سبية الرافدين؛ نادية و..فرعونيات مصر



ابراهيم سمو
2016 / 2 / 20


سبية الرافدين؛ نادية و..فرعونيات مصر


"مصر يا امّة يا بهية..!"

استحضارقصيدة "احمد فؤاد نجم" ،واستضافة "السبية العراقية نادية مراد طه".. لا ادري ان كان احد الحدثين ،قد تداعى الى ذهني حرا، مستقلا ،ثم التقى بالآخر بمحض صدفة ،ام بحركة ان بريئة او مخاتلة ،هيأتها عوامل "نفسية ما"، في اعماقي..؟.. لاادري..! ففي الوقت الذي ،اقحمت فيه القصيدة الشعرية بنفسها، وعوالمها المتنوعة ،الغنية الى دواخلي ،وشوهدتُ اهذي كعادتي بكلماتها الثرية ،على اكثر من صعيد ،وانفتح من ثم مع معانيها الفارهة، على آفاق ثرّة ،ودلالات جذابة ،تتجدد بلاتناه ،تناهى إذذاك اليّ ،ان السبية العراقية "نادية مراد طه"، المُحرَّرة من براثن داعش ،وغرائز رجالها المرضية ،اضحت في استضافة مصر ،فخامرني ،وانا غير مصري، التباهي بأبهة مصر ،ومآثر "خوفو خفرع ومنقرع "،و "حضارة النيل" الولّادة ،بل جنح بي الخيال ،لاستمتع بالمنجزالشعري ،واستحضره مُحلّىً من صداح ،حنجرة "الشيخ إمام" ،وألبطُ نشوة الى اقصى الضفاف ،حتى تنامى ،او طغاني احساس التكالب ،على حضارة "هبة النيل" ؛قديمها وجديدها ،وعلى اصالة مصرييها ،فترنمتُ مُسلطَناً ،جرّاء تداعي معاني القصيدة الآسرة ،وخبر نادية العراقية ،الأسيرة الناجية، السّار..

" مصر يا مة يا بهية "

ثم :

1

وقفت لبرهة بلاحراك ،أتأمل الفعل الحضاري في مبادرة الرئيس السيسي ،كرمز ،سياسي ،عربي تنبه فسارع الى مواساة الناجية؛ نادية ،المثقلة بمطاعن السبي الداعشي البليغة ،والمعبأة باوجاع قهر واستلاب انسانيين ،فالقة من هولها، عاليا ،لمّا استقبل الرجل / الزعيم ،فتضامن مع محنة الصبية العراقية ،"الرقيقة" ،"المسترقة" ،واستنكرالفاجعة التي انتشرت ،في ايزيديي العراق انسانيا ،عازما ،هو الرئيس، بذلك ،السعي الى جبر المشاعر، وجسر هُوّة الثقة ،التي اشاعتها الإبادة الداعشية ،بين المسلم وغير المسلم في العراق بخاصة، والعالم الاسلامي بعامة، حيث جسّد رئيس "ام الدنيا"/ مصر،عمليا الدور الذي عجز عن اتيانه، او حتى التلويح به ،رموزُ وزعماءُ العراق، دولةً واقاليمَ ،وقومياتٍ وكتلاً ومؤسساتٍ؛ ان رسميةً ،ام اهليةً ،ام عشائريةً ،ام دينيةً ،ام مذهبيةً ،فدشن من فِطن فرعونيته ،نهجا جديدا في التضامن مع الضحية ،بمواجهة الطواغيت / الدواعش ..لذا تراقصت روحي النشوى ،فاسمعتُ في سري مرة أخرى نفسي : " مصر يا أمة يا بهية ". ورحتُ في خلوتي ب"الخبر" والقصيدة..

2

اشيد بخطوة "جامعة عين شمس"، المصرية التي برهنت بحق ،انها من فيض حكمة "تحوت"، حين بادرتْ بإدارتها وطلابها وكوادرها التعليمية ،فسارعتْ الى تخفيف المعاناة /البركان ،عن العراقية الناجية نادية ،وبرهنتْ بصدق انها " أرض النيل والماعت "،ساعة تكرمت ،فخصت الشابة الايزيدية المنكوبة ،بمقعد دراسي في "قسم التاريخ" ،وآن شجب الناطقون باسمها ،الافعال الداعشية الشائنة ،المقشعرة والمقترفة باسم الاسلام ،حيث قام المواسون الملتفون ،حول الصبية الكئيبة / المكتئبة، بعملية فصل بين الاسلام وداعش ،مندفعين الى ذلك بحكمة ،من أفهامهم العقلانية ،اولعلهم استندوا على..

