خرجت دون ان ترتدي حجابها



فؤاده العراقيه
2016 / 2 / 8

خرجتْ دون ان ترتدي حجابها , بعد ان شعرت بالضيق والاختناق منه , اختناق من كثرة القيود التي احاطت بها ,ومن محيط يفرّق بينها وبين أخيها الذكر ,ومن كثرة القيود التي احاطت بها ,ومن حياة اخذت منها الكثير دون ان تتذكر لها اي عطية , نعم الحياة لا تعطي حقوق لمن لا يطالب بها ولكنها مقيّدة بسلاسل وقيود لا طائل لها, ,هذه الحياة لم تعطيها شيء يذكر وفقط اسئلة دارت في رأسها وعصفت به دون أن تجد لها اي جواب , تفكيرها أخذ طريقه ووضحت لها بعض من سلبيات حياتها فحاولت ان تبدأ بتغيير واقع مرير التف حولها وأن تكسر جزء من ما أحاطوها به وتعودت هي عليه , هي تعلم بغريزتها بان التغيير لا يكون سهلا وعليها ان تدفع ثمنا لكل ما تأخذ , لكنها تدفع اثمان وليس ثمنا واحدا , فهي تدفع حياتها قاطبة دون ان تأخذ لنفسها أي شيء يُذكر باستثناء توفير سكنها ولقمتها وبعض المكاسب الصغيرة التي لا تُعد على حساب الحياة , هي ترغب في ان تعيش حياتها كما ترغب كون حياتها ملكاً لها ويحق لها التصرف بها كما تشاء بحدود المعقول ولا يحق لكائن من يكون في ان يمتلكها ومن ثم يتصرف ويتحكم بها حسب ما يرتئي هو وحسب مزاجه , لكنها دفعت ولا تزال تدفع اغلى ثمن دون ان تعر ف سبباً لهذا الحرمان ,فلِما لا تدفع وتأخذ ايضا طالما هي سوف لن تخسر سوى اغلالها وقيودها , فكرّت ما الذي ستخسره وحياتها فقدت معناها وهي قابعة بين اربع جدران وقواها مشلولة بخدمة هذا وذاك, دارت الأسئلة في رأسها وتذكرت ..
قالوا لها عن أي حرمان تتحدثين وأنتِ تقبعين في داركِ معززة مكرّمة لا ينقصكِ شيء ؟
ففكرت مع نفسها , كيف لهذه العقول في ان تفهم بأن الحياة لا تقتصر على غرائزهم فقط ؟ كيف لعقولهم التي انغلقت بحدود وبحواجز لا تُعد من ان تستوعب حياة غير التي عرفوها ؟ كيف لهم ان يفهموا بان الحياة اوسع مما تراه اعينهم ؟
هي تفكر بحياتها المسلوبة وهم يفكرون بان لا حياة لهم سوى حياتهم , هي ترى بأنها تدفع الثمن غالياً وهم يرون بأنها طبيعة لا يجب تشويهها .
لكنها كان لها رغبة في ان تستنشق هواءً نقيا يبتعد عن قيود الأهل وتلك الأعمال المرهقة لجسدها ولعقلها في آنٍ واحد إضافة لرغبتها في ان تدخل الشمس لثنايا شعرها الجميل والمحجوب عن نور الشمس, فخرجت وبدأت تتحرك بعفوية وبدون قيود لتُعيد توازن عقلها وجسدها المتعبين من قيود تحكمت حتى في اوقات نومها وصحوتها فلا يحق لها النوم إلا بعد ان ينام رجال البيت فربما احتاجوا لقدح ماء او استكان شاي وعلى هذا المنوال هي تدفع ثمن جريمتها كونها انثى في مجتمع قسّم الحقوق والواجبات على اساس ألجنس فخرجت للترويح قليلا عن نفسها لحين ان يستيقظ أخوها ومن ثم تنتقل للشيفت الآخر من عملها.
أخذت تحرك ذراعيها لتضخ الدم في شرايينها بعد أن انهكتهما تلك ألأعمال فإذا بها تُفاجأ بوجود مجموعة من الرجال يعملون على سطح احد البيوت فلم تكن تتوقع وجود أحد رغم اقتحام اصواتهم لأذنيها لكنها اعتقدت بأن تلك الأصوات كانت بعيد, ندمت لكونها خرجت دون أن تلف رأسها بالحجاب ولكونها تحركت دون قيود على أساس إنها كانت بمفردها , تنبّهوا لها في اللحظة ذاتها التي تنبّهت بها لهم ولكن دون أن يغير انتباههم لها من شيء كما غيّر بها ,وكأن وجودها من عدمه سيان لديهم , وكأنها لم تكن موجودة اصلا فلم يكلّفوا انفسهم في خفض اصواتهم احتراما لوجودها في الوقت الذي به صعقها وجودهم لحد الرهبة فتواجدهم شكّل لها الكثير لغاية أنها فكرت في ان تتوارى عن انظارهم كما تعودت دوما لتخفي عورتها عن تلك العيون , أرادت الرجوع ولكنها خجلت هذه المرّة في أن تتصرف كعادتها دون تفكير , وتساءلت بصمت عن السبب في إنهم لن يبالوا لها بل زاد وجودها من استهتارهم فارتفعت أصواتهم أكثر مما كانت عليه ليشعروا من خلال استهتارهم هذا بالسيطرة وبالرجولة التي باتوا يحلمون بها ولكونهم تعوّدوا على ان لا يتقيدوا بوجود بنات جنسها فلهم الحق والسلطة عليها في كل مكان فعيونهم لا تراها إلا عندما يريدون رؤيتها , أي لنفس السبب الذي به تعوّدت سلوكها , التعوّد دون تفكير .

