لم لا نستشير المرأة؟



فوزي بن يونس بن حديد
2016 / 2 / 18

عندما سمعت المرأة أن دينا جديدا قد جاء ليخلصها من العبودية والإذلال أطلقت صرختها بكل قوة لتعلن للعالم الجاهلي آنذاك أن العدل قد جاء وأن الظلم قد ولّى وانتهى إلى غير رجعة، فلم تعد ذلك الجسد الذي يستمتع به الرجل، ولم تعد الكائن النجس الذي لا يرث ولا يورث، بل رد الإسلام لها إنسانيتها التي فقدتها طوال تلك العصور المظلمة، فهي المرأة التي ترى أن الحياة حقّ كما هي للرجل، ومن حقّها أن تكون كما أراد الله عز وجل مكمّلة لدور الرجل في الحياة بل إنها الأساس في الحياة، فرحت بمهمّتها الجديدة، حيث أعتقها الإسلام من أن تكون جارية أو عبدة للرجل ومنحها حق ممارسة الحياة واتخاذ القرار، وكل من يدّعي غير ذلك عليه بالإثبات.
لم تكن المرأة تحلمُ يوما أنها ستعيش بعزّة وكرامة في غير دين الإسلام، لم تكن تعرف أنها ستصير مسؤولة عن الرجال يوما بعد أن كان الرجال يتلذذون بها، غير أن هذا الأمر صار واقعا أمامها، يرفض الإسلام قطعا إيذاء النساء بأي شكل من الأشكال لأنهن يمثلن الحلقة الأضعف، ودعنا من الأقوال التي تحقّر المرأة أو التي تشكّك في منح الإسلام حقوقها كاملة أو التي تغريها لإخراجها من مهمتها الأساسية، ونبقى موضوعيين في هذا الأمر.
الحديث عن المرأة من كافة الجوانب يكلف الكاتب مجلدات، ولكن يبدو أنه حديث شائق وشائك في الوقت نفسه، لأنك مهما تحدثت وأكدت أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي حرّر المرأة من قيود الماضي والحاضر، ما زال هناك من يشكّك في هذه العقيدة ويتهم الإسلام بأنه ساهم بشكل أو بآخر في تحطيم قدرات المرأة وحرمانها من التحرر، غير أن هذه الأفواه يبدو أنها لا تسكت، بل ستظل دائما تتحدث عن هذا الموضوع إلى أن يتم تدمير المرأة من الداخل وهو ما حدث لها اليوم تقريبا.
ما يقوله هؤلاء لا ينطبق على الإسلام وتاريخه الناصع، بل إنه يجاور المفهوم السائد عند المجتمعات الإسلامية الذكورية وبعض الأعراف والتقاليد المجتمعية التي تساهم في إغراق المرأة في الظلمات بزعم أنها تعاليم إسلامية، كالذي يحرمها من بعض الحقوق بدعوى الاختلاط بالرجال، أو يحرمها من اختيار الزوج بدعوى أنه وليّ أمرها رغم أن الإسلام أوصى أولياء الأمور وشدّد عليهم في مسألة الزواج أن تختار البكر من تريده زوجا ولا يفرض عليها زوجا خارج إرادتها، أو يتحكم في مشاريعها أو في راتبها أو في أموالها بدعوى أنه رجل العائلة ومن حقه الاستيلاء على كل أملاكها، أو يحرمها من المشاركة الفاعلة في القرارات الأسرية والحياتية أو أن يحرمها حتى أن تشم الهواء بدعوى تعرضها للتحرش والمغازلة، أو أي إجراء آخر ليس من حقّه أن يفعله، كل ذلك مخالف لتعاليم الإسلام الحرة والناصعة التي تؤيد إنسانية المرأة وحفظ كرامتها من أي تشويه تاريخي ذكوري.
