الحركة الشيوعية وتحرير النساء (ترجمة)



مرتضى العبيدي
2016 / 2 / 17

تقديم: هذا النص هو من تأليف منظمة "الأرضية الشيوعية بإيطاليا" وقد نُشر في العدد 28 لمجلة "وحدة وصراع" المجلة النظرية للندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية. ترجمناه وننشره هنا لتعميم الفائدة. (المترجم)

1. تحرير المرأة في الفكر الثوري لدى كلاسيكيي الاشتراكية العلمية

بعد تعدد الزوجات والأزواج البدائيين، وحسب كلاسيكيي الاشتراكية العلمية، وبعد تطور العائلة الآحادية، حكمت قاعدة واحدة أساسية وضع المرأة في المجتمعات البشرية، وخلال عدة قرون: وهي هيمنة الرجال على النساء.
وتغيرت هذه القاعدة بعض الشيء في العصر الحديث؛ إلا أنها ظلت في جوهرها مرتبطة بوجود الملكية الفردية، والتي هي المحرك لمختلف ظواهر الحياة الاجتماعية سواء في المجال الجنسي والعائلي، أو في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
ولا تزال التحاليل العميقة التي قام بها إنجلز في مؤلفه "أصل العائلة والملكية الفردية والدولة" (1884) ذات راهنية ثابتة. فقد أكّد العنوان لوحده العلاقة الوطيدة بين هذه العناصر الثلاثة.

" لقد كان الاقتصاد المشاعي العائلي القديم يضمّ كثيرا من الأزواج مع أطفالهم. وقد كانت إدارة العائلة من مشمولات النساء. كانت تلك المسؤولية معتبرة ضرورة اجتماعية من نفس درجة جلب المؤونة التي كان يتحملها الرجال. إلا أن الوضع كان مغايرا تماما في صلب العائلة الأبوية، وبخاصة في صلب العائلة الأحادية، إذ فقدت إدارة العائلة طابعها المشاعي، وأصبحت لا تهم المجتمع، بل صارت خدمة خاصة بالعائلة، وتحولت المرأة آنذاك إلى الخادمة الأولى، وتمّ إقصاؤها من المساهمة في الإنتاج الاجتماعي. والصناعة الكبرى الحديثة، هي وحدها التي فتحت من جديد أمام المرأة البروليتارية طريق المشاركة في الإنتاج الاجتماعي؛ ولكن بشكل يجعلها، إن تحملت مسؤوليتها في المجال الخاص، مقصية من المجال الاجتماعي وغير قادرة على الكسب. وإن أصرت على المساهمة في الشأن العام، وعلى الكسب لحسابها، فإنها تجد نفسها غير قادرة على تحمل واجباتها العائلية. وكذلك الشأن بالنسبة لمختلف أنواع الأنشطة، بدءا بالطبّ، إلى المحاماة وكذلك بالنسبة للصناعة. ترتكز العائلة الأحادية المعاصرة على الاستعباد العائلي، الذي يمكن أن يكون استعبادا صريحا أو مقنعا. والمجتمع المعاصر هو عبارة عن كتلة متركبة من عائلات أحادية مثل النواتات. فاليوم، يجب على الرجل، وفي معظم الأحيان، إعالة العائلة وخاصة في العائلات التي لديها ملكية فردية، وهذا ما يمكنه من سلطة وسيادة لا يحتاج معها إلى أي تمييز قانوني لتدعيمه. فداخل العائلة، يمثل الرجل البورجوازية، وتمثل المرأة البروليتاريا"

