صلوات ٌ في معبدِ الضميرِ.. هُنَّ 1



نادية فارس
2005 / 11 / 16

رابطةُ المرأة ِ العراقية:

أ ُمُّ نساء ِ العراق .. التي لاتشيخ



من رُكام ِ قهر ِ البيروقراطيات ِ والفقر ِ والإستغلال ِ والتعب ِ المُضني .. انطلقت نساء ُ رابطة ِ المرأة ِ العراقية ليُعلن َّ الرفض َ لقوالبَ فرضتها النظمُ الأقطاعية , والنُخب ُ المسيطرة على رؤوس المال والأعمال ِ, والمؤسسات ُ التي قهرتِ المرأة َ باسم الدين.

هُن َّ.. منذورات ٌلاحتفالية ِ فرح ٍ عراقي عظيم.

هُنَّ .. مشاعل َ تبتسم .. وأغان ٍ لمواسم ِ الموت المنظّم .. والدم ورائحة البارود!

هُنَّ .. ساعات ُ مخاض ٍ لأمةٍ حملت أجنّة َ الفقر والأمية وبلادة ِ الأستعباد لقرون طويلة !



حين َ أعلنت ِ الرابطةُ تمثيلها للنساء ِ المُعدمات .. لم تراوغ ولم تُهادن ! بل أشارت بوضوح ٍ وبصراحة بأصابع الأتهام لأسباب ِ تردّي أوضاع المرأة العراقية.. ووضعت الحلول َ من أجل إنقاذ الملايين من النساء ِ المُستعبدَاتِ الرازحات ِ تحت نير العبودية ِ المطلقة لمجتمع ٍ تحكمه ُ الذكورية ُ الأجتماعية والأقتصادية ُ والدينية والسياسية .

والحق ُّ يُقال .. فإنَّ انطلاقة َ شرارة ِ رابطة المرأة العراقية في عام 1952ِ تؤشرُ الإنطلاقة َ الحقيقية َ الأولى للحركة النسوية ِ في العراق .. كعملٍ منظّم يستند ُ على التحليل ِ السياسي للقضايا الجندرية..استنادا ً على برنامج الحزب الشيوعي العراقي الذي كان أول من دعا الى تحرير ِ المرأة العراقية من بين جميع ِ الأحزاب في العراق.

قبل تأسيسِ رابطة المرأة العراقية ِ , كانت المنظمات النسائية مقتصرة على النُخب ِ من النساء , وكانت الحركة ُ النسوية ُ خجولة ً وبيروقراطية تهدف ُ الى تجمعات ٍ صغيرة ٍ من نساء الأعيان وأبناء الذوات , مما ترك فجوة ً عميقة ً بين طبقتين اجتماعيتين :

الفقيرات من الفلاحات والعاملات , والغنيّات المُترفات من طبقة الأقطاع والأعيان.



لكنّ نساء َ الرابطة انتشرن في الشارع العراقي, بين أوساط ِ المعدمات من الرازحات ِ تحت ظلم الأقطاع والمُحمّلات ِ بأثقال الأمية والقهر الأجتماعي.. فوجدت نساء ُ العراق في الرابطة ِ ملاذا ً للمطالبة ِ بحقوقهن َّ في التعليم ِ والعمل ِ والحياة.



زغردت الكلمة ُ في أرجاء العراق .. تحرير ُ المرأة!

أعلن الفرح ُ احتفاليته.. وازدهرت الآمال ُ والطموحات !

تسلّق َ النورُ جدران َ أكواخ الفقيرات .. وحقائب الأطفال .. والنخيل وسنابل الحنطة !

وتسمّرت محاجر ُ رُعاع ِ التخلّف ِ أمام دهشة المفاجأة.. فالخفافيش ُ تكرهُ النور َ وتعشق ُ الظلام !



