إلى السيد رئيس جمهورية مصر العربية



أماني فؤاد
2016 / 1 / 31

إلى السيد رئيس الجمهورية ..
د. أماني فؤاد
هل اقترفت جرما ؟؟ يبدو أن الإجابة نعم .. ربما لأنني خُلقت امرأة !! هل لأنني صدقت أني أحيا بدولة تقوم على الدستور والقانون ، وأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات ، آمنت بالعدل والحق ، بالعقل والتطور، بهذه الشعارات الرنانة التي يرفعها المجتمع المصري قولا فصدقتها، في حين أنه لا يمارسها فعلا على أرض الواقع !! ربما ذنبي الكبير حين ظللت أربعة وعشرين عاما أبذل كل ما أستطيع من جهد في التحصيل والمذاكرة للاستمرار في التفوق ، حلمت بالقضاء ومثلي لا يستعصى عليها حلم لو أن الأمر بيدها هي ، فأنا ممن يبذلن أقصى طاقاتهن لينلن ما يتمنونه .
السيد الرئيس : أنا إحدى الشابات المصريات من خريجات كليات الحقوق، أوالشريعة والقانون جامعة الأزهر، متفوقة وحصلت على أعلى التقديرات (الامتياز ) ونلت ترتيبا متميزا على دفعتي عام 2013 ، وحين أُعلن عن تلقي أوراق دفعة جديدة للعمل قضاه بمجلس الدولة ذهبت أنا وأخريات مثلي من الخريجات لسحب الملفات وإذا بالمفاجأة الصادمة لأحلامنا : قرار من مجلس الدولة بالامتناع عن تسليم البنات الملف أسوة بالخريجين الذكور ، تلفت حولي وأنا لا أصدق هذا الموقف السلبي لقضاة مصر بشأن تعيين الخريجات الشابات لا لشيء إلا لأنهن فتيات ، انتهوا إلي هذا القرار وهو مخالف للدستور المصري، ثم واجهونا به في تحدي صارخ للمواد 11 و53 و9 و14 من الدستور والتي تتضمن إقرارا بأحقية الخريجات بتقلد القضاء في كافة الهيئات القضائية دون تمييز ضدها . حيث تم الضرب بعرض الحائط لكافة المبادئ الدستورية ، والتجاهل التام لمبدأ المشروعية وتكافؤ الفرص غافلين عن أسس الاختيار الموضوعية العادلة ، متجاهلين لعناصر التطور والمساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين وما استقر عليه الدستور الذي استند إلى المنطق والتشريع.
شعرتُ ولم أزل بالظلم الفادح أنا وزميلاتي، ولأنني أومن بأن الحقوق لا تمنح بل تنتزع وتأخذ غلابا، وبأحقية المرأة وقدراتها العلمية والمهنية، وعدالة القضية قررت ألا أصمت ، وألا أتنازل عن حق كل امرأة مصرية في المساواة . ولذا أتوجه بالقضية إليك شخصيا "رئيس جمهورية مصر العربية" خاصة أنك لطالما أشدت بمكانة المرأة المصرية ووقفت لتؤكد على قدراتها في الفعل والإنجاز. وكلنا يقين أنك لن ترض بظلم يقع على بناتك المتفوقات ، ولا إهدار لدولة الدستور والقانون، ولا لنكوص مكانة المرأة المصرية وحقوقها عن باقي الدول العربية والغربية.
متى ترى الدولة بعين عادلة منصفة :
السيد الرئيس يستند قضاه مجلس الدولة في رفضهم لتعيين الخريجات لبعض الدعاوى التي لا ينبغي أن تقف حائلا دون تولي المرأة للقضاء في مجلس الدولة بل يجب على الدولة بحكوماتها أن تذلل هذه العقبات تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة، والاستفادة بالقدرات والكفاءات المتميزة من نساء مصر ورجالها.
يقولون أن المجتمع المصري غير مهيأ أفراده لتقبل الأحكام من قاضية امرأة وكلنا يعلم أن كل جديد يواجه في أوله فقط بالرفض وحساسية تقبله ، لكن الممارسة والاعتياد هي ما تنضج التجارب وتكسبها صلابة ؛ فتزيد من درجة تقبلنا لها إلى أن يعتادها المجتمع ، خاصة وأن وجود المرأة في أعلى المناصب وأكثرها حيوية في مؤسسات متعددة صار أمرا عاديا، كما أن طبيعة عملية التقاضي في مجلس الدولة أكثر يسرا عن النيابة العامة على سبيل المثال ، ونص المادة صريح حين ذكر توليها كافة الهيئات القضائية .
يقولون أيضا أن عمل المستشارات النساء يتطلب استراحات خاصة ومجهزة في كافة المحافظات، كما أن تنقلاتهن وسفرهن يتطلب مجهودا كبيرا، ومفوضي مجلس الدولة يربئون بنا من تحمل هذه المشاق ، وفي تقديري أنها أسبابا يمكن التغلب عليها بسهولة حين تقتطع وزارة العدل أماكن خاصة لإقامة القاضيات المؤقتة سواء في الفنادق أو الاستراحات الخاصة بها، وعلى الدولة أن تسهم في توفير المكان المناسب لا أن تحرم حق المرأة في تولي هذه المناصب لهذه العراقيل التي يمكن أن تذلل ، أما فيما يتعلق بشفقتهم علينا من الجهد فأتصور أن التجربة دائما ما أثبتت أن المرأة قادرة ليس فقط على تحمل المسئولية بل أيضا على التجرد والنزاهة، الالتزام والتفوق في مواقعها المختلفة.