وأكد إنجلز في "مبادئ الشيوعية" منذ 1847، أنه ومن وجهة النظر الثورية، لا بد من طرح مسألة العلاقة بين الجنسين في المجتمع الشيوعي على النحو التالي:" ماهي انعكاسات النظام الشيوعي على العائلة؟ ستغير الشيوعية العلاقات بين الجنسين، وتجعلها ذات طابع خاص بحت، ولن تهمّ سوى الأشخاص الذين يكونون العائلة، ولا يحقّ للمجتمع التدخّل فيها. وسيصبح هذا التحول ممكنا بفضل إلغاء الملكية الخاصة، وبفضل تربية الأطفال من طرف المجتمع، وسوف يتحطّم مع هذا التغيير ركني مؤسسة الزواج الحالية والمرتبطين بالملكية الخاصة التي تجعل من الزوجة تابعة للزوج، ومن الأطفال أتباعا للوالدين".
كما يؤكد "بيان الحزب الشيوعي" (1848) بقوة الموقف البروليتاري الثوري للمرأة والعائلة:
"على أيّ أسس ترتكز العائلة البورجوازية الحالية؟ ترتكز العائلة على رأس المال والربح الفردي. فالعائلة في أبهى مظاهرها لا توجد إلا في أوساط البورجوازية. [...] فالصناعة الكبرى تدمّر العلاقات العائلية لدى البروليتاريا وتحوّل الأطفال إلى مجرد سلع تجارية، أو أدوات عمل [...]. فالمرأة بالنسبة للبوجوازي ليست سوى آلة للإنجاب[...] ولا يتخيّل البورجوازي أنه يتعيّن تحرير المرأة من دورها هذا بالذات، الذي يختزلها في الإنجاب".
ففي الجزء الأول من كتاب "رأس المال" يقول ماركس وهو بصدد الحديث عن الرأسمالية التي خلال تطوّرها، تزعزع أسس الاقتصاد العائلي وتحوّل العلاقات بين المرأة والرجل، كما تحوّل العلاقات بين الآباء والأبناء: " وليست السلطة الأبوية اللامتناهية هي المسؤولة عن استغلال الأطفال، بل إن الاستغلال الرأسمالي هو الذي حوّل هذه السلطة إلى تجاوز مقيت. ثم أليست التشريعات الموضوعة اعترافا رسميا باستغلال النساء والأطفال من طرف رأس المال؟ واعترافا بأن الصناعة الكبرى هي التي أدت إلى انحلال العائلة العمّالية التقليدية، باعتبارها ضرورة اقتصادية، كما تعترف بأنها حوّلت السلطة الأبوية إلى آلية اجتماعية مؤهلة لتوفير، إن كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أبناء البروليتاري للرأسمالي، الذي تحت التهديد بالموت، عليه أن يلعب دور الوسيط ودور النخّاس. وتسعى مختلف هذه التشريعات إلى قمع أو الحدّ من التجاوزات لهذا النظام الاستعبادي. ومهما كان انحطاط وعجرفة العلاقات الجديدة والتي أتت على أنقاض العلاقات العائلية القديمة، فإن الصناعة الكبرى، وبفضل الدور الحاسم الذي توليه للمرأة وللأطفال، خارج الفضاء العائلي، وضمن عمليات الإنتاج المنظمة، فإنها تخلق الأساس الاقتصادي الجديد الذي سينبني عليه الشكل المتقدم للعائلة وللعلاقات بين الجنسين[...]. فحتى تركيبة العمّال المشتركة، حسب الفرد والجنس والسنّ، فهذه التركيبة التي كانت أساسا للتعفّن والعبودية، تحمل في ذاتها جذور التطور الاجتماعي"( رأس المال، الكتاب الأول، الفصل 15)
كما ندّد لينين وبشدّة بالاضطهاد المزدوج الذي تعاني منه النساء في ظل الرأسمالية بقوله: " تعيش نصف البشرية في النظام الرأسمالي في ظلّ اضطهاد ثنائيّ. فالعاملة والفلاّحة تعانيان من رأس المال وذلك حتّى في ظلّ أكثر النظم البورجوازية ديمقراطية. وتظل كلّ من العاملات والفلاحات كائنات دونية، وهن [عبيدات في المنزل] لأنهن المسؤولات الوحيدات على المهام البائسة والمذلّة والقاسية والمنهكة في كلّ من المطبخ والبيت" (ف. أ. لينين، اليوم العالمي للعاملات)

