المرأة العربية 4: النضال بالجسد العاري



سندس القيسي
2016 / 2 / 10

المرأة العربية 4: النضال بالجسد العاري

إن تعري المرأة الغربية وعقدها يختلفان كثيرًا عن تعري المرأة العربية وعقدها، فالمرأة العربية تتربى على العيب والحرام وهي إذ أنها تكسر هذه الدائرة من التربية المقفلة المحافظة، فإنها تخدش شيئًا داخلها أيضًا ربما يتسبب بنزيفٍ جواها. ولأن الحرية في مضمونها تعني أن نستقبل الحياة بأقل قدر من العقد وأكبر قدر من الطاقة غير المشوهة وغير المشوشة، فأن ذلك يعني أن نتحرر من عقدنا. لكن برأيي في من تريد أن تسبق الزمن وتحرق المراحل لتصل إلى مستوى تحرر المرأة الغربية دون فهم ودون وعي ودون مراعاة لمجتمعها، فإن هذا يثبت تخلف هذه المرأة وتكديس عقدٍ فوق عقدٍ لأن علماء النفس يقولون لا يستطيع المرء أن يأكل الفيل دفعةً واحدة، بل عليه أن يقسمه ويقطعه ويخزنه ويأكل منه شيئًا فشيئًا. والفيل لا يؤكل لكنه يستخدم مجازًا هنا للتعامل مع العقد التي تتطلب وقفة تأمل صادقة مع الذات. ولذلك عندما تقفز المرأة من قمة المحافظة إلى قمة "التحرر" بالتعري فجأةً مرةً واحدة دون مقدماتٍ ودون سابق إنذار، فإنها قد تظن خطأً أنها قد بلغت الذروة والعلالي، في حين أنها سقطت في هوة عميقة من الإنحطاط.

والفرق بيننا وبين الأوروبي هو أن الأخير يتأمل ويفكر ويناقش ليس مع نفسه فقط بل مع مجتمعه ثم لا بد أن يجد تخريجة أخلاقية وفكرية قبل أن يقوم بالسلوك مهما كان هذا السلوك كالتعري مثلاً، وهو إذ يجيز ويحلل هذا السلوك، فإنه لا يقوم به منفردًا بل يكون جزءًا من حركة كالهيبيز مثلاً أو الروك أند رول أو البوهيمية. ولو كان التعري مرفوضًا في المجتمعات الأوروبية، فإن المرأة الغربية لن تقوم به، على عكس المرأة العربية التي لا تصدق أن تخلع ملابسها أمام الملأ من شدة الكبت ثم تضحك علينا بالقول بأنها تناضل من أجلنا، وهي لم تستشيرنا في الأمر ولا ناقشته معنا ولا حتى سألت رأينا فيه. وبكل تعسفية، تلاعبت بصورة الملايين من النساء الطاهرات واغتالت شخصياتهن الكريمة في حين جل ما ترغب به المرأة العربية العارية من كل المثل والقيم وورقة التوت حتى هو الحرية الجنسية المحضة.

ثم أن المجتمعات الغربية تطورت تدريجيًّا، فمن يتتبع السينما الغربية في الأربعينيات من القرن الماضي، يجد المرأة الغربية زوجة تقليدية محافظة في لبسها وتصرفاتها تدير أمور المنزل وتراعي زوجها. وبدأت هذه الصورة بالتغير حين ظهرت الممثلات الغربيات بالبيكيني في الخمسينيات، الفعل الجرئ وقتها. أما عقد الستينيات، فهو زمن الروك أند رول والتحرر الجنسي. والغربيون يحلفون بهذا العقد الجميل الملئ بالحفلات والموسيقى الرائعة والعلاقات المتحررة، والذي زامن أيضًا حركة الهيبيز الثقافية، التي ارتكزت على البوهيمية والروحانية الشرقية والإنسجام مع الطبيعة والتجريب الموسيقي والعيش الجماعي.

