الضوابط السوسيولوجية والقانونية للنفقة بمدونة الأسرة المغربية



عبد النور إدريس
2005 / 11 / 18

طبيعة نفقة الزوجة: الضوابط الموضوعية
التعريف بالنفقة والسند الفقهي
□ تجب النفقة على الزوج انطلاقا من الحكم التعبدي المنصوص عليه بالكتاب والسنة والإجماع ، يقول تعالى" ولينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها" (الآية 7 سورة الطلاق)، ويقول أيضا: " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم" (الآية 6 من سورة الطلاق)
وقد روى أبو داوود عن معاوية القشيري قال" أتيت رسول الله (ص) فقلت ما تقول في نسائنا؟ قال :" أطعموهن مما تأكلون واكسوهُنَّ مما تكتسون.."
وقد عزا الفقهاء سبب إنفاق الزوج على زوجته ما تضعه بين يديْ زوجها من استمتاع ولما له عليها من حقوق الاحتباس والطاعة، وقد جاء بشرح مختصر الخليل قوله في باب النفقة" وسقطت إن أكلت معه أو منعت الوطء أو الاستمتاع أو خرجت من غير إذنه"
ويتحقق الاحتباس المبرر للنفقة حسب التفسير الفقهي بمجرد دعوة الزوجة زوجها إلى نقلها بيته بعد إبرام العقد.
إن هذا الثلاثي : الاحتباس، الاستمتاع والطاعة أصبح في ظل الظروف المستجدة قابلا للنقد ، ولعله ومما يتنافى مع ميثاق عقد الزوجية أن تُختزل هذه العلاقة في المُتعة الجسدية مقابل الغذاء، فمؤسسة الزواج ولما لها من قدسية بكل الشرائع المنزَّلة تجعلنا نستبعد أن يقوم الزواج على ركن الإمتاع وقد يتداخل مفهوم الطاعة والاحتباس بمفهوم الاستمتاع الشيء الذي جعل طاعة الزوجة مرتبطا بالنفقة ومع مرور الوقت انقلبت الطاعة إلى خضوع حُرِِمت فيه الزوجة من إنسانيتها وحقها في المساكنة الزوجية بالمعروف عملا بقوله تعالى: " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن" (الآية 6 من سورة الطلاق)، وقوله أيضا :" ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" ( الآية 228 من سورة البقرة).
وإذا كان المذهب المالكي لا مكان فيه للحديث عن إمكانية إلزام الزوجة بالإنفاق عن الزوج كما لا يقول أيضا بسقوط نفقة الزوجة التي تمارس حرفة أو مهنة، يرى الفقه الحنفي الذي استلهمته مدونة الأسرة سقوطها " لأن التسليم – الاحتباس غير تام" (1).

التعريف بالنفقة والسند القانوني
فلا جدال مبدئيا في أن نفقة الزوجة لا تعني في مجمل المبادئ الفقهية إلا نفقة الزوج على الزوجة والذي تنص عليه المادة 194" تجب نفقة الزوجة بمجرد البناء، وكذا إذا دعته للبناء بعد أن يكون قد عقد عليها".
قد اتفقت جل المذاهب الفقهية على وجوب نفقة الزوجة على زوجها ومن ذلك جاءت المادة 199 من مدونة الأسرة الباب الثالث فيما يتعلق بالنفقة على الأولاد والتي نصت على أنه " إذا عجز الأب كليا أو جزئيا عن الإنفاق على أولاده، وكانت الأم موسرة، وجبت عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب "، وينتج عن ذلك عدم سماع دعوى الزوجة (التطليق) إذا تزوجت الرجل وهي عالمة بأنه عاجز عن الإنفاق عليها.
وبذلك فقد استجاب المشرع المغربي بشكل فعلي للاتفاقية الدولية التي صادق عليها والمبرمة بنيويورك بتاريخ 16 دجنبر 1966 والتي تنص على المساواة بين الرجال والنساء حسب ما ورد في الفصل 23 منها :" على الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق – والمسؤوليات- عند الزواج وأثناء قيامه وعند فسخه".
وقد يأتي السند الواقعي ليؤكد " أن المرأة في الواقع (لا القانون) هي صاحبة الولاية على الأولاد بل حتّى على الزوج " (2)
إن هذه المادة(199) قد فتحت الباب أمام الزوج المعسر لرفع دعوى ضد زوجته لمطالبتها بالإنفاق إمعانا من المدونة في إقرار المساواة أمام الواجبات بالقدر الذي يتم فيه التساوي في الحقوق، وقد لاحظت ذة. نادية العشيري أن هذه المادة لا توضح المقصود بالعجز ولا مدته واعتبرت أنه وإن كانت قد ضمنت حقوق الأطفال فهي" قد تفتح الباب على مصراعيه أمام أطماع بعض الأزواج ليقع بسببها استغلال النساء أكثر مما هن مستَغَلاّت" (3)
ولقد جاء في قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 29 نونبر 1983،أن النفقة مفهوم لا تجب إلا بزواج صحيح شرعا، فإن كان فاسدا فلا نفقة للزوجة لأن الواجب حينئذ الافتراق لا المعاشرة(4)، ويكون الزواج فاسدا إذا توفرت فيه شروط موانع الزواج التي تنقسم حسب ما جاء في المادة 35 إلى موانع مؤبدة وموانع مؤقتة.