2. ما هو الوضع العام للمرأة اليوم؟

تمثل النساء زهاء نصف سكان العالم (49 بالمائة) ، ويتجاوز عددهن السبع مليارا من البشر. وهن في معظمهنّ عاملات مستغلاّت ومضطهدات. وتمثل النساء اليوم حوالي 40 بالمائة من السكان النشطين في العالم، إلا أن مقدار العمل الفعلي الذي يقدّمنه يتجاوز بكثير نسبتهن نظرا لما يقمن به من عمل منزلي (حوالي 30 ساعة بالأسبوع). وبصورة عامة، فإن مساهمة النساء في عملية الإنتاج قد تطورت خلال العشريات الأخيرة، رغم أن الفارق في نسبة تشغيل كلّ من الرجال والنساء ملحوظ، وتوجد أكبر النسب في تشغيل النساء في بلدان آسيا الشرقية، وجنوب شرقي آسيا، وكذلك في إفريقيا الوسطى والجنوبية وأمريكا الجنوبية وجزر الكراييبي.
ففي البلدان الرأسمالية المتقدمة، لقد شمل تأنيث اليد العاملة قطاعات الخدمات ( الخدمات العمومية، مؤسسات التنظيف، والإنتاج الغذائي،...)، والصناعات ( النسيج، والإلكترونيك...) الذين يشغّلون في أغلب الأحيان بنصف الوقت، وحيث تسيطر مرونة وهشاشة التشغيل لدى المؤسسات والاحتكارات الرأسمالية.
ففي معظم الأحيان، تكون أجور العاملات أدنى وبصفة صارخة من أجور العمال، رغم أن ظروف العمل هي نفسها، ويشتغل العمّال والعاملات بنفس المواصفات وفي نفس مستوى التربية والتكوين. فحتى في الدول المتقدمة، وحسب المعطيات التي تصدرها المنظمة العالمية للتعاون والنمو الاقتصادي، فإن معدّل الفرق بين أجور النساء والرجال يصل إلى 16 بالمائة. وإن التّطور الملحوظ لليد العاملة النسائية ناتج عن الهجرة الكبيرة للنساء من المناطق الريفية نحو المدن، ومن البلدان التابعة نحو البلدان الامبريالية. ونعتقد أنّ ما لا يقل عن 49 بالمائة من المهاجرين هم من النساء اللواتي سيطوّرن الأعمال الهشة ذات الدخل المحدود. إلاّ أنه، وفي ظروف الأزمة الاقتصادية، تسرّح النساء من أعمالهنّ بنسب أرفع بكثير ممّا يتعرّض له الرّجال. فعلى سبيل الذكر، فإنّ 51,8 بالمائة من عمليات التسريح، قد شملت النساء العاملات؛ إلا أنّ نسبة تسريح النساء قد وصل إلى 70 بالمائة في بلدان مثل المكسيك والهندوراس.
وبالتوازي مع فقدان مواقع العمل، والذي يعتبر في حدّ ذاته عنفا، نلاحظ إقحاما متزايدا للأطفال والمراهقين في صفوف السكان النشطين الذين يشتغلون في ظروف لا تشابهها إلاّ ظروف العبوديّة.
وتمثّل النساء في عالمنا اليوم 70 بالمائة من المفقّرين. وتحيل العديد من المؤشّرات إلى تأخّر النساء وفقرهن، وإلى الصعوبات التي يتعرّضن لها للحصول على الخدمات الضرورية. فمن جملة 774 مليون من الكهول الأميين، يصل عدد النساء إلى 515 مليونا، فيما لم يتمكّن 72 مليون طفلا من التمدرس، تعدّ الفتيات 54 مليونا منهم. كما نشير إلى أنّ 70 بالمائة من العائلات التي تعيلها نساء، لا تتمتّع بالماء الصّالح للشراب والمجاري وغيرها من الخدمات الصحية؛ كما أن 75 بالمائة منها لا تملك مساكنها، أمّا فيما يتعلّق بالوضع الصحّي للنساء، وخاصّة الحوامل منهنّ، فهنّ معرّضات لمخاطر كبيرة وخاصة في البلدان التّابعة وغير النامية.
وقد أدّت نتائج الأزمة الاقتصاديّة التي انفجرت في 2008، والهجمة الشرسة التي خاضتها الطغمة الماليّة إلى تدهور ظروف معيشة النساء العاملات اللواتي يعانين من هجمة واسعة النطاق على الحقوق التي اكتسبنها في وقت سابق.
فالعاملات وغيرهن من الفئات الشعبيّة، جميعهم ضحايا سياسات التقشّف، والحرمان من الخدمات العامّة (الطّب، مراكز الاستقبال والإيواء، المحاضن لصغار الأطفال...) والتغطية الاجتماعية والحقوق المتعلّقة بالإنجاب. ففي بعض بلدان أوروبا، أطلقت الحكومات بمعاضدة أحزاب اليمين واليمين المتطرّف، وبمساندة من الكنيسة، هجوما شرسا ضدّ "الحقّ في الإجهاض". فحتّى المساواة القانونيّة بين الجنسين أصبحت محلّ تشكيك. وشهد تطبيقها تراجعا، مثل ما نري في التوجيهات التي تصدر عن الاتحاد الأوروبي فيما يخصّ توقيت العمل والعمل الليلي والتمديد في سنّ التقاعد، وهي كلها توجيهات تنزل بثقلها على كاهل النساء العاملات وتؤسس لسلوكات تمييزية جديدة.
ومن أبشع مظاهر آليات الاستغلال الرأسمالي، العنف المسلّط على النساء والذي يبرز داخل الفضاء العائلي، وكذلك في الفضاء الاجتماعي وفي مواقع العمل. ويتخذ العنف أشكالا مختلفة ( فهو عنف اقتصادي، اجتماعي، سياسي، جنسي، نفسي وصحّي). وتتعرّض نسبة مرتفعة من النساء إلى العنف الذي يرتكز على الاضطهاد المزدوج الذي ترزح النساء تحته.
لقد اشتدّ العنف في ظل الهيمنة النيوليبرالية: من قتل الأجنّة الإناث، إلى الاعتداءات الجنسية، بالإضافة إلى الموجات الواسعة للدعارة والمتاجرة بالفتيات، ونشر الأفلام الإباحية وتحويل أجساد النساء إلى أدوات تجارية في أعمال الدعاية...كلّ هذه مؤشّرات على أنّ المجتمع الرأسمالي بصدد الانحلال، وعلى أن العلاقات الاجتماعية تصبح كل يوم أكثر شراسة، كما تدلّ على احتقارها للحياة وللحريّة ولكرامة النساء.

