فوبيا العداء للجنس في الأذهان الفاشية



طارق المهدوي
2016 / 2 / 23

فوبيا العداء للجنس في الأذهان الفاشية
طارق المهدوي
(1)
تعد منظومة العلاقات الغرامية الطبيعية بين الجنسين واحدة من أرقى المنظومات السلوكية الإنسانية على امتداد التاريخ والجغرافيا، ليس فقط باعتبارها الضامن الوحيد والحصري لاستمرار النوع البشري وحمايته من الانقراض والتلاشي والزوال، ولكن أيضاً لكونها ذات ارتباط عضوي وثيق بأرقى شعور متبادل بين البشر وهو الحب سواء عندما تتسبب في تنشئته وتنميته أو عندما تقوم بترجمته والتعبير عنه، إلى جانب ما تلحقه العلاقات الغرامية الطبيعية الناجحة بممارسيها من إشباع جسماني ومتعة نفسية وسعادة مزاجية وشعور عام بالتحقق الذاتي في حياتهم، وهي كلها أمور تساعدهم كثيراً على المواصلة الإيجابية لمواجهة ما قد يعترضهم من تحديات وصعوبات وعلى الاستمرار في تكرار محاولاتهم المشروعة لتجاوز ما قد يصيبهم من فشل، وككل السلوكيات الإنسانية الراقية فإن مكونات ومقومات العلاقات الجنسية التي يبدأها طرفاها لكي تستمر تتعرض لبعض المحفزات وبعض المعوقات المتداخلة معاً أثناء استمرارها، فتصمد حيناً لتحافظ على تطورها حتى لو اضطرت إلى تعديل مساراتها ذات اليمين أو ذات اليسار حسب الأحوال وتتعثر أحياناً لتجد نفسها عند تعثرها أمام احتمالين لا ثالث لهما ، وهما إما النهوض مجدداً لمواصلة مسارها السابق مع ما تقتضيه مستجدات الأحوال من تعديلات أو الاستسلام للفشل فتتوقف وتنتهي تاركةً لدى طرفيها خليطاً من مشاعر الندم على ما فعلاه وما لم يفعلاه، ونظراً لأن البشر الطبيعيين ذوي الاهتمامات الجنسية يختلفون فيما بينهم من حيث درجات حراراتهم ونشاطاتهم النسبية، فإنهم يختلفون حول تقديراتهم للأفضليات الكمية والكيفية في العلاقات الجنسية سواء من نواحيها الشكلية البنائية أو من نواحيها الموضوعية الوظيفية، حيث يسعى أصحاب النشاطات الجنسية المرتفعة نسبياً إلى تبريد درجات حرارتهم الذاتية عبر الأساليب المتعارف عليها لذلك، بينما يسعى أصحاب النشاطات الجنسية المنخفضة نسبياً إلى تسخين درجات حرارتهم الذاتية عبر الأساليب المتعارف عليها لذلك، سعياً من الجناحين معاً إلى تقريب درجات حرارة كليهما نحو بعضهما وصولاً لمستوى الاعتدال والاتزان الطبيعي أو شبه الطبيعي في سلوكهما الجنسي، علماً بأن مساعي وأساليب التبريد والتسخين الجنسي تحتاج معاً إلى محيط مفتوح من حريات التفكير والتعبير والممارسة الفعلية التي ينظمها القانون العام ويحميها المناخ العام وصولاً إلى الاستقرار العام، وإلا فإنه سيكون حتمياً حدوث عدة صدمات بوقوع عدة صدامات بين الواقع المغلق من جهة وأعضاء الجناحين المذكورين بمساعيهم وأساليبهم من الجهة المقابلة، نظراً لما يسببه الإغلاق من شيوع واستشراء الاحتقان الجنسي الذي يترتب عليه عدة أمراض جسمانية ونفسية مع عدة انحرافات مزاجية وسلوكية لدى الراغبين الممنوعين سواء كانوا من مفرطي أو محدودي النشاط الجنسي، مما يدمر حاضرهم ومستقبلهم ليس فقط على صعيد ممارستهم لعلاقاتهم الغرامية كثنائيات ولكن أيضاً على صعيد تأديتهم لأدوارهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية كجماعات!!.
