تدجين المراة في المجتمعات القديمة



وليد يوسف عطو
2016 / 2 / 11


( 1 ):( ان اول استعمار تم في تاريخ البشرية يتمثل باستعمار المراة ووضعها في وضع منحط ودوني )الباحث في الانثروبولوجيا الدكتور فالح مهدي من كتابه :
( الخضوع السني والاحباط الشيعي : نقد العقل الدائري ) – ط 1 – 2015 – الناشر : بيت الياسمين للنشروالتوزيع – القاهرة.

( 2 ) يكتب الباحث د . فالح مهدي في مقدمة عنوانه عن تدجين المراة مايلي :
( قوانين العراق القديم تقدم لنا صورة مذهلة عما يمكن ان نطلق عليه انثروبولوجيا وسوسيولوجيا القانون من الناحية التاريخية, فلا زواج بلا عقد , ولا شرعية للاولاد بدون زواج .
العالم القديم يشترك باعتباره العائلة والزواج العمود الفقري للقوانين القديمة . ولو نظرت الى قوانين حمورابي والقوانين الاشورية , فستجد ان الاحوال الشخصية تشكل عمودها الفقري .

ويمكننا تطبيق نفس البديهية على القوانين اليهودية والاسلامية وقانون مانو الهندي ).
لقد توصل الباحث د . فالح مهدي الى ان اول استعمار تم في تاريخ البشرية يتمثل باستعمار المراة .ووضعها في وضع منحط ودوني . اساطير بلاد مابين النهرين ( العراق القديم ) تقدم صورة لاستعمار الرجل للمراة . ان ادب تلك الحضارة صاغه الرجال الذكور من كهنة وكتبة المعبد السومري والبابلي والاشوري . فالالهة عشتار ثنائيةالطابع .فهي آلهة الحب وفي نفس الوقت آلهة الحرب , المانحة والغادرة .وفي الاسطورة الاغريقية فتحت ( بندورا ) صندوق الامراض والكوارث . ولم تبتعد الديانات التوحيدية عن هذه النظرية وتابيد دونية المراة .

لقد خلق اله التوراة (ياهو)حواء من ضلع معوج لادم , ولم يخلقها من طين او من تراب , وقد دفعته حواء الى اكل الثمرة المحرمة , وهي التفاحة رمز لعصر الزراعة ,بحسب الباحث د خزعل مهدي , وفي قانون مانو نجد النص التالي :
( اعطى الله للمراة الغضب وقلة الشرف , المكر والسفالة ).
نجد في قانون مانو قسوة لاوجود لها في القوانين الاخرى . فالارامل نادرا مايرثن ازواجهن . وقانون مانو يقسم الارث مابين الاولاد والزوجة . وتذهب بعض الاعراف وحتى قانون مانو الى عدم جدوى استمرار المراة في في الحياة بعد وفاة زوجها , حيث كانت تغطى بالحطب وتحرق في لحظة مراسيم حرق زوجها .

ولم يبطل تلك العادة البربرية الا المستعمر البريطاني ( الرحيم ) عام 1829 .
الاسلام لم يخرج عن هذا التراث كثيرا ,فيرجم الزانية والزاني حتى الموت , كما هو الحال في ايران اليوم , او ان يجلدا مائة جلدة قد تؤدي بهما الى الموت .
كل الديانات قامت بتقنين وقوننة الجنس .
لقد نصت المادة ( 129 ) من قانون حمورابي ( شريعة , ناموس ) على مايلي :
( اذا اضطجعت امراة مع رجل آخر غير زوجها , فيوثق الاثنان ويرميان الى النهر ).
لقد اعطى قانون حمورابي الزوج الحق في ان يعفو عن زوجته . ان المشرع يقوم باخراج المذنبين من دائرة الايمان , فالحيز الدائري يضع النظافة في اعلى قائمة القيم .

الماء ينطوي على معاني الغسل والتطهير لكي يبقى الحيز الدائري نقيا . كما كان بامكان الملك العفو عن عشيق الزوجة اذا قام الزوج بالعفو عن زوجته .
في سفر التثنية من التوراة نجد ان الرجل ,الذي يضبط في فراش امراة متزوجة يتم رجمهما حتى الموت .
في الاسلام نجد تشريعات مشابهة . ففي سورة النور ( 2 )يجلد الناكح والناكحة مئة جلدة , وهي عقوبة موت بطيء .