3

"بيان الازهر"، الذي انتظر المراقبون طويلا ،كي تبادر المؤسسة الدينية ،ذات الصوت المعتدل ،العابر بعقلانية خطابه ،الحدودَ والقاراتِ ،ولو بتعقيب ،اوتعليق ،او حاشية او حتى هامش من فتوى، يفيد التعريض بداعش، التي لاتنطق الا بصوت "الاسلام السني" ،وتوظّف من ثم النص الديني ،وصور او نماذج منتقاة ،بهيئة اعتباطية او مزاجية او انتفاعية، من التاريخ الاسلامي، في تبرير وجودها العاسف، و شرعنة افعالها الهمجية، ورسم خروقاتها الإبادية اللانسانية .البيان / الإفتاء الازهري ،الذي كان منتظراً "جدا "،صدر يجرّم داعش ب: "انَّما هم خوارجُ وبُغاة"، ويدعو بصيغة وجوبية، الى محاربتهم :"يجب على ولاة الأمر قتالهم ودحرهم وتأمين الناس والشعوب من شُرورهم وفتنتهم المضلَّة" . هنا و ازاء "الفرض الوجوبي" ،الذي نادى البيان الازهري به ،قد يجوز "جداً" ،لمن كانت عينه على الازهر ،ك"دار فتوى" عاقلة ،حريصة ومواظبة ،على الخطاب الوسطي في الإسلام، ان يتساءل ويداخل فيجادل ،فضيلة شيخ الازهر ب: " بَسْ .. يامولانا حضرتك..ماالفرق بين المجرم الداعشي ،الذي "يبيد البشر والحجر والشجر والطير" ،ب"قصد جنائي مركب" ،ودوافع انانية ، دنيئة وشائنة و..بين الكافر واقعيا.. أليس الكافر بمعنى من المعاني مجرما، عند خالقه وعند خلفاء الخالق ،من البشر على الارض ثم..اذا لم يصنف ،مقترفو هذه الكبائر/ الحمم كلها في خانة " كافر" ،فمن الكافر اذاً يامولانا ؟!.وقد يشير مجادل الشيخ هذا ،الى وجوه من التراخي ،في التحضيرلمواجهة التطرف ،فيفصل: " داعش افنت الخَلق والكائنات ،وافسدت المعمورة بسوط "الاسلام السني"، فاين كنتم / انتم كمرجعية، ذات منهجية ومريدين .. يا سيْدنا الشيخ .. واين الازهر الشريف ،من المشهد الداعشي على الارض ،خصوصا و داعش صار يسحب البساط ،من تحت اقدام جمهوركم من ابناء السنة، ويشحن العقول ب "قاذوراته الفقهية "..؟ ". وقد يخلص المراقب المأزوم ، في مجادلاته الى :" لوكان النبي حيا يا شيخنا لكفّرهم ". ويزيد مُحاجِجا بالواقع ،فيضع الازهر امام مسؤواياته الكثيرة الكبيرة ،فيختم :"عيون العالم الاسلامي عليكم يا مولانا !".

حقا..و بغض النظر عن المجادلة اوعدمها ، ف عيون المسلمين وغير المسلمين ،تبقى شاخصة على الازهر، وكذلك عيون نادية ،التي ذاقت ككثير ،من عراقييها وعراقياتها الويلات باسم الاسلام و...تبقى الاذهان منتظرة الفتاوى الازهرية ،بصدى اكثرحسما وحزما و جزما، مع العرض ،حيث يشي واقع الحال ،ان هذه "الفتاة المستباحة" ،لاتتحرك الا و تثني على الخطوة الازهرية ،وتطمح الى المزيد ،من التضامن الجاد والفاعل، لصالح الاقليات غير المسلمة في العالم الاسلامي، بيد انها وإن تراءتْ متماسكة ،فهي في حقيقتها، ليست اكثر من كتلة ،من الم وتعب ومعاناة وانكسارات ، قصدت مصر لمدها ب غوث ، لمسته لكنها تعكرت بعض الشيء بفعل ..

4

"البلاغ"، الذي قدمه احد المحامين المصريين، الى النائب العام ليسجل : أ ـ اعتراضا على شرح ،هذه "المرأة الغلبانة" مظلوميتها ،والمعاناة المريرة لسواها ،من المتجاوز عليهن ،من العراقيات اللواتي ،تحولن قسراً الى متاع بخس، "بلا إرادة" او "عقل"، بين يدي داعش.

ب ـ وسعيا الى إبطال او منع إغاثتها، حين استنجدت بمن هم في عمرها ،من الطلبة المصريين ،و"تعشمتْ" فيهم الخير ،على اثردعوتهم كي يتحركوا ،الى "مظاهرة "تساند وتتضامن ،مع قضيتها الانسانية ضد داعش . هذا وقد اتهم "البلاغُ" ناديا المُهانة داعشيا" ،بمحاولة الإضرار بالامن القومي المصري.. والسؤال: هل تشكل حقا تصرفات ناديا الضعيفة، وتحركاتها الحقوقية التي لا تخرج ،عن إطار القانون المصري، مساسا بأمن مصر القومي ،ام ان "استاذنا المحامي"، لم يطفح على المشهد، الا كي يحامي عن "ايدلوجية ما"، او يتحصل امتيازاً ،اويتسلم حساباً مالياً من جهة ما ، اويكنز شهرة على الأثر..؟!.

على كلٍّ، ف"مصر"ذات " التاسوع المقدس"، لن يُشكَل عليها كشف الملابسات، وفك الاحاجي ،وتفصيد النوايا ،واستبيان الدوافع الى الافعال والتصرفات، ولن يغيب عنها ،وهي تتحرى ،حزم "فرعون" وفطنة " يوسف" وإثمار "هاجر" ،كيما تقارب المأساة الانسانية ،التي استبدتْ مثل " تسونامي " ،ب نادية وعراقييها المُبادين ،الذين تجمعهم ومصر ،روابط تاريخية ،حضارية وانسانية متمخضة ،هي الروابط، عن حقن النيل من "ماء" الرافدين، ويعززها توثيق اقتران ،"ابراهيم"العراقي ب"هاجر" المصرية يوما، مثلا لا حصرا.. اذاً ف نادية ليست الا وليدة تلاقح شريف، بين روح النيل ومزاج الرافدين ،ثم لاغرابة ان انشدتْ تستغيثُ :

" مصر يامة يابهية ".

ولا ملامة ان نادتْ مصرُ ناديا ،بل ان تنادتا وكلٌّ لا تقصد سوى الاخرى ،صادحتين في جوقة "الشيخ إمام " و"احمد فؤاد نجم" :

"الزمن شاب و انتي شابة

هو رايح و انتي جاية

جايه فوق الصعب ماشية

فات عليكي ليل و مية

و احتمالك هو هو

و ابتسامتك هي هي ".