الأسود لا يليقُ بكِ



مرثا بشارة
2016 / 2 / 18

الأسود، لون يعشقه الكثيرون، يفضلونه في الملبس والأثاث وحتى في طلاء بعض الحوائط، البعض يصفه بملك الألوان، إذ لابد وأن تنصاع الألوان جميعا تحت مظلته حتى يظهر بريقه وتألّقه، كل الألوان تتلاشى عند الذوبان فيه، نساء كثيرات يفضّلنه لتعاونه في إخفاء بعضٍ من عيوب قوامهن، ونساء أخريات يفضلنه لأنه يُظهرهن أكثر جمالاً وأناقة، هو لون ملائم لكل المناسبات وطيّعٌ في كل الأوقات، صامدٌ أمام كل الظروف، فقط نور الشمس يهزّ عرشه، يبرز مساوئه، يفضح عيوبه.
تقرّر النساء خلعه وتنحيته جانبًا، حين تلتهب أجسادهنّ من امتصاصه لأشعة الشمس الحارقة، حين يكتشفن عجزه عن حمايتهنّ من حرارة الشمس. لكن هل يا تُرى تستطيع كل النساء خلعه وقتما يشَأن؟!
للأسف لا، نساء كثيرات يرغمهن المجتمع بتقاليده وعاداته وأفكاره البالية على ارتدائه لفترات طويلة وربما مدى الحياة، وكأنها ضريبة تُفرض على النساء حتى ينلن رضى المجتمع واستحسانه، يُعلنَّ خضوعهنّ حتى يُثبتنَ صدق النوايا وحُسن السير والسلوك،
لا أدري كيف يفكر هؤلاء! كيف يرون ظلمهم وقهرهم للمرأة وكأنه شرف وبطولة! يتفاخرون بوسامة الرجل ويستنكرون أناقة المرأة، يحصرون سلوكها وأفكارها وأخلاقيّاتها في مظهرها، فإذا ما اتّشحت بالسواد كانت عفيفة مصونة، وإذا ما ابتهجت بالألوان كفراشة تمرح بين الزهور يرونها لعوبًا! لماذا لا يلومون الرجل إذا ما ارتدى ما يتماشى وأحدث خطوط الموضة؟ ولماذا لا يطالبونه بارتداء الأسود لستر جسده أو وفاءً لوفاة زوجة أو أخت أو أم؟ لكنها ازدواجيّة مقيتة تطغى على الفكر والسلوك في مجتمعنا العربي الشرقي الذي لا يطبّق توجهه المحافظ سوى على النساء! نساء كثيرات فضليات لسن بحاجة لارتداء الأسود حتى يُبرزن رُقيّ أخلاقهن ووفاء قلوبهن، لكن هناك أخريات يرتدينه فقط خشية التعرض لانتقادات الأهل والأصدقاء أو زملاء العمل، أكثر ما يجب أن يشعرنا بالخجل من ازدواجيتنا وقسوتنا هو تعاملنا مع امرأة فقدت عزيزًا، نهاجمها وننعتها بعدم الوفاء إذا ما قرّرت خلع الأسود عوضًا عن احتوائها ومساعدتها على عبور فترة الحداد للمضي قدمًا في الحياة، فقط نهاجمها ونمضي لحال سبيلنا ننعم بكل تفاصيل حياتنا اليومية، وإذا ما حاولت مجرّد محاولة لا تُذكر في التخفيف من ألمها نُطلق ألستنا بلا رحمة لنزيدها جرحًا فوق جرح وألمًا فوق ألم.
نظرة سريعة لمظهر النساء العام في كل البلدان العربية تكشف لنا بوضوح ان الغالبية العظمى منهن يتّشحنَ بالسواد، وفي ظني أغلبهن مرغمات! والمؤسف حقاً أن نساء مجتمعنا المتّصفات بالحنان والرحمة، هنّ الأكثر ضراوة في ظلم بعضهن البعض بترسيخ الأفكار الخالية من أي حنو أو رأفة أو عدل، أما آن الأوان لنحرّر عقولنا من تلك الموروثات الظالمة؟! أما آن الأوان لنفتح أذهاننا لنختبر أنه في عدل الله ورحمته لا فرق بين ذكر وأنثى، رجل أو امرأة ؟! فإذا كان المجتمع لا يجرؤ على مطالبة الرجل بإرتداء الاسود، أفمن العدل ان يُجبر المرأة على ارتدائه حتى وإن كانت متضررة؟!
سيدتي، وفاؤكِ وتقواكِ لا يمكن اختزالهما في اللون الأسود، ثوري وارفضي وناضلي، فالأسود لا يليقُ بكِ وأنتِ ترتدينه مُرغمة.