت أننا غير استعراضيين ..
وفي موضوع الاستعراض بالذات , أكثر ما تثبت التهمة على المرأة التي تضع مكياجا أو تسرح شعرها أو تلبس فستانا تتغاوى به أو ترتدي جينز يتدلى إليه شعرها , وكأن هذا ليس أصلا في المرأة بل في الانسان عموما , وكأن الانسان لم يدرج على أن يلتقط صوره إلا وهو نظيف وأنيق وفي أبهى حالاته ,..وكأن أحمد زكي قال :" كشّر الصورة تطلع حلوة " !! وكأن الصور تخلو من الاستعراض إن كانت بأكمام طويلة وأكتاف عريضة وأمام مايكروفون ,أو مكتب, أو في تخريج رسمي مهيب , أو وسط حشد من المريدين والجمهور في ندوة أو ورشة عمل أو محاضرة جادة ..!!
وكأن هذا كله ليس استعراضا والاستعراض يكون فقط حين تشاكس الكاميرا جسد المرأة وحيدا دون محرم , وعاريا دون أقمشة , هنا تقوم الجدية ولا تقعد حربا على التفاهة والاستعراض ....
الجسد العاري لا يفضح صاحبه بل يفضح الآخرين