3. ظروف المرأة العاملة في ظل الرأسمالية، والفروقات في الأجر

رغم أنّ المساواة منصوص عليها في الدساتير والمعاهدات وقوانين الشغل، إلاّ انّه لا توجد مساواة فعلية في الحياة الاجتماعية وفي العمل بين النساء والرجال في البلدان الرأسمالية. وفي غياب المساواة الفعلية، نلاحظ سياسات تمييزية وتحقير واضطهاد، وبخاصّة تجاه العاملات، سياسات يغذّيها باستمرار الرأسماليون ويعيدون إنتاج اللامساواة تحت أشكال جديدة.

ففي إيطاليا مثلا، توجد فوارق كبيرة في نسب تشغيل كلّ من النساء والرجال (الفارق يساوي 23 نقطة)، كما يوجد فرق كبير أيضا في مستوى التأجير، وبالأساس في القطاع الخاصّ إذ يصل الفرق إلى 16,7 % في القطاع الخاص، فيما يصل إلى 7.5 % في القطاع العام. ويشير مقال استقصائي عن الصناعات الميكانيكية، " أنّ النساء يجدن أنفسهنّ دائما، وأكثر ممّا هو الشأن بالنسبة للعمّال، في أسفل الترتيب، وأنّهن وبنفس المؤهلات التي يملكها العمّال، وبنفس الدرجة من الأقدمية، تكسب النساء 200 يورو أقلّ ممّا يكسبه زملاؤهم من الرّجال...فالنساء، وبنفس مِؤهلات العمّال الرجال، وبنفس عدد ساعات العمل، وبنفس الأقدميّة، وبنفس عقد العمل أصلا يتقاضين أجورا أدنى من أجور الرجال."( الفدرالية العامة للشغل إيطاليا. 2008).
لا يمكن تبرير عدم المساواة في الأجر، والتمييز في الشغل ضدّ النساء في القطاعات التي تدفع أدنى الأجور، وتنعدم أو تقلّ فيها القوانين الحمائية، بانعدام الوعي لدى العاملات كما تدّعي النظريّات البورجوازية، أو باستعمال الجنس كمؤشّر إنتاجية. والحقيقة أن اختيارات النساء ليست عشوائية، ولا هي اختيارات "طبيعيّة"، بل إنّها اختيارات يحدّدها الوضع الحالي لسوق الشغل وقوّة العمل. فتتطوّر المكننة وأتمتة (automatisation) العمل يضمنان في عدد من الأنشطة نفس النتائج في الإنتاج.
ومن أجل حلّ أو تجاوز سياسات التمييز تجاه العاملات، لا بد من تبنّي الرؤية الطبقية التي تقرّ بأنّ العلاقات الاجتماعية الطبقية، وأنّ الوضع الاجتماعي الدوني للمرأة ناجم عن كونها تعاني من اضطهاد مزدوج.
إن المكننة والأتمتة، واستعمالهما عبر التاريخ أدّيا إلى أنّ العمليّات الإنتاجية أصبحت تتطلّب الحدّ الأدنى من المجهود البدني ومن المهارة؛ واختزل العمل في الصناعة في تواتر نفس العمليات، الأمر الذي مكّن من استخدام اليد العاملة النسائية بشكل واسع، وكذلك المراهقين، كما امتدّ الاستغلال الرأسمالي إلى مختلف الشرائح مهما كان جنسهم وسنّهم.
