رسالة كردستانية الى السيدة القريشية هند المحترمة الجزء الاول



وداد عقراوي
2005 / 11 / 15

بعد ان داعبت النوم لدقائق والنوم لمس جفوني للحظات لملمت اشلائي وجلست ثانية في سريري الدافئ ... في هذا الوقت احتاج من احاوره، اتفق معه في بعض الاحيان ولا اوافقه في اوقات ثانية.

فجأة اصبح طيفك يلاحقني سيدتي، طيفك الساكت، المضرب عن الكلام. طمئنت نفسي بالقول بانني ساسمع قريباً صوتك الرنان، الهامس كهمس الامواج، بقصائدك المتألقة كالنجوم في سماء بحر العلوم.
اشعلت شمعتين وعدت الى السرير وانا انصت الى دبيب قدمي. الثواني سابقت الثواني واصبحت ساعات وانا احاور نفسي في مرآتي امام السرير، احاور ظلالي المتماوجة على جدران غرفتي، ملامح وجوهنا تبعثرت وانتشرت، احجامنا تقلصت، تمايلت
وكبرت، واسدلت الستار على مجريات كانت... بالرغم من انها لم تكن.

اخذت القلم وبدأت اكتب:

الى السيدة الجميلة الفاضلة المتألقة والرائعة، الى السيدة القريشية هند بنت عتبة المحترمة

تحية طيبة وبعد
هنا في نفق الزمن، قبل الوصول الى مفترق الطرق، هنا في بلاد الغربة وجو الوحدة وفي لحظة تأمل، في لحظة هيام بضرورة استحداث منظومة للوئام، ساعود سيدتي للماضي البعيد لنجعله معاً حاضراً وتمعناً في المستقبل القريب....

ابعث لك بكلمات قد تبرعم الآن او غداً، كلمات قد تسافر مع هزيز الرياح وتهبط على تربتك، حيث تنمو قريباً او بعد حين، حيث تخضر و تزهر للماضي والمستقبل.. للقاصي والداني، تشكو لك وتحٌدث الآخرين عن قلبك الممزق بين حزنٍ وغضب.
ابعث لك سيدتي، بأحرف هاجرت دنيا الكلام واستقرت لتعيش على صفحات ورق بيضاء ناصعة البياض كبياض قلبك المجروح، الاسئلة تحضرني والردود العقلانية تزعج عالم الصمت الصاخب الذي اتواجد فيه بين الحين والاخر منذ طفولتي، فانا اود سماع الاجابات منك...منك سيدتي، السيدة التي اثارت زوابع ومعارك، السيدة التي تركت بصمتها في التأريخ...

اول صفة خطرت في ذهني عندما بدأت بكتابة رسالتي هذه، كانت سيدتي: الجميلة. صحيح ان التأريخ لم يترك لنا اية صورة نتمكن بواسطتها التعرف على ملامح وجهك، ولكني على يقين بانك جميلة. اعلم ذلك لآن مقياس الجمال لدي هو جمال الروح والنفس والفكر والنيات والتصرفات، ولآن جمال الوجه في كل درجاته ما هو الا مرحلة وقتية زائلة لا محالا، بينما الجمال الحقيقي والابدي هو الذي نحس به، نتلمسه ونراه حتى لو لم نكن نراه.... جمالك سيدتي وصل الي في غربتي ونور غرفتي بعد قرابة 1400 سنة من وفاتك الجسدي.

يزورني طيفك سيدتي وارى الحزن على وجهك حزناً ساكناً، وعبارات متقطعة بهيئة يائسة تتناثر هنا وهناك وكأنها لاتطوف فقط كل زاوية من زوايا الغرفة، بل كل بقعة من بقاع العالم... هنالك امر ما بقي مكتوماً في نفسك، لم يجد سبيلاً للخروج امام القوة التي حاولت خنقه كما ازحقت ارواح اعزائك... تبوحين لي سيدتي الفاضلة بحزنك العميق الناجم عن محاولات ابناء جلدتك المتعددة لطمس شخصيتك والتأثير سلباً على سمعتك، كي تتكون لدينا نحن، الاجيال القادمة، الصورة التي يرغبونها هم ان تتكون لدينا... مما زاد الطين بلة هو مشاركة المقربين منك ايضاً في ذلك بالرغم من كونهم اقربائك وبضعة منك... ولكن لا تحزني سيدتي فلم يفلحوا... والدليل هو هذه الرسالة التي تبعثها لك سيدة كردستانية... أعطرها تارة بعطر ورود النر?ز من كردستان، وتارة بعطور?وشي الفرنسية... ترافقها قبلات براعم زهور الرمان... محملة بالحنين لعناقك، فلطالما اردت ان احضنك، ولطالما اردت ان اكتب لك...

سيدتي الرائعة، نعم رائعة وروعتك تتجلى في كبريائك، وكبريائك يتجلى في قصائدك، وخير دليل على هذا وذاك هو ابياتك الشعرية قبيل معركة أُحد. لولا تبحرك في بحراللغة العميق لما تمكنت من رص تلك الاحرف الذهبية اللامعة كلمعان اسمك في ذاكرتي.

سيدتي المتألقة... وتألقك يبرز اثناء تمردك، وانا سيدتي وبكل صراحة متيمة بالتمرد مثلك... ذاك الاحساس الطبيعي اللذيذ الرافض للظلم والاستغلال والاستبداد والقتل وفقدان الاحبة والاعزاء.

لدي الكثير من الاسئلة والمواضيع التي اود مناقشتها معك... لنميز بين الصدق والتلفيق، لنحاول بناء جسر بين المرأة الكردستانية والمرأة القريشية وشقيقاتنا الاوروبيات... جسر بين النساء العالم اجمع.
جسر....
بين الامس والغد،
بين من يتكبرون ومن يثابرون لدحر ذاك التكبر،
بين الحقيقة والخيال...
لنمحو المسافات ونرمم العلاقات ... كي تلتئم الجراح وتصفو القلوب وتثمر المحبة فيها الى ابد الآبدين.

لن اطيل عليك اكثر في هذه المرة سيدتي، فالى الملتقى وتقبلي مني اجمل التحيات وبالغ الاحترام.

التوقيع
وداد عقراوي
سيدة من كردستان تعزك وتودك