الجمال الأنثوي بين الإنساني والصناعي وعي شقي



غسان المفلح
2005 / 11 / 15

إلى كل إمرأة تسعى للإحساس بجمالها الإنثوي... خارج النص داخل الإنسان..

[ قبل دخولي السجن شبت مراهقة في حارتنا في مخيم اليرموك , وبدأت تتصرف كالصبيان ـ كما كان يقول عنها أهل حارتنا ـ ونشأ بيننا صداقة لطيفة لأنها كما قالت: أنني مختلف عن شباب الحارة ـ دون ان أعرف من أين أتاها هذا الشعور ـ , بدأت أشعر بعد هذه الصداقة أنها كانت تتمنى لوأن الله خلقها صبيا.. وبعد اخذ ورد بيننا قالت لي : أنني لست جميلة ولن أتزوج , هكذا رأي أمي.. قلت لها أمك مخطئة..فالجمال جمال الثقافة والعقل , لكنها بقيت حزينة وتتصرف كالصبيان , رغم أنها كانت مجتهدة في الدراسة.. وغيبني السجن والعمل السياسي خمسة عشر عاما عن الحارة.. بعد أن عدت إليها سألت عن تلك الصبية.. فقالوا لي تزوجت منذ عام وكانت قد تجاوزت الخامسة والثلاثين.. وقد أصبحت مدرسة أدب فرنسي.. وشاءت الصدف أن أراها : لم تكن هي كانت إمرأة أخرى تماما.. صافحتني بحرارة.. وبادرتني فورا نتيجة لإحساسها أنني تفاجأت بالتغيير الحاصل على شكلها الخارجي بالقول : لقد وفرت من عملي نقودا وذهبت إلى لبنان وهناك قمت بعمليات تجميل.. وبعدها تزوجت منذ عام..]

المنظر لم يعد مألوفا إنه : مصنوعا كي يخرج عن مدارات الألفة , مدارات البراءة الأولى للجمال.. لم تعد عفوية الوجوه هي التي تحكم على انفعالات الروح , الوجوه فقدت براءتها , كما التاريخ فقد عفويته , إننا أمام صناعة التاريخ , لإنها المؤسسة المؤجلة إلى فضاء الأبد..لم يعد التاريخ قرارا فرديا لنبي أو لديكتاتور أو لخليفة أو لقائد كارزمي , إن المؤسسة باتت تحتل كل الأمكنة والأزمنة.. كان الخلق الرباني هو العفوي والبريء.. وربما الطاهر أحيانا لكنه ليس جميلا دوما !!! المرأة هي الجمال والجمال في العقل ليس هو الذي يعوض : عفوا ـ ماذا أقول مثلا عدم الرضا عن الشكل الخارجي لمرأة ما , لأنثى لن ترضى بهذا الشكل عن أنوثتها , أو عدم الرضا عن هذا الشكل الذي تشكل في رحم الأم والذي هو من خلق الله , والذي يفضي بنا إلى مقولة دينية خطيرة ونحن لانريد التحدث فيها [ لا اعتراض على حكم الله في خلقه ] ونحن لا نعترض في الحقيقة , ونخاف الاعتراض أصلا.. ـ سيدتي أنك مهاجرة من روحك نحو اختراق الأزل في تغيير الخلق..ة ـ إنها تاء التأنيث مفصولة عن هذا الفعل , والتي تصبح خلقة ـ بالعامية مع كسر الخاء ـ وهي هنا بمعنى الإطلالة والوجه البهي , عندما يطل عليك وليست الخلق الألهي ـ بفتح الخاء ـ أم أنها كذلك بالفعل ؟.

البراءة غير الجميلة والأنثى التي تدفع الثمن : لايوجد أنثى لا تحب أن تكون جميلة..ـ إن الله يحب الجمال ـ إن كان جمال الروح والعقل قيمة إنسانية لاتقدر لكنها لاتعوض الأنثى عن جمال الشكل والجسد.. أم أنها تعوض ؟ سؤال للنساء والرجال معا؟ لهذا الشعرية هنا لم تعد الشعرية الظاهرة للحواس بل شعرية ما يراد له أن يظهر للحواس أو ما تريد الحواس أن تظهره : جماليا..