وبما أن قيمة الوسائل الضرورية لإعادة إنتاج قوّة العمل، هي التي تحدّد قيمة قوّة العمل، فعندما ينخرط النساء والأطفال في عملية الإنتاج الرأسمالي، تنخفض الأجور، إمّا بالتخفيض في أجور النساء والأطفال، أو بالتخفيض في أجور العمّال. وبالتالي، وإن ترتفع القيمة الجملية للأجور التي يدفعها الرأسماليّون، فإنّ درجة الاستغلال، ونسبة القيمة المضافة المستخرجة من العمل في ارتفاع.
وقد لاحظ ماركس أنّه: " من المحتمل أن القوّة العاملة لأربعة أشخاص في العائلة الواحدة تمكّن من دخل أرفع ممّا كان يحصل عليه فيما مضى رئيس العائلة وحده؛ ولكن طالما أن أربعة أيام عمل قد عوّضت يوم عمل وحيد، فإن قيمة يوم العمل قد انخفض بنفس النسبة التّي ارتفعت بها القيمة المضافة على أيام العمل الأربعة مقارنة بالقيمة المضافة التي كان [يحقّقها الرأسمالي] من يوم العمل الواحد".
(ك.ماركس، رأس المال،) .
إن المرأة البروليتارية، وضمن علاقات الإنتاج الحالية، تساهم في إعادة إنتاج قوّة العمل وذلك عبر العمل المنزلي الذي تقوم به، وغير المعترف به اجتماعيّا، كما تساهم مثلها مثل الرّجل في إنتاج القيمة المضافة. ورغم هذا، فإن قيمة قوّة عملها أدنى من قيمة عمل العامل.
هذه هي الحقيقة في "البلدان المتحضّرة". فماذا يمكن أن نستخلص من هذا الواقع؟
أولا، إنّ الأجور المتدنّية للنساء والأطفال تساهم في تعميق استغلال الطبقة العاملة في مجملها، وتخفّض أجور العاملات كوسيلة ضغط من أجل التخفيض في الأجور بصورة عامّة.
فعند تحديد متوسط الأجر على المستوى الوطني، يجب الأخذ بعين الاعتبار وظيفة شغل النساء والأطفال. فإنّ ما يبدو على "أنّه مساهمة في مصاريف العائلة" أو " أجر مضاف"، هو في الحقيقة أجر ضروريّ بالنسبة لعدد هائل من العائلات، والذي يخفي في الواقع علاقة استغلال فاضح ناتجة عن المنطق الرأسمالي القائل بالتخفيض في تكاليف إنتاج قوّة العمل من أجل التخفيض في التكاليف.
ثانيا، وفي النظام الرأسمالي، فإن قيمة الأجور وتكوّنها، وتنظيم عملية الإنتاج، والسوق، وحتّى قوّة العمل، هي التي تغذّي الانقسامات والمنافسة بين الشغالين بما أنّ المعاملة ليست نفسها تجاه العمّال الذين يتساوون تماما فيما يتعلّق بالإنتاج.
من المعلوم أنّه من مصلحة الطبقة الرأسماليّة تقسيم العمال حسب الجنس والسنّ والقوميّة...وتؤدّي هذه المصلحة إلى ظهور سياسات تمييزيّة ترتكز إلى أسس خارجة عن مساهمة العمّال في العمليّة الإنتاجيّة، وهو ما يؤدّي بالتنافس بين العمّال إلى التخفيض في الأجور، وتوظيف القطاعات الأكثر ضعفا إلى تدمير نضاليّة الطبقة العاملة وتكسير وحدتها، من أجل التمكّن من الحصول على أكبر نسبة من القيمة المضافة.
لا مجال للشكّ في أنّ التمييز في الأجور، والتمييز تجاه النّساء، مرتبطان بالصّراع الدائر بين العمل ورأس المال، وهي أمور لصيقة بنمط الإنتاج الحالي والبربري.