لم يكُن انتشار ُ رابطة المرأة بين حشود النساء ِ محض َ صدفة ٍ .. ولم يكن تطوعهن ّ للعمل الجماهيري قسريا ً تحت نظام ٍ ديكتاتوري .. بل ْ كان بسبب قيادات ٍ نسوية ٍ حملت الموت والمواجهة َ على كفيها واقتحمت أزمنة َ الأبويات والديكتاتوريات والتمييزات الطبقية بشجاعة ومواجهة دامية.. فنزيهة الدليمي وسعاد خيري وهناء أدور وسلمى جبو وعايدة ياسين ومبجل بابان ونجلاء الفضلي وفريدة الماشطة وسميرة حسين وغيرهن ّ طرّزن خارطة َ الحركة ِ النسوية في العراق ببهاء العمل المثمر من أجل هدف ٍ سيظل ّ حيّاً الى الأبد.

عاشت نساءُ الرابطة كل ّ فقر الفقراء.. وتوغلن َ في حيثيات ِالطبقتين العمالية والفلاحية .. وزرعن سنابل َ للمحبة ِ لازال َ عطرها يضوع في الكثير من البيوت العراقية ..فقد امتزجت ثورتهن ّ بالحب ِّ للوطن وترابه وتعلقت مبادؤهن ّ بأهداب ِ ضمير الأنسانية حتى اخترقن َ حواجز الصمت والصوت ِ.. ودلفن َ الى الروح العراقية ِ وبأيديهن ّ مشاعل َ الحرية!

كانت بدايات ُ رابطة المرأة مؤشرا ً ضدّ الأحتلال .. من أجل عراق ٍ مستقل ٍ لاوجود َ للعبودية ِ على أرضه .. ولازال هو المبدأ.. ولازالت الرابطة ُ تحلم ُ حلمها الجميل في أن تعيش المرأةُ العراقية حرّةً في عراق ٍ حر.



والحرية ُ بالنسبة ِ لرابطة المرأة .. هي أن تتحرر المرأةُ ويتحرّرَ الوطن.

خلال أكثر من خمسين عاماً, تمكنت الرابطة ُ من إجراء تعديلات وتغييرات ٍ في قانون الأحوال الشخصية.. وتحقيق انتصارات على مستوى ضخِّ أعداد هائلة من نساء العراق الى مجالي التعليم والعمل .. ونهضت بالمستوى الأجتماعي للطبقات الفقيرة من خلال دورات التوعية والدورات التدريبية المهنيّة ِ.. و من خلال المطالبات المتواصلة بإلغاء العنف المنزلي وقوانين الزواج التي تشكل انتهاكا ً واضحا ً لحق المرأة في اختيار شريك حياتها كزواج القاصرات والفصلية والزواج المرتب وزواج الهدية.

اقترحت الرابطة تعديلات ٍ على قوانين العمل وخاصة فيما يتعلق ُ بالعاملات الأناث ..وشكلّن ضغطا ً سياسيا ً على الحكومة الملكية في عام 1956 من أجل منح النساء حقَّ الترشيح للبرلمان حيث تم َّ ترشيح السيدة آسيا وهبي رئيسة الرابطة آنذاك لعضوية البرلمان العراقي . كما أن السيدة نزيهة الدليمي أصبحت أول َ وزيرة عراقية بعد ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة.

انتشرت الرابطة ُ عالميا ً ومدّت جسور َ الصداقة ِ مع الحركات التحررية النسائية العالمية والحركات المؤيدة للسلام.. كم منحت يوم المرأة العالمي ويوم الطفل العالمي دعما ً كبيرا ً وحولتهما الى احتفاليتين من أجل بناء مجتمع مدني في العراق.



كبف يمكن ُ أن نُفسر َ محاولات اغتيال ِ هذا الجمال؟

كيف يمكن ُ الغفران لمن وأدوا جهد َ وفرح َ نساء العراق المتوجهات ِ نحو وطن ٍ حر ٍّ وامرأة ٍ ترفل الوعي والأحترام والحرية؟

وشحوهن َّ بالسواد .. وقتلوا الأمل لحظة َ ولادته! خفافيش الظلام التي مازالت تجبر المرأة العراقية على الغرق معها في وحل الجهل والتخلف والدونية !



