المرأة العربية 3: من التعري الكلي إلى النقاب



سندس القيسي
2016 / 2 / 8

المرأة العربية 3: من التعري الكلي إلى النقاب

قبل أن أبدأ بالحديث عن المرأة العربية أريد أن أذكر تجربة قام بها فريق عمل في الولايات المتحدة تقتضي بذهاب الجميع إلى العمل مدة شهرٍ كامل عراةً تمامًا وكانت ردة فعل الجميع إيجابية بهذه التجربة التي طالبوا بتكرارها. وقد يعتبر البعض أن هؤلاء زادوها حبتين، إذ أن العمل يتطلب حشمة وهذا ما تتطلبه المهنية لكي يركز الموظفون على أعمالهم ولا يتشتت تركيزهم وهذا هو ما هو متعارف عليه بشكلٍ عام. أما لماذا أخذت هذه التجربة مجراها، فذلك لأن هناك الكثير من الغربيين الذين يرغبون في الرجوع إلى الحياة الطبيعية ببدائيتها وبساطتها. ولهذا عندما نطرح موضوع الحرية، يجب أن نفهم إلى أين نحن ذاهبون وإلى أي مدى سنجاري العصر.

وهنا أريد أن أنوه أن التعري مفهوم متأصل في الحضارة الغربية، حيث تجده في جميع حضاراتهم في الرسوم والمنحوتات، حتى أنك تراه في الكنائس عامة والفاتيكان خاصة. ويعد فن التعري في المسرح والسينما والتلفزيون والرسم والنحت والفوتوغرافيا فنًّا يفتخر به في العالم الغربي، لكن يظل هناك بعض الممثلون والممثلات الذين يرفضون التعري أمام الكاميرات حتى لو أدى ذلك إلى إعلاء أجورهم، ولا نقول أن التعري محرم لكن لكل شخص رأيه حول هذا الموضوع المألوف جدًا والذي نحن نستهجنه.

كما أن هناك موجة من الداعين إلى التعري بحجة العودة إلى الطبيعة وحياة رجل الكهف، والتي هي ما قبل البداوة. حيث توجد برامج تلفزيونية تعرض على القنوات العامة لكافة الجماهير والجميع فيها يكونون عراة. ولا ننسى شواطئ العراة والأندية الرياضية المختلطة للعراة وأنا هنا أقتصر حديثي على التعري وليس على الأماكن التي تتيح أكثر من ذلك كالجنس الجماعي وتبادل الزوجات وما إلى ذلك. وإذ أني أطرح كل ذلك من باب المعرفة بالشيء وليس من منطلق الترويج له وبغرض تحديد مفهوم الحرية التي نبغاها ونسعى إليها ونريد دون أن نفرض آرآنا على أحد.

أما من هي أول إمرأة عربية ركبت موجة التعري الغربية وخرجت عارية إلى الشوارع، فأنا لا أعرف بالضبط، لكني أذكر إمرأة سورية خرجت عارية للتظاهر في شوارع لندن قبل حوالي عشر سنوات واسمها ليس بمحضري الآن، ثم كانت الشابة المصرية علياء المهدي التي فجرت قنبلة بتسريبها صورها العارية على الإنترنت، ومن ثم أخذتها عادة فلم تعد تلبس ثيابها، ومن ثم حولت هذا الحادث إلى مسيرة نضال لتحرير المرأة. ولم تنته القضية هنا، فقد تعرت ثماني نسوة من العالمين العربي والإسلامي في مارس قبل عامين متظاهرات كناشطات امام متحف اللوفر في باريس احتجاجا على "القمع" الذي تتعرض له النساء في بلدانهن، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وحملت النساء اعلاما تونسية وايرانية وفرنسية. وفي نفس العام والشهر تظاهرت ثلاث ناشطات عاريات الصدور أمام السفارة المصرية احتجاجًا على الأوضاع في مصر.

وأنا ضد هكذا سلوك خارج عن نطاق سيره لأَنِّي لا أفهم ما دخل التعرية بالحرية والحقوق ولماذا المرأة فقط تتعرى بحجة المطالبة بحقوقنا. ولماذا لا يتعرى الرجل عندما يطالب بحقوقه بينما هؤلاء النسوة ما أسهل خلعهن لملابسهن أنا أقول لهؤلاء النسوة لا تتحدثوا بإسمي ولا تطالبوا بحقوقي، ولا تعتصموا من أجلي فأنتن لا تمثلنني وأنا لست بحاجة لكن بل بحاجة للنساء اللواتي يبقين ملابسهن عليهن ويخلعن التخلف والتبعية عن أدمغتهن ويحترمن أنفسهن وغيرهن! ما هذه الموضة السخيفة والتقليد الأعمى لبعض نِسَاء الغرب ولا أقول جميعهن! إن نساء كهذه لا تعلو في نظري بل تسقط في وادٍ سحيق من الإشمئزاز وقلة الإحترام والإسترخاص. هذا عدا عن أنهن يضعن أنفسهن في موقف ضعيف حيث أنهن يستخدمن الأنوثة سلاحا وجميعنا نعرف ماذا يعني هذا. والمضحك أنهن يشكين من بداوة العربي ويريدن العودة إلى ما قبل البداوة بكثير إلى رجل الكهف. ليس كل ما يناسب المرأة الغربية يناسب المرأة العربية.

أما في نقيض ذلك، فالمرأة المحجبة والمنقبة، التي علينا أن نقبل خياراتها في ذلك. ولم لا فهناك أوروبيات كثيرات مسلمات ومحجبات لا يستطيع العنصري أن يقول لهن أخرجوا من هنا. فهذه بلادها وإن كان العنصري مهاجرًا، فهي من تستطيع أن تقول له: أخرج من هنا! أنا مع حرية المرأة فيما تختار. هل تستطيع أن تقول للراهبة الكاثوليكية إخلعي حجابك؟ وهل تستطيع أن تصفها بأقل من الشرف والعفة والطهارة؟ المرأة المسلمة المحجبة هي كذلك أيضًا.
علينا أن نقبلها ونحترمها ونحتفل بها. وأعتقد أن النساء المحترمات اللواتي يحافظن على أنفسهن ويتعاملون مع أجسادهن باحترام يختلفن بعض الشيء مع النساء اللواتي يتعاملن مع الحرية والجسد باستهتار. هذا على طرفي النقيض وما بينهما. لكن احترام الجميع واجب والمساواة في المواطنة والحقوق أمر محتوم.