إن ما يدّعيه البعض من أن المرأة اليوم تعيش كبتا وعليها التحرّر من تعاليم الإسلام دعوى قائمة على باطل هدفها تشتيت المرأة عن البحث في أولوياتها، وفهم تعاليم دينها على أكمل وجه، على أن التحرر أو تحرير المرأة اليوم ينبغي أن يكون من القيود التي تفرضها بعض المجتمعات الإسلامية وإشاعتها على أنها من تعاليم الإسلام، والإسلام منها براء، جوهر الإسلام يتنافى مع هذا الزعم الميتافيزيقي - إن صح التعبير - الذي يُشعر المرأة أنها ناقصة في ظل الإسلام وأن هذا الدين الحنيف يكبّلها ويقيد من حريتها وحركتها، وبالتالي تطالب بالتحرّر من تعاليمه وقيوده، والحال أنه هو الذي أطلق يديها من كيد الرجال ليعلّمها أصول الحياة وبناء الأسرة والمجتمع والمساهمة بفعاليّة في تكوين البنية المجتمعيّة التي هي أساسها ومنبعها.
فالمرأة في الإسلام كانت عالمة وقائدة ومشاركة في عملية البناء على مدى القرون الماضية، بل كانت لها الكلمة الفاصلة في بعض الأمور، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلك كثيرا ما يستشير النساء ولا أدل على ذلك سيرته صلى الله عليه وسلم واستشارته لأمهات المؤمنين في بعض المسائل واستبصاره برأيهن، وكذا فعل الصحابة الكرام والتابعون من بعدهم، فمن بين ما ورد وليس حصرا أنه صلى الله عليه وسلم يوم منعته قريش أن يطوف بالكعبة ويعتمر، بعدما جاءهم هو وألف وأربعمائة من أصحابه - ولم يكن يحق لقريش أن تمنع أحدًا جاء يطوف بالبيت - ، ولم تُجْدِ أي محاولة من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إقناع قريش للسماح لهم بالطواف والاعتمار، وشقَّ الأمر على المسلمين أجمعين وتباطؤوا في تنفيذ أمره صلى الله عليه وسلم لما أمرهم بالتحلل من إحرامهم والعودة إلى المدينة، إنه إذنْ أمْر يهم المسلمين كلهم، وإذا بمحمد صلى الله عليه وسلم يستشير زوجته أم سلمة- رضي الله عنها- فيما يفعل. وتشير عليه بأن يخرج أمامهم فيحلق رأسه ويتحلل، فإذا رأوه يبدأ بنفسه فسيسارعون بتنفيذ أمره لهم وطلبه منهم، وبالفعل قد عمل بمشورتها التي أشارت بها، ثم قال لأصحابه ما أشارت به عليه؛ حيث لم يجد النبي الكريم حرجا في مشاورتها والعمل برأيها والاستبصار بقولها، وفعل كما قالت له، فليس عيبا أن نستشير المرأة في أمور تهمّ المجتمع، وتلك هي سنة إسلامية حميدة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وجعلها نبراسا بعد مماته، وهو تعبير راسخ أن المرأة إنسانة تستشار كما يستشار الرجال ولا تبقى بعيدة عن المشهد الحياتي بكل صنوفه، بل عليها أن تبادر وتشارك بكل ما أوتيت من قوة.
واستمر التاريخ على هذا المنوال من إدراك حقيقة دور المرأة في المجتمع وإشراكها في الحياة والقرارات المصيرية إلى أن أتى من أغلق الباب في وجهها مرة أخرى معللا ذلك أن المرأة لا يحق لها شرعا أن تشارك الرجال لأن صوتها عورة وأن جسدها كله عورة وبالتالي مكانها البيت المحكمة أبوابه دون مراعاة لحقها في التعلم والتعليم، بينما استغل الآخرون هذا الكبت الذي كانت تعيشه المرأة لفترة ليخرجوها إلى عالم آخر مناقض تماما وأوهموها أن الحياة العصرية تقتضي منها ذلك، أوهموها أن من حقها كذلك أن تلبس ما تشاء وتقول ما تشاء وتمشي مع من تشاء بحرية تامة لا قيود فيها، وبين هذا وذاك يأتي الإسلام موازنا بين الأمرين مرة أخرى كحلّ لمشكلة المرأة الآنية التي تعيشها.