(2)
يتمتع البشر ذوي الاهتمامات الجنسية كغيرهم بحياء فطري بديهي يدفعهم نحو الحرص الإيجابي على ستر خصوصياتهم بعيداً عن عيون المتطفلين وأيادي العابثين وأدوات المخربين، وهم يدركون كغيرهم أن حصولهم على أفضل النتائج الغرامية والاجتماعية لعلاقاتهم الجنسية يرتبط طردياً مع مدى التزام تلك العلاقات بالجداول الأخلاقية النموذجية التي يضعونها لمعاملاتهم، سواء من حيث أهمية الثنائيات المستقرة المنضبطة أو من حيث ضرورة إخضاع الغرائز للمشاعر وإخضاعهما معاً للعقل الواعي أو من حيث حتمية النأي عن الغش والقهر، ورغم أن هؤلاء البشر ذوي الاهتمامات الجنسية يشكلون الأغلبيات العددية على امتداد التاريخ والجغرافيا إلا أن الطابع الثنائي لاهتماماتهم يجعلهم متفرقين متباعدين، مما يستطيع معه خصومهم الفاشيين الشواذ المتكتلين المنظمين أن يضايقوهم ويحاصروهم ويلاحقوهم ويطاردوهم ويحرضوا جهلاء العوام ضدهم بهدف فرض الوصاية غير المستحقة عليهم، تحت اتهامات باطلة تبدأ من إثارة الغرائز وخدش الحياء العام والانحلال الأخلاقي وما شابه لتصل إلى تعريض الأمن العام للخطر وتهديد تماسك الجبهة الداخلية ومخالفة شرع الله في دياناته المختلفة وما شابه، ويعلم المتخصصون في علم النفس أو الطب النفسي جيداً أن استخدام أولئك الفاشيين الشواذ لتلك المبررات والحجج الواهية يخفي حقيقة الفوبيا المعادية للجنس والهوس السلبي تجاهه واللذان يسيطران على أذهانهم المريضة كنتيجة عكسية لفشل غرامي سابق، وتبدو صعوبة الأمر مع النظر إلى اتساع نطاق سيطرة الفاشيين الشواذ على الكثير من الدول والمجتمعات والأسواق والمحافل العالمية مقابل عزوف ذوي الاهتمامات الجنسية عن الشئون العامة داخلياً وخارجياً، وتزداد صعوبة الأمر مع النظر إلى الطبيعة الكارهة للحياة بتجلياتها الدموية العنيفة والتي يتسم بها سلوك الفاشيين الشواذ مقابل الطبيعة المحبة للحياة بتجلياتها الودية السلمية والتي يتسم بها سلوك ذوي الاهتمامات الجنسية، لذلك فإن هؤلاء البشر ذوي الاهتمامات الجنسية بجناحيهم (المفرط في نشاطه والمحدود في نشاطه) يتساقطون كالفراشات خلال سعيهم المشروع سواء إلى التبريد أو إلى التسخين أمام سطوة وجبروت خصومهم الفاشيين الشواذ بجناحيهم (الديني والعسكري)!!.
(3)
نظراً لأن القوى الوطنية الديمقراطية ذات الأعماق الاجتماعية هي وحدها التي تكافح بجدية من أجل إزاحة الفاشيات الدينية والعسكرية عن الدول والمجتمعات والأسواق والمحافل العالمية وإزالة جذورها، ونظراً لأن هذه القوى هي وحدها التي تحرص على رفع مظالم تلك الفاشيات عن كل المظلومين باختلاف اتجاهاتهم واهتماماتهم وهي وحدها التي ترى أنه لا أحد يتمتع بالحرية طالما هناك أحد المحرومين منها، فإن القوى الوطنية الديمقراطية ذات الأعماق الاجتماعية المصرية والعربية والعالمية يجب أن تتبنى علناً وصراحةً الدفاع عن حياة وحريات وحقوق ومصالح وكرامة هؤلاء البشر ذوي الاهتمامات الجنسية، لاسيما حقهم في التمسك بأفكارهم وفي التعبير عنها وفي ممارستها كما يرغبون هم لا غيرهم طالما أنهم لا يضرون غيرهم وذلك في مواجهة محاولات الفاشيات الدينية والعسكرية لسحقهم، مع توعيتهم وتنظيمهم نحو المشاركة في كافة جهود المكافحة السياسية المبذولة ضد جميع أنواع الفاشيات الدينية والعسكرية على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، حتى نصل بهم ومعهم ومن أجلهم هم وبقية المظلومين إلى إزاحة الفاشية وإزالة جذورها وإلقائها داخل مكانها الطبيعي الوحيد ألا وهو المزبلة!!.
طارق المهدوي