تتمثل الصعوبة في استحالة اثبات فعل الزنا هذا بوجود اربعة شهود عدول يرون الفعل كدخول الميل في المكحلة . اما في المسيحية فلا توجد تشريعات في الاناجيل .
في المجتمعات الاسلامية المعاصرة اهملت تلك التشريعات القرانية وتم العودة الى الموروث القبلي والبربري المتوارث , حيث يتم قتل المراة بتهمة ( غسل العار ) حتى على وجهة الشبهة وليس التاكيد .كما مارس بعض المسلمين في دول المهجر قتل بناتهم غسلا للشرف , مثل بعض الاكراد في بريطانيا والمانيا .

يقول الباحث الانثروبولوجي ( كارمل كاسار ) ان الشرف انعكاس لقيم اجتماعية,جنسية , اقتصادية وسياسية . فقد وجد تقارب تلك القيم في مجتمعات متباعدة عن بعضها , كما هو الحال مع الامازيغ ( البربر) في الجزائر ومع سكان كورسيكا وايطاليا واسبانيا .
تعني الرجولة في مجتمع الرعاة في شمال اليونان , الشجاعة , القوة والدفاع عن المراة خوفا من العار . وهذا يعني ان الشرف عند تلك المجموعة اليونانية يخص الرجال في حين ان العار يرتبط بالمراة .

ان الرجل في المجتمعات القديمة , اي ماقبل الصناعية يمثل القيم الايجابية , في حين تمثل المراة القيم السلبية .
في مجتمعاتنا العربية – الاسلامية نجد ان واجبات الرجل اقتصادية اولا ,بينما حقوقه جنسية في الدرجة الاولى . على عكس المراة , فان واجباتها جنسية اولا , بينما حقوقها الاساسية اقتصادية . اذ يعتقد في تلك المجتمعات ان المراة عالة على الرجل , دون الاخذ بنظر الاعتبار انها تعمل اكثر من الرجل . ينظر الرجل الى عمل المراة المنزلي انه عمل ليس له قيمة اقتصادية . لذا يتم النظر الى المراة نظرة دونية .

مفهوم الشرف في الاسلام

لقد اخذ الاسلام بقيم الشرف الدائرية التي وجدت في المجتمعات القديمة كالمصرية والعراقية , والتي تمتد الى اكثر من ثلاثة الاف سنة قبل قيام الاسلام . كما انها وجدت ايضا في شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام .
لقد تحول مفهوم الشرف في العصر الحديث عندالعرب من قيم الشرف المتمثلة باحترام الذات , واحترام الاخرين ,والتسامح والابتعاد عن الصغائر , واحترام الكلمة والمواثيق ..الخ وانحصر مفهوم الشرف بالمعنى الدوني المتعلق بالعضو الجنسي للمراة .

يقول د . فالح مهدي (العصر الراهن يمثل ارتداد وبؤس مفهوم الشرف عند المسلمين , فقد تبخرت كل القيم التي تشير الى الشرف , واصبح مرتبطا في المخيلة الجماعية بفرج المراة !).

في ثقافة الشعوب ذات الحيز الدائري ليس عارا ان تسرق او تغش او تزور , او تغزو او تقتل او تهين الاخر ,ولا يدخل في باب الشرف عدم احترام المواثيق والكلمة . فكل شيء يمكن تبريره والتغاضي عنه ( عفا الله عما سلف ).

ان الجنة في ثقافة العالم العالم القديم جنة رجالية ذكورية وجدت من اجل سعادة الرجال . فحور العين وجدت من اجل سعادة المؤمنين . لقد كانت الجنة التوحيدية وفية لقيم الحيز الدائري , فلا بصيص امل يمكن المراة من الاستمتاع برجل من الرجال .

( 3 ): تدجين الرجل :

ان تدجين المراة انطوى من ناحية انثروبولوجية على تدجين الرجل وبدون اخذ رايه , كما عبر عن ذلك الباحث د . فالح مهدي ,اذ يطلق على بسطاء الناس وفقرائهم مصطلحات , الدهماء ,العامة ,الغوغاء .
لقد دجن الرجل ورسمت له النظم والقوانين والعقائد الدينية مايجب عليه القيام به والمحرم عليه . فلا يمكن الاستمتاع بامراة دون عقد زواج , ودون مراسيم واشتراطات لذلك العقد . ولا يدخل دائرة الايمان دون ختان , ولا يدخل الجنة دون صلاة وصيام وزكاة وحج , ولا يمكنه الصلاة دون وضوء ..الخ .