تعرضت رابطة ُ المرأة العراقية , بسبب كونها إحدى الواجهات الجماهيرية للحزب الشيوعي العراقي الى كل ّ أنواع الأضطهاد وحملات القمع التي تعرض َ لها الحزب , نتيجة ً لتحالف الأحزاب القومية ِ والمؤسسة الدينية ضد الشيوعين.. وقدمت الرابطة ُ تضحيات ٍ كثيرة بين محكومات ٍ بالأعدام ومغيبات ومفقودات وسجينات ومنفيات.



رغم كل الصراعات السياسية , وهجمة رجال الدين وتحالفهم مع البعثيين , واصلت رابطة ُ المرأة عطاءها من المنافي في أشتاتِ الكرة ِ الأرضية ِ حيث حطّت رحلها الإبل ُ! فكانت العين التي تراقب ُ ما تتعرض له نساء ُ العراق من انتهاكات ٍ وجرائم تُرتَكب ُ بحقهن .. فأصدرت الكثير من المناشدات الى المجتمع الدولي لتخليص النساء من صدام حسين وطغمته الفاشية .. وكشفت الجرائم المرتكبة ضد النساء.. وواصلت علاقاتها مع الحركة النسائية العالمية ..وحضرت المؤتمرات ولمت شمل عضواتها المنفيات اللواتي أثقل َ أوزارهن حمل ٌ ثقيل ٌ من رزايا العبث البعثي , وتحالفاته التي خلفت ضمن ماخلفت, مجزرة بيشتاشان التي دخلت التاريخ من أوسخ أبوابه!



دافعت رابطة المرأة العراقية عن النصف المشلول والمغيب في المجتمع العراقي , وكانت اهتماماتها تتمركز ُ عند نقاط ٍ هي:

1- التعليم والثقافة

2- العمل

3- الصحة

4- الطفل

5- قانون الأحوال الشخصية

6- السلام وبناء المجتمع المدني

وبهذا فقد استقطبت الرابطة الكثير من نساء العراق وعلى اختلاف دياناتهن أو قومياتهن أو طبقاتهن الاجتماعية . كما أن الكثير من عضوات الرابطة أبدعن في مجالات كثيرة كالطب والمحاماة والشعر والفنون بأنواعها والرياضة بأنواعها .

إنّ الدورَ الذي لعبته رابطة ُ المرأة العراقية لأعظم بكثير مما يمكن ُ قياسه أو تحجيمه..فكل ّ ما تشهده ُ المرأة الشجاعة الواعية اليوم إنما هو من نتاج السنابل التي زرعتها الرابطة ونحصدها نحن ! فقد أسست نساء ُ الرابطة لحرية المرأة لأجيال وزودتنا بمتاع حرية التعليم والعمل .. ولكن!! لعبةُ السياسة وصراع الأحزاب السياسية حرم نساء العراق من التمتع بمنجزات رابطة المرأة العراقية .. أمّ ُنساء ِ العراق التي .. لاتشيخ!



تحية ً للعائدات ِ لنا .. وعلى أكفهن ّ مراسيم أغان ٍ سومرية من أجل الحرية والمحبة

تحية ً لهن ّ في سعيهن من أجل المرأة والطفل

في مواكبتهن ّ وإصرارهن ّ على تحقيق الحلم !

وأقول : ماكنا شيوعيات ٍ أيتها العزيزات , لربما لسوء حظنا !! لكننا نقف ُ إجلالا ً لنضالكن ّ الذي منه دخلنا المدارس ومنه تعلمنا إنسانيتنا.. ومنه تعلمنا أن ّ الإنسان َ .. موقف ُ حق!