4. المساواة شرط قيام النظام الاشتراكي

إن الوضع الدوني والثانوي للنساء، ونكران حقوقهنّ، والفوارق في الأجور ومنح التقاعد...إن الوضع الخاص الذي تلعبه النّساء في التقسيم الصناعي للعمل، كل هذه ظواهر تعكس اضطهاد النساء لأنّهنّ نساء في المجتمع الرأسمالي؛ وهي ظواهر يحكمها النظام الاجتماعي المبنيّ على الملكية الخاصّة لوسائل الإنتاج، والحاجة إلى إعادة إنتاج قوّة العمل بأقلّ التكاليف.
إنّ الملكية الخاصّة هي السبب النّهائي والعميق لظروف الاضطهاد والتمييز، والدونية التي تعاني منها النساء، وسبب تمييز الرجال؛ إن القضاء على النظام القائم على الملكية الفرديّة لوسائل الإنتاج، والقضاء على نظام التبادل البورجوازي، ومخلّفات النظم الاقتصادية ما قبل الرأسماليّة، هي الكفيلة بالتأثير الفعلي على أوضاع النّساء. إنّ التغيير الجذري للأسس الاقتصادية، وتطوير المفاهيم والممارسات الثقافية وحدها قادرة على التأثير الجذري على وضع النّساء في المجتمع، وذلك عبر تكريس المساواة الفعلية في القوانين وفي الحياة الاجتماعية، وجعل النّساء اجتماعيا واقتصاديّا مستقلاّت، وتحريّرهنّ من كافة أشكال الاستغلال والاضطهاد.
إن أحد أهمّ مظاهر المجتمع الاشتراكي هو انتقال المسؤوليات التي تتحملّها العائلة بمفردها اليوم، إلى المجموعة، وخاصّة المهام المنزلية مثل الطبخ والتنظيف وتربية الأطفال والعناية بالمسنّين...
لقد كتب إنجلز منذ زمن: " عندما تصبح وسائل الإنتاج ملكيّة اشتراكيّة، تتوقف العائلة عن كونها الوحدة الاقتصاديّة للمجتمع، ويتحوّل الاقتصاد العائلي الخاصّ إلى صناعة اجتماعيّة. إن الاهتمام بالأطفال وتربيتهم تصبح شأنا عامّا" ( أصل العائلة والملكيّة الخاصّة والدّولة)
إن الشيوعيين ( الماركسيين-اللينيين)، وخلافا للحركات النسويّة، لا يحملون أوهاما حول إمكانية إيجاد حلول جذرية لمسألة تحرير النساء في إطار المجتمع الرأسمالي والإمبريالي. فالاشتراكية وحدها قادرة على إسقاط الهيمنة الاقتصاديّة للرجل، وإسقاط هيمنة الرّجل في الفضاء العائلي؛ وبالاشتراكية فقط، تتأكّد الإدارة الاجتماعية للإنتاج وللاستهلاك العائلي، ويتحقّق الإدماج التّام للمرأة في الاقتصاد الاشتراكي كشرط لتكريس المساواة التامّة والفعليّة بين الجنسين.
وبالتالي، فإنّ وضع الرجل سيتغيّر حتما في نظام الإنتاج الجديد، وستتطوّر العلاقات بين الجنسين في المجتمع الاشتراكي على قاعدة المساواة بين الجنسين، وعلى قاعدة التضامن والتعاون، بطريقة غير صداميّة ومن أجل التحرّر التّام للبروليتاريا؛ هذا ما تشهد عليه الإجراءات الجذريّة من أجل تحرير النساء التي تمّ اتخاذها في الاتحاد السوفياتي خلال السنوات الأولى لثورة أكتوبر.
وقد كتب لينين:" هناك قوانين كانت تجعل النساء في وضع دونيّ، لقد تزعزعت هذه القوانين ولم تظلّ على حالها، وأقصد هنا القوانين التي تستمدّ قوّتها من ضعف النساء وتجعلهن في موقع دونيّ ومهين. مثل القوانين المتعلّقة بالطّلاق وبالأطفال المولودين خارج إطار الزواج، وبإثبات النسب[...]. يمكن أن نقول وبكلّ فخر، ودون مبالغة، أنّه لا يوجد بلد واحد في العالم عدى روسيا السوفياتية حيث تتمتّع المرأة بكلّ حقوقها في العائلة، ولا تعيش وضعا مهينا في الوسط العائلي.[...]. تظل المرأة مضطهدة عند القيام بالمهام المنزليّة، ومن اجل أن تتحرّر المرأة فعلا، ولكي تصبح مساوية فعلا للرجل، يجب أن تساهم في العمل المنتج المشترك، وأن ينتفي العمل المنزلي ذو الطابع الخاصّ. عندئذ فقط، تصبح المرأة في نفس الدرجة مع الرّجل.[...]إن المرأة وإن تمتّعت بحقوقها، فإنّها تظلّ في الواقع مضطهدة لأن الشؤون المنزليّة بأكملها تثقل كاهلها. فالعمل المنزلي هو عادة الأقل إنتاجا، والأكثر تعبا. إنه العمل الأكثر ابتذالا والذي لا يساهم بأيّ حال من الأحوال في تطوير المرأة[...]إن تحرر البروليتاريا لا يمكن إلا أن يكون من فعلها الخاصّ، وكذلك الشأن بالنسبة لتحرّر العاملات والذي يجب أن يكون هو أيضا من إنجاز العاملات أنفسهنّ".( مهمّات الحركة العمّاليّة النسائية في الاتحاد السوفياتي).
لم يقتصر دستور الاتحاد السوفياتي لسنة 1936 على التنصيص بصورة شكلية على حقوق النساء العاملات المحرّرات من الاستغلال الرأسمالي، بل إن القوانين قد نصّت أيضا على الآليات التي تضمن هذه الحقوق: " الفصل 122- تتمتع النساء بنفس الحقوق التي يتمتّع بها الرّجال وذلك في كلّ مجالات الحياة الاقتصادية، في الفضاء العام، في المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي. وتكرّس كافة حقوق النساء بتمكينهنّ من المساواة في الحقوق في الشغل وفي الأجر، والراحة، والتغطية الاجتماعية، والتنشئة وذلك عبر حماية الدولة لحقوق الأم والطفل عبر تمكينها من عطلة الولادة بكامل الأجر، وعبر تركيز شبكة ممتدّة من أقسام التوليد والمحاضن ورياض الأطفال."
إن ما تمكّنت منه النساء، وما ستحصلن عليه بفضل الاشتراكيّة، لا يمكن لأيّ حركة نسائيّة بورجوازيّة أن تحقّقه.