وبعد أن ُحسم تشريعيا أحقية المرأة في تولي القضاء يبدو أن القضاه الرجال لم تزل لديهم رغبات استحواذية في بعض المؤسسات والمناصب والاستئثار بها وتوريثها لأولادهم الذكور، في ترسيخ لظاهرة التمييز ضد المرأة في كثير من أدبيات وثقافة المجتمع المصري ، لذا يتذرعون بخوفهم على المرأة من المشقة ولا يتركون التجربة هي من تقرر ، خاصة وأن الجميع يلمس بطئ إجراءات التقاضي بمصر للأعداد المحدودة من القضاة ، وربما يعود جانب من هذا الرفض لبعض نماذج من العقول المحافظة الرجعية التي تعشش في الهيئات القضائية المصرية التي تكلست فلم تواكب تطورات منجز المرأة في العالم ، فتتردد على أسمعانا بعض التقولات التي لا يمكن وصفها إلا بالترهات القديمة من قبيل : هل انتهينا من تشغيل الرجال لنسع إلى تشغيلكن .. ! وكأننا مواطنون من الدرجة الثانية . أمن المقبول أن تجلس على منصة القضاء قاضية حامل ! أو أنتن تجتزن أيام مضطربة كل شهر ! وكأنهم لا يتابعون تطور شأن المرأة العالمي وأن هذه الأمور الطبيعية لا تعوق مسيرتها المهنية والعلمية على الإطلاق. هذه التقولات التي لا طائل من ورائها سوى السخرية وتثبيط الهمم، ولا تحمل منطقا موضوعيا؛ لذا لن نقف أمامها لهشاشتها .
السيد الرئيس هذا التمييز السلبي يمارس على المرأة المصرية المتفوقة والمتميزة منذ سبعينيات القرن العشرين حيث تقدمت الدكتورة عائشة راتب لرئيس مجلس الدولة عبد الرازق السنهوري بطلب التعين بالمجلس ومساواة الخريجات بالخريجين، وكتب بدوره مذكرة وأصدر حكم بعدم وجود مانع دستوري ، أو شرعي أو قانوني ، لكنه أضاف أن الدولة هي التي تحدد الوقت.
ومنذ ما يقترب من خمسين سنة مضت على هذا الحكم لم تزل الدولة والثقافة المجتمعية الجامدة لم يحددا الوقت ، ولم تشتغل على الأذهان لتهيئة خوض المرأة للقضاء ومن ثم تقيم التجربة ، تمارس المؤسسة القضائية حجب عمل المرأة في النيابة العامة والقضاء في مجلس الدولة ، وحتى هذه اللحظة وبعد إقرار الدستور الأخير الذي نص على أحقية المرأة وتمكينها من العمل في كل الهيئات القضائية لم يحن هذا الوقت الذي تمكَن الدولة فيه المرأة من حقوقها ومساواتها بالرجل .
منذ عام 2014 صدر تقرير مفوضي مجلس الدولة بجمهورية مصر العربية بعدم أحقية المرأة في التعيين بمجلس الدولة وحجب ملفات التقديم عنهن واقتصارها على الذكور فقط ، وبموجب قرار جمهوري لعام 2015 تم تعيين 243 مندوب مساعد بمجلس الدولة من دفعة 2013 واقتصاره على الذكور فقط وإقصاءه للخريجات رغم أن كثير من تلك الفتيات أعلى في الدرجات والتقديرات العلمية .
صدر هذا القرار بعد توليكم لسدة الحكم ، و بعد ثورتين أثبتت فيهما المرأة في المظاهرات والاستفتاء على الدستور و الانتخابات المتوالية وعيها السياسي والأمني الذي لفظ كل الجماعات والتيارات الأرهابية والظلامية ، و أكدت تثمينها للحياة المنفتحة المتطورة لا المنتكسة القمعية في تفاعل أكبر مع قيمة الدولة أكثر من الرجال، كما برزت كثير من النماذج النسائية القيادية المقاتلة التي ترفع من شأن بلادها .
لذا فقد قمت أنا وبعض زميلاتي برفع القضية الأولى للطعن على قرار مجلس الدولة السلبي بالامتناع عن تسليم الخريجات الشابات الملف أسوة بالخريجين لشغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة ، كما قمنا برفع قضية أخرى بالطعن في تعيين 243 مندوب مساعد من الرجال فقط .
في دولة القانون التي تسعى سيادتك ونسعى لتدعيمها القضاء هو الفيصل ، لكن في قضيتنا تلك أصبحت الجهة التي نقاضيها خصما وحكما لذا نتوجه إلى رئيس الجمهورية وكلنا ثقة في إعلاءه لدولة القانون ، وتمكين المرأة المصرية من حقوقها وتذليل العقبات من أجل ترسيخ وجودها في كل موقع تستطيع أن تضيف له ، والسعي للرفعة من شأنها لا كما نلمس من تصرف البعض بحجب حقوقها واختراع العراقيل وعدم التحلي بروح المثابرة لرفع شأن فتيات ونابغات هذا البلد.
ما ضاع حق وراءه مطالب ، وما ضاع وطن أعلى من شأن دساتيره وقوانينه ، أعلى من حقوق مواطنيه المتميزين القادرين على بذل الجهد.