ان تقنين العمل الجنسي والشهوة الجنسية ادى الى السيطرة الذكورية على المجتمعات القديمة والى قيام عنف رمزي هو نتاج للعقل الايديولوجي في ثقافة العالم القديم .
ان العنف الرمزي يتحول الى راسمال تغذيه الايديولوجيا ,فيمارس نشاطه عبر المعرفة الدينية الاسطورية وبشكل مطلق لايقبل الشك , وسلاحه اليقين اولا وثانيا .

ان من يخرج عن دائرة اليقين يسقط في دائرة الكفر والالحاد , ضمن فلسفة الحيز الدائري والعقل الجماعي ,حيث يتحول ذلك المجتمع الى حيز تآمري ويتم اخراج المتآمر من الحيز الجماعي .

تطرق عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الى موضوع الشرف عند قبائل الامازيغ في الجزائر , في كتاب يمثل جزءا من اطروحته في عام 1972 , تناول فيه مفاهيم الشرف من خلال الحيز المغلق .
فعلى ضوء تقسيم العمل , وتقسيم الحقوق والواجبات , اي اقامة نظام قيمي . حيث نجد ان كلمة ( فوق ) تشير الى الرجال , وكلمة ( تحت ) تشير الى النساء والحيوانات والاطفال والحبوب .

ان الجزء السفلي من البيت او قاع البيت , او قاع المنزل , ترمز الى الظلام وحيث يتم تخزين مستلزمات البيت الطرية والجافة ,كما تتواجد فيه الحيوانات . ومكان النوم والعلاقات الجنسية وولادة الاطفال , وكذلك الموت .

انه مفهوم ثقافي على النقيض من الطابق العلوي الذي يمثل النور والنبل والاستقامة . حيث يستقبل فيه الرجل ضيوفه .استخدم الجزائرين عبارة نيف – Nif التي تعني الانف , وما يرمز اليه من انفة .الرجل مرتبط بالنور والمراة ترتبط بالليل والظلمة . لذا ارتبطت المراة بالقمر والرجل بالشمس .

ان الولادة طقس والختان طقس , والموت طقس .ان طقس الولادة غير مرحب به في هذا الحيزبالنسبة لولادة الاناث ولا زال القرويون في الهند والصين يقتلون اطفالهم عندما يتاكدون من انوثة الطفل . والختان ليس بطقس عندالنساء . رغم ان ممارسته عند النساء تتم في الخفاء وليس في العلن . كما ان زواج البنت هو للتخلص من عارها وموتها رحمة !.

ان رجال القبائل في الجزائر يعبرون عن امنياتهم بقولهم :
( الله يجعل دارك مفتوحة ) . والدار المفتوحة تشبه المسجد المفتوح على الفناء . والفناء يمثل الشرف والنور والمجد والرجل . في حين ان حوض المنزل اي قاع المنزل يرمز الى الانطواء والظلام والغموض والى المراة .

راقب الانسان القديم الكون ونظامه وظواهره , وانبهر فيه . وقفت الرغبة عصية في وجه نظام الكون . اين نضع الشهوة والرغبة الجنسية والحرمان الجنسي والتي قد تتسبب في القتل ؟
لذا وضع الاقدمون الحيز وفق تصوراتهم عن الكون .فالبيوت السومرية كانت دائرية ثم استطالت , والا ستطالة شكل من اشكال الدائرة , وهي تمثل العودة الى نقطة البداية .

وقفت الرغبة عائقا امام النقاء الجنسي الذي اوجد مفهوم الشرف , الذي قاد الى اصالة النسب !.لذا تركزت الجهود بدءا من السومريين على الحد من الرغبة !.
الارث الثقيل المعادي للمراة لازال ساريا في المجتمعات الحديثة المتطورة . ان الاعتداء على النساء من قبل ازواجهن دفع الحكومة الاسبانية الى تاسيس قسم للامن الداخلي متخصص بمكافحة عدوانية الرجال , علما ان نسبة النساء المقتولات من ازواجهن في اسبانيا وفرنسا وايطالية ليست بالهينة .