الجميلة والوحش



عثمان مشاورة
2016 / 1 / 8

اليوم صباحا، عندما صنعت فنجانا من القهوة، جلست أقلب المحطات الفضائية، وكنت دائما ما أمر مرور الكرام عن التلفزيون الأردني، وحقيقة أني لم أسأل نفسي يوما ما، لماذا أفعل ذلك؟ وربما أن اللاوعي يرتب ذلك مشكورا.
لكني حالما شاهدت فتاة تقف في ثوبٍ بدت فيه أكبر من عمرها بخمسين سنة على وجه التقريب، حزنت كثيرا بداخلي، وحزنت أكثر وأنا أستمع لها تُغني، مغمضة العينين، كالعمالقة.
ثم جلستْ الفتاة، ولم تكن بعد، وكما هو واضح، قد أخذت دروسا في فنيات الظهور المتكلّف، حد الضّجر، على العامة عبر الشاشات، فقد كانت وكأنها تجلس على كرسي في المطبخ قبالة أمها، وتستخدم يديها كثيرا في الكلام، ليس بتلك الطريقة التي يتدرب عليها، كالأرجوزات، السياسيون والمؤثرون في الرأي العام، عندما يريدون أن يتبعهم القطيع إلى الهاوية، إنما بطريقةِ نساء الحي في جلسة شاي، طريقة توحي بالعفوية والبساطة، والجمال الأفلاطوني، الذي لا يتأخر أبدا عن دخول القلب.
ثم وجدت نفسي أمسك هاتفي لكي أبعث برسالة إلى صفحة البرنامج، لا سيما بأن المذيعة، التي بدت أنها لا تدري ماذا تسأل وماذا تقول حيال موقفٍ كهذا، قد سلخت نصف اللقاء، مع فنانة بحجم نداء شرارة، وهي تُداعب شعرها وتقرأ لها أسماء المُعلّقين التي بدت صعبة في غالبيتها لأنها مستعارة، وآرائهم في شخصها، وقد قالت لها بأن هناك من أعجبَته ومن لم تعجبه، وطلبت منها ألا تكترث، وسألتها هل تكثترين بحق؟ ثم بيّنت لها مشكورة أن هذا هو ديدن المُهمّين والمشهورين بطبيعة الحال، وبدل أن تمضي قدما في الحديث مع الضّيفة حول الفن والموسيقى والغناء، وأثر ذلك كله في تقدم المجتمع وخلق هويته وإقصاء العنف وأشياء من هذا القبيل، كانت قد تطرقت إلى شيء بدا لي من السّذاجة والتفاهة بمكان التّطرق إليه، وقد توسّلتُ إليها في داخلي عدة مرات ألا تفعل، على الأخص في لقاءٍ صباحي وفي يوم عطلةٍ هو يوم الجمعة مع فنانة شابة طموحة ومتألقة كنداء؛ حيث أن الحجاب والمظهر الذي سمته بالديني، هل تراه يُشكّل عائقا وما إلى ذلك؟ لكن هل تراه شكل عائقا بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه نداء؟!
في حقيقة الأمر، وبينما كنت أستمع لنداء كنت أُصلي بداخلي، كان الصوت يدخل إلى كوامني العميقة، وشعرت بخشوعٍ لذيذ، وشعرت للحظة أن العالم مليء بالجمال المُفرط والرّقة، شعرت بأننا في عهدة الله وفي جنته الروحية، ودعوني لأجل ذلك، ومن فضلكم، أن أُراهن على شيء ما؛ لو أبدلنا كثيرا من منابر خطبة الجمعة المنتشرة في الجوار، بصوتٍ يصدح بالعذوبة والسمو، بدلا من الصُّراخ والّسباب وإيقاظ المصلين النائمين بينما يستندون بظهورهم إلى أعمدة الجامعة، والدعوة الصريحة إلى نبذ الآخر وتحقيره والإشارة إليه كمذنبٍ ومهرطق بالإصبع السّبابة. أليس ذلك أفضل بسبعين مرة؟
على أية حال، كنت أريد أن أُضمّن الرسالة، والتي لم أتمكن من إرسالها، مدى اعجابي وتقديري الرّهيب بنداء، و أن أشرح لها أنها وإن ارتدت الآن ثوبا كالخيمة لإرضاء بعض الناس على ما يبدو، لكي لا يتفوهون بعد ذلك بالهراء، كانت رائعة جدا بينما تقف على مسرح البرنامج، يُشاهدها ملايين الأشخاص، ملايين المُصلين من أجل السلام والحب والله، وهي تُغني بكلّ ما فيها من رونقٍ وزهو، وأن أقول لها، بحماس منقطع النّظير، و بخجلٍ شديد، أن تستمر، استمري يا نداء ولا تحزني لما كانوا يفعلون، رغم إيماني المُطلق بأنها مستمرة كدقات الساعة الأزلية، لكن اللقاء كان سريعاً وباهتاً للأسف، وقد تألمت حينا طلبتْ من الفرقة، مع ابتسامةٍ لطيفة، أن تصمت بعد أن رافقتها بداية المقطع، لأنها تُريد أن تغني بدون موسيقى، والأخيرة هي حتما في صوتها المجرد، ولا أدري إن كانت الفرقة؛ الخاصة بالبرنامج، والتي بدا على أعضائها النُّعاس، قد قدمت أداء جيدا جدا أم لا، لكن ما كان يبدو لي أنها لم تفعل.