مريم



الطيب طهوري
2016 / 2 / 3

خرجت مريم في هذا الصبح النازفِ..
فرحت أشجار السرو وأرصفة الشارعِ..
ومشى الظل إليها..
وعصافير الحقل الهارب حامت فوق أناقتها..
كانت تمشي..
تتأبط صمت الأشياء الأخرى..
عيناها جهة الأرضِ..
وكفاها لصق الجسد الخائف من نسمته..
كانت تمشي..
الجدران وأيضا طرقات الحي الواهن كانت تمشي..
ومشت حتى الأبواب..
***
في الشارع حيث الخطوات الخجلى ، قابلها صوت لا تعرفه..
آآآآآآآآآآآآآآه ، يا أنت.. رذاذك أشعلني..
أنت الـ كنت أريد مياهكِ..
عطش يركض في شفتيَّ.. وأنت الماء..
مريم كانت صامتة..
لم تفتح باب الغيم لهُ..
لم تجمع في كفيها كلماتهْ..
واصلت السير إلى وجهتها..
خلف خطاها سار الصوتْ..
صوت آخر من جهة ما صاح سعيدا: أنت الـ كنت أريد عناق مباهجها..
ثالث صفَّر منتشيا: يا لك من أنثى..أنت الـ كنت اريد سواد ظفائرها..
رابعُ..
خامسُ..
***
مد الليل يديه إليها..
خائفة أسرعت الخطو إلى الشجره..
دار الليل، تلوت أغصان الشجره..
كانت أيدي الأصوات عصا تتعاركُ..
كان الشعر الـواجف ريحا تعوي..
كان الصوت الصاخب: سافرةً..
كان الثوب دماء..
***
ماتت مريم؟..
ما ماتت مريم..
أشجار الشارع لا ..
أيضا أرصفة الطرقات..
لم تسقط في الرمل طيور أصابعها..
لم يمت الصبح النازف فيها..
***
لا أسئلةً أخرى تطرحها الأرضُ..
ولا دمَ أكثر مما يجري في هذا القحط العربيِّ..
ولا ماء هنا يروي الروح..
كانت مريم تحكي شمس ظفائرها..
كان الناس يمرون تباعا..لا احدٌ يسمعها..
الأشجار فقط كانت صامتة تسمعُ..
والأحجار وأجنحة الطير الهارب من لهث غبار الصحراء..
فتحت مريم نافذة في المطلقِ..
سألت: من يبكي في هذا الرمل الحارق نبع الماء؟..
من يبكيني في هذا الليل الـ يشربني؟..
ومشت إذ لم تسمع للريح صهيلا..
خلف خطاها كان يسير غزال البر الغابرِ..
أوراق من عشب منسيٍ في صفرته كانت تتطايرُ..
بعض من حجل في السفح الجبليِّ يطيرُ..
وبعض من حشرات لا ألوانَ لها.. ***
مرت مريم بالأنهار الـ كانت تحضنها..لا ماء لها..
مرت بقرى السهل الـ كانت تبصرها فرحا..لا جدران لها..
مرت بحقول القمح الـ كان يموِّجها..لا خضرةَ فيها..
جلست فوق الصخر الناتئ وبكت أكثر من كل الأنهارْ..
وبكى الصخر غديرا..
***
(يا مريم، لا تبتعدي أكثرَ..
لا تدعي الليل يغطي شفتيكِ..
ولا تدعي الرمل يغني أحزانكِ..)
قال حصان كان يمر بجانبها
(يا مريم ،لا تنتعلي ظلك في السرِّ..
ولا تكترثي بخيول السيف الغابرِ..
لا تمتثلي لصراخ الناعينْ..)
قالت أشجار لا أوراق لها كانت صامدة في وجه الريح
(يا مريم، مري..)
صاحت في الآه طريق كانت تعبر جنب الأشجار ***
في الأشجار رأت مريم قامتها..فابتسمت للأشجار..
في الطرقات رأت وسْع خطاها..فابتسمت للطرقات..
قرات في ساق حصان الجانب حقلا من أغمار لا حد لها..
ورأت أطفالا يبتسمون لها..
وعصاقير ترش ظفائرها بالماء.. ***
نهضت مريم من غفوتها..
ضمت ما كان تبقى من عشب خطاها..
ومشت فاتحة صدر بهاها لندى الكلمات