صناعة الجمال ـ السيليكون ـ ربحية ذات وجه إنساني :
كثيرة هي المقالات التي تتحدث عن الوعي الاستهلاكي الذي تنتجه مجتمعات الربحية , وكثيرة هي العدة النقدية لمدارس الفكر والتي ترصد ظواهر هذه المجتمعات التي تنوء تحت ثقل الصورة والمشهد.. ومع ذلك لابد من القول أن صناعة الجمال باتت الآن صناعة على درجة عالية من الربحية , وخصوصا بعد دخول المنجز الطبي وخطابه الذي هو خطابا لصنع الجمال : والقباحة ـ معذرة على هذا المصطلح ـ في الشكل باتت مرض , الخطاب الطبي المعاصر قادر على معالجته بطريقة ما , وهذا الافتراض الإجرائي في الحقيقة يتطلب : إعترافا بمعايير الجمال والقبح في هذا العصر , هذه المعايير التي تسبب للنساء اللواتي لديهن عقدة من شكلهن الخارجي مشاكل كثيرة في كل المجتمعات المعاصرة : من عقد نفسية , وعنوسة , ومواقف اجتماعية ذات بعد مأساوي إنسانيا.. والقباحة هو المفهوم النقيض للجمال الحسي والظاهر : جمال الشكل , والذي بات تغييره ممكنا بفضل هذا التقدم في الجراحة التجميلية.حيث باتت جزء أساسيا في حقل صناعة الجمال في العالم.. ولم تعد صناعة الجمال مقتصرة على الجميلات فقط , بمعنى إن مجتمع المشهد والإعلان كان يختار الجميلات من النساء كي يروجن بضائعه وسلعه وقيمه..الخ أما الآن فالوضع بات مختلفا مع هذا التقدم العلمي والطبي في هذه الصناعة , هذا من جهة ومن جهة أخرى : بات يحل مشاكل كثير من النساء في العالم اللواتي يشعرن : بعدم الجمال شكلا..وهذا هوفي رأيي بعدا إنسانيا علينا تغيير الطريقة المعيارية في التعاطي معه , رغم أنه يمكن أن تستخدمه عجوزا متصابية أو فنانة لاتريد الاعتراف بعمرها الحقيقي والفني , ومع ذلك لايمكننا إلا أن : نرى في السيليكون , والشفط , والشد , والجراحة على شكل الوجه وتفاصيله..الخ قضية ذات بعد إنساني.. ألا يحق لأمرأة : لم يعطها الله شكلا جميلا أن تحاول العثور عليه حتى لوكان عبر هذه الصناعة المتقنة والتي لازالت تتطور بطريقة سريعة. وتتطور في بلدان العالم الثالث إلى جانب بقاء الفقر والتخلف في كثير من مستويات الحياة ودرجات الوعي الإنساني

.. وهذا في جدول الأولويات الإنسانية ربما يعتبر : شيئا مرذولا عند بعضهم.. لكنه قضية إنسانية مهمة.. ويجب الدفاع عن هذا الجانب الإنساني في صناعة الجمال.. لإنها ظاهرة من الظواهر التي يصدرها الغرب لنا ونصدرها له أيضا.. لأن العالم بات مجتمعا واحدا.. ظاهرة تحمل في طياتها هذا التناقض الدائم في المشروع الغربي الحضاري أو الرأسمالي بين الربحي والإنساني.. ولكن بعيدا عن المعياريات الشكلية للجمال في الظاهرة الشعرية العربية.. وخيال الشعراء في محاكاة الجمال.. لأنها معايير ذاتية يجب ألا تتحول إلى معايير اجتماعية... ولهذا الموضوع بحث آخر سنحاول التطرق إليه في حوارية لاحقة..

6/11/2005
غسان المفلح ـ نساء سوريا