5. وجهات نظر متناقضة حول المسألة النسائيّة

رغم كون النساء بصورة عامّة مضطهدات، إلاّ أن المسألة النسائية تكتسي أبعادا مختلفة لدى نساء البورجوازيّة ونساء البروليتاريا، ومتناقضة أيضا.
فيما تطرح نساء البورجوازية المسألة من الجانب القانوني بصورة أساسيّة، ومن أجل الحصول على الملكيّة والربح، ومن أجل الوصول إلى مواقع داخل مؤسسات الطبقة الحاكمة. وكثيرا ما يتخذ تحرّر النساء البورجوازيّات "تنافسا حرّا" مع الرّجال المنتمين إلى نفس الطبقة، إذ لا تهاجم النسويّات البورجوازيّات البتّة أسس المجتمع الحالي، ولا تشكّكن أبدا في الطابع الاستغلالي للعمل المأجور. وعندما تصبح هؤلاء النسويّات طرفا في النخب الاقتصاديّة والسياسيّة، وعندما تدخلن إلى مؤسّسات الدولة، تتحوّلن من " مساندات لحقوق النساء" إلى مدافعات متحمّسات عن امتيازات الطبقة الحاكمة، وتدفع ملايين من النساء المضطهدات ثمن "تحرّرهنّ". وعندما تتحدّث هذه البورجوازيّات عن تحرّر النساء، فإنّهنّ يفعلن ذلك فقط لتبرير الحروب الامبرياليّة.
وتطرح مسألة تحرّر المرأة لدى نساء البروليتاريا بشكل مغاير. فمسألة اضطهادهنّ، هي مرتبطة شديد الارتباط بظروف الاستغلال وإعادة إنتاج رأس المال. كما تعتقد نساء البروليتاريا بأنّه لا بدّ من المرور إلى تنظيم اجتماعيّ متطوّر من أجل وضع حدّ لحالة الاستعباد التي يعشنها. وتظنّ نساء البروليتاريا والجماهير الشعبيّة أنه لا يمكنهن خوض معركتهنّ بنفس الطريقة، وبنفس الأهداف التي تعتمدها نساء البورجوازيّة في نضالهنّ من أجل التحرّر الاقتصادي والاجتماعي الذي هو المظهر الأساسي لمختلف أشكال الاستغلال والاستعباد. تعرف العاملات أنه يتعيّن عليهنّ خوض معركتهنّ مع الرجال الذين ينتمون إلى طبقتهنّ ضدّ طبقة الرأسماليين، عبر مساندة بعض المطالب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية...هكذا فقط يمكنهنّ الانخراط في النضال، وخوض المعارك على قدم المساواة وعدم التخلف عنها. ويجب التذكير بأنّه من مصلحة العمّال مساندة نضالات البروليتاريا النسائيّة، والنضال إلى جانب العاملات حتى يتمكّنوا من تكوين جبهة نضالية موحّدة ضدّ الطبقة الرأسمالية وهزمها.
إنّ النضال من أجل القضاء على اضطهاد النساء، ومن أجل تحقيق المساواة التامّة في الحقوق بين الجنسين في كل من الفضاءين العام والخاصّ، جزء لا يتجزّأ من النّضال من أجل القضاء على كلّ أشكال الاستغلال في العلاقات البشريّة، ومن أجل بناء البديل الحقيقي للعلاقات البورجوازيّة الاجتماعيّة.
إنّها بالتالي مسألة تهمّ البروليتاريا في مجملها، ويجب أن جزءا من النضال العام من أجل الشيوعيّة.
وبما أن علاقة الهيمنة التاريخية للرجال على النساء ناتجة عن قوّة العادات والتقاليد البورجوازية، وعن تأثير الديانات، - التي برّرت باستمرار دونية المرأة، حاملة معها إيديولوجيات الخنوع، ومقاومة لحقوقهنّ- ، لا بدّ من خوض معركة حاسمة ضدّ وجهات النظر الرجعيّة، ومن أجل تربية العاملات والجماهير الشعبيّة على الرؤية الشيوعيّة، والدفاع عن القيم التقدّميّة والثوريّة، التي تسعى إلى التحرير الفعلي للبشريّة جمعاء.