أرادت الرجوع أدراجها لكنها تأنت هذه المرة وتساءلت بعد أن تحلت بنوع من الشجاعة عن السبب الذي به عليها أن تتوارى عن الأنظار فتترك انطباع لدى هؤلاء بالنصر والشموخ عليها لا لسبب سوى لكونها خجلت منهم وهم لا يعرفون للخجل طريقا فتعطيهم حجم أكبر من حجمهم بكثير, تذكرت في هذه اللحظات الكثير من التعاليم التي لُقنت بها فهي عورة ومصدر فتنة لهم وتثير في الرجل شهوته ليفقد صوابه وينقلب إلى حيوان .
فكرت أين يكمن الخلل ؟هل بشعرها الذي وهبه الله لها أم بضعف الرجال ؟
ومن عليه أن يتوارى عن الأنظار ؟ ومن هو المعتدي هي أم هم ؟ وكيف نقوّم ضعف هؤلاء هل بمنع المصدر الذي يتسبب لهم بالهيجان أم بتشذيب عقولهم وتنظيف نفوسهم التي طغت واستبدت وطالبت بحجب كل مصدر يثير شهوتهم؟

كيف تتقوى النفوس وتتطور طالما نحن نحجب ونحجب عنهم كل ما يُظهر ضعفهم وماذا عن الضعف وكيف يزول ؟
فقررت أن تتحلى بالشجاعة وتمكث قليلا ومن ثم تتوارى بهدوء دون أن تُلفت انتباههم حتى لا تثبت لهم بأنها خجلة منهم أو هي عورة كما يفكرون ولا هي أقل شأناً منهم ولا يحق لها الظهور دون أن تغطي عوراتها .

أثناء إصرارها بدأت تلك العيون بالتربص لها شيئا فشيء وتحملق في هذا الكيان الغريب فقررت بغريزتها في أن تتمرد وتنتفض على هذه العيون وعلى ما لٌقنت به من هذا المحيط , ولكن تعليمها ومحيطها لن يعينانها علاوة على ما ينتظرها من عمل وخدمة إخوانها الذكور , فكرت بحفنة الملابس التي تنتظر ان تغسلها وتكويها وعليها ترتيب الفراش الفلاني فلابد من أن اخيها قد نهض الآن من فراشه وعليها ايضا تحضير فطوره , ومن بعدها مسح البلاط الفلاني ومن ثم غسل صحون الفطور والأكواب قبل ما يأتي الغداء , وووووو, فما السبيل أمامها وإخطبوط الجهل يحكم قبضته عليها بأذرع أحاطت بها من كل حدب وصوب, منها قانون لا يرحمها ولا ينصفها حيث يقف الى جانب الرجال ويعتبرها تابعة لهم وثانية تمثّل رجال منعوها من الخروج ومعاركة الحياة وثالثة تمثّل المجتمع الذي لا يعطيها الحق في ان تتمرد عليهم فهم اوصياء عليها وهي تابعة لهم , ولابد لتلك الحلقة المفرغة التي التصقت بها في ان تعيد كرّتها عليها لكونها انثى ولا حل لها في مثل واقعها سوى قبول هذا الوضع الذي أراده الله لها , وهذه الأعمال المرهقة لعقلها هي واجبها الذي فُرض عليها وواجبها المكوث بالبيت وحقوقها ان تنال لقمتها وكسوتها التي هي من واجب الرجال عليها حيث توقفنا الى هذه النقطة ولا نبرحها ويجب أن تُقسم الأعمال ولا محالة من تقسيمها , تاهت في هذه الدوامة ,عمل يومي يعيقها عن اي ابداع ويعرقل تفكيرها ويشتته بحيث لا تجد الوقت لتجيب على تلك الأسئلة التي دارت ولا تزال تدور في راسها , كيف ستجد الجواب لأسئلة كثيرة تدور في رأسها يوميا , من ضمن هذه الأسئلة ما السبب الذي جعلتها تتوارى عن الأنظار هكذا دون تفكير ؟ ما السبب الذي من ورائه شُل تفكيرها وقدراتها ؟ما السبب الذي وضعوا لها الحدود والضوابط وهم احرار ؟ ما السبب الذي حصرها في مهام البيت وخدمة ذكوره ؟
هي تشعر بحدسها بأن هذا المحيط وهذا التلقين قادر على أن يقتل كل طبيعة جميلة بها, ويشوه تفكيرها ويحصره لكنها لا تفهم السبب ,فقط تفهم بان المحيط كان سببا رئيسيا لضعفها , فكيف لعقلها الصغير في أن يتصدى لكل هذه القيود ولهذه العقول الساكنة سكون الأموات ؟ ساكنة سكون الأموات عقولهم التي أحاطت بها منذ قرون , والعقل عدوه الأوحد القيود .

دمتم بوعيكم سالمين