فلهذا، نرى أن الحرية تكبر ككرة الثلج في العالم الغربي. فهي تبدأ، ثم تنتشر شيئا فشيئًا حتى تصبح حركة إجتماعية وبعدها تنتشر كسلوك فردي وجماعي. ومن هذا المكان تأتي حرية المرأة الغربية في التعري. وإذا فكرنا فيها قليلًا، سنجد في إطار هذه الوقائع أن التعري يعد أمرًا طبيعيًا وحقًّا في الحياة الغربية، ما يعني أنه مقبول إجتماعيًا. فالمرأة الغربية التي تؤيد التعري، منسجمة مع نفسها ومحيطها، ولا يستطيع أحد أن يدينها وهي متعودة علي التعري في بيئتها. فهي بالتالي لا تكسر أي قيم ولا تتسبب لنفسها ومجتمعها بأي عقد. ولهذا عندما تتحدث عن التعري، فهي تفعل ذلك بحرية حقيقية وكاملة وليس عندها نقاط لتسجيلها على أحد ولا تفعل هذا للحصول على ردة فعل ولو أن هناك أوروبيات يرغبن باستجلاب النظر.

وتستخدم النساء الغربيات أجسادهن للنضال لإثبات وجوه نظرهن أو التأكيد على حريتهن في التعري أو لمجرد التعري في حد ذاته أمام الملأ. ولن أعطي نبذة تاريخية طويلة بل أقتصر على أن التعري استخدم كأداة ضغط لجلب الإنتباه لقضايا عامة قبل مائة عام تقريبًا. أما القضايا التي يستخدم فيها التعري كسلاح فهي؛ حق التعري لذاته أمام عامة البشر، حقوق الحيوان، الحرب والسلام، ملكية الأرض. ولعنة الرجل الأسود وتغيير نوع الجنس وأخيرًا انضمت فيمن وهي منظمة نسائية في أوكرانيا قبل ثمانية أعوام، وهذه حملت مظلة التعري للنساء العربيات في باريس وغيرها.

ولكني سأتطرق إلى حملة تعري أطلقتها نساء روسيات يشكلن فرقة روك وبانك نسوية قبل أربع سنوات واسمها تظاهرات الشغب النسوي أو (بوسي رايوت)، حيث قمن بإطلاق عروض فنية عن الحياة السياسية في روسيا، في أماكن غريبة كالكنائس ومترو الأنفاق وعلى ظهور الباصات. وطالبت هذه الحركة النسوية التي شكلتها إحدى عشرة شابة بالحقوق النسوية وحقوق مثليي الجنس وإنهاء علاقات الرئيس الروسي قلاديمير بوتين بقيادات الكنيسة الأرثوذكسية المتنفذة. وعارضن بوتين باعتباره ديكتاتور. وقد اندلعت التظاهرات حين سجن ثلاثة منهن وتمت محاكمتهن والحكم عليهن بالسجن لمدة سنتين على كلٍ منهم. وهؤلاء يعتبرن من أكثر الجماعات معارضة بشكل سياسي وقد تأثرت أغنياتهن بكل التجارب التي مررن لها. وقد أيدتهن مطربة البوب مادونا وقتها والتي كانت تحيي حفلاً غنائيًا في موسكو.

أما المثال الأخير في استخدام التعري في نضالات المرأة، أذكر هنا فيلم "فتيات الرزنامة" أو (Calendar Girls)
الذي خرج للضوء قبل أكثر من إثني عشر عامًا محدثًا ضجة تليق بموضوعه، وتدور قصة الفيلم الحقيقية على عدد من النساء في يوركشير في الريف الإنجليزي، أردن أن يصدروا رزنامة تقويم سنوي بصورهن العارية عليها. كل هذا بهدف جمع تبرعات لمرضى سرطان اللوكيميا أو سرطان الدم. وكانت معظم السيدات في سن متقدمة من العمر وكان هذا الأمر بمثابة الخارج عن المألوف في بيئتهن ولم يكن من السهل إقناع النسوة بالتعري واستكمال كافة الإجراءات التي اقتضت تصويرهن عراة بينما هن يقمن بأعمال المنزل كالطبخ والتنظيف وما إلى ذلك. ورغم الصعوبات التي وقفت في طريق هذا المشروع، فإنه قد نجح وأعاد النظر في دور النساء في المجتمع ووزن ثقلهن. وبعض النقاد ربطوا بين هذا الفيلم المنتج عام 2003 وفيلم آخر "ذا فول مونتي" أو (The Full Monty) منتج أواخر التسعينيات. وهو فيلم إنجليزي آخر يتعرى فيه الآباء المنفصلون عن زوجاتهم وصديقاتهم وأبناءهم الذين هم مع أمهاتهم، من أجل ريع مالي. وهذا الفيلم الأخير كوميدي ومهم جدًا في تاريخ السينما البريطانية لكونه يطرح قضايا ساخنة كالبطالة وحقوق الآباء والتعري.