6. بعض الكلمات حول المهمّات المطروحة

إن الحركة الجماهيرية المساندة لمصالح النساء لا يمكنها أن تقتصر على النساء فحسب. يجب أن تكون هذه الحركة مشتركة بين نساء ورجال البروليتاريا. لا تطرح هذه المعركة على نفسها "المنافسة الحرّة" بين المرأة والرجل، بل إنّها تطرح على نفسها افتكاك السلطة السياسيّة من طرف البروليتاريا من أجل تقويض النظام الرأسماليّ وبناء المجتمع الجديد الذي ينعدم فيه الاستغلال الطبقي والاضطهاد الجنسي.
وتلعب المرأة البروليتارية دورا أساسيا لا يعوّضها فيه أحد خلال هذه المعركة. ويمكن أن تتوفّر المساهمة في هذه المعركة المعادية للرأسماليّة عبر خلق شبكة كبيرة، في مختلف بلدان العالم لحركة نسائية، ديمقراطيّة، معادية للامبرياليّة وثوريّة.
لا يمكن لبناء وتعزيز الأحزاب الشيوعيّة عبر مختلف بلدان العالم أن يتمّ دون مساهمة النساء البروليتاريات في هذه العمليّة، المناضلات الأكثر وعيا، والمناضلات المساويات في الحقوق والواجبات، والمناضلات المنخرطات في أحسن صورة في الأحزاب والمنظمات الطبقيّة للبروليتاريا.
يتعيّن علينا تطوير وتكثيف عمليات التثقيف والتعبئة في أوساط النساء العاملات من أجل كسبهنّ إلى النّضال الطّبقي، وكسب أحسن البروليتاريات إلى صفوف الأحزاب والمنظمات الشيوعيّة.
ومن المعلوم أنّه لا بدّ من خوض هذا العمل ذو الأهميّة الكبرى باعتماد طرق وأساليب خاصّة، وعبر النضال من أجل مهمّات نضاليّة خصوصيّة، بارتباط بالأوضاع الرّاهنة من أجل توسيع قاعدة تأثيرنا، ومن أجل تقريب العاملات من قضيّة الثورة الاشتراكيّة، وتطوير وعيهنّ الطبقي.
تسلّط الإجراءات اللاشعبية، والآراء البورجوازية المسبقة على ملايين النساء المستغلّة، الغير راضيات، الرافضات للاضطهاد المزدوج الذي يعانينه، فعلينا البحث عن السبل المناسبة لحمل هذه القوّة الكبيرة على التنظّم، والتربية، ومن أجل تخريطها في صفوف البروليتاريا المتقدّمة والمناضلة، وكذلك من أجل تمكينها من المساهمة النشيطة في كلّ جبهات النّضال الطبقي.
لا يمكن التفكير أبدا في انتصار الثورة الاشتراكيّة، وبناء ديكتاتورية البروليتاريا والمجتمع الاشتراكي دون المشاركة الواعية والحاسمة للنساء العاملات والمكافحات، اللواتي يصنعن مستقبلهنّ.
وكما كتبت المناضلة الشيوعية الكبيرة كلارا زيتكين بكلّ حماس وذكاء،: " لا تعني مساهمة جماهير النساء مضاعفة القوّة النضالية فحسب، بل تعني أيضا إثراء نوعيّا له. ليست المرأة نسخة رديئة للرجل، بل إنّ لديها قيم وخاصيّات تميّزها، وتمكّنها من المساهمة في النضال وفي بناء الاشتراكية" (ملاحظات نقدية حول مشروع برنامج الأمميّة الشيوعيّة، 1928).

الأرضية الشيوعية بإيطاليا

8 مارس 2014