سبب الالتزام بالنفقة
تنص المادة 194 من مدونة الأسرة على أنه" تجب نفقة الزوجة على زوجها بمجرد البناء، وكذا إذا دعته للبناء بعد أن يكون قد عقد عليها".
إن هذه المادة لا تختلف في جوهرها عن مقتضيات الفصل 117 من مدونة الأحوال الشخصية الذي استعمل مفهوم الدخول والمستوحى أصلا من قول الإمام مالك الذي يقول" لا تجب النفقة على الزوجة حتى يدخل بها أو يُدعى إلى الدخول بها وهي ممن توطأ وهو بالغ " (5).هذا المفهوم المالكي( الدخول) الذي يختلف عن المفهوم الحنبلي المستعمل في مدونة الأسرة (البناء) والذي يُقصد منه الوطء بحيث يفرق مذهب أبي حنيفة ما بين البناء (الوطء والمواقعة) وما بين الدخول والاختلاء بدون وطء.
وبذلك فقد تكررت نفس أحكام الفصل 117 حيث تستحق الزوجة النفقة بالبناء بها أو بالدعوى إليه من طرفها، وتشترط المادة 194 أن يكون قد تم العقد على الزوجة.
ويعتبر رفض الزوج للدخول دافعا لرفع دعوى النفقة وقد اعتبر المجلس الأعلى في الملف الاجتماعي عدد 69 بتاريخ 8ماي 1970أن المطالبة القضائية بحقوق الزوجة عبر الدعوة إلى الدخول موجبة للنفقة ابتداء من تاريخ المطالبة بالدخول (6).
وفعلا فقد عرضت على المحاكم بالمغرب عدة قضايا في هذا الشأن قضت بالنفقة بمجرد المطالبة بالدخول، وما يعاب على هذه المادة (194) كما وقع للفصل 177 من مدونة الأحوال الشخصية هو إغفال ما يستفاد من رأي المالكية القائل بأن الزوجة تستحق الصداق كاملا بعد مرور سنة ابتداء من تاريخ العقد وإن لم يمسسها الزوج وبذلك كان لزاما على المادة 194 أن تنص على فترة معينة (سنة حسب الإمام مالك) تحسبا لانحلال الزوجية لمّا تلجأ الزوجة للاستفادة من حقها في دعوة الزوج للبناء أو طلب النفقة بمجرد العقد عليها (يمكن إن يكون اليوم الموالي للعقد هو يوم المطالبة بالبناء أو النفقة) على اعتبار أن اجتهاد المجلس الأعلى قد اعتبر طلب الدعوة للبناء بمثابة طلب النفقة في حين أن الدعوة للبناء يجب أن تكون سابقة على تاريخ المطالبة بالنفقة.
وعند إغفال الأعراف السائدة والتي تقضي بوجود فترة فاصلة بين تاريخ إبرام العقد وتاريخ البناء تكون غالبا مخصصة من طرف الزوج للاستعداد لحفل العرس أو لكراء سكن وتجهيز، تكون المادة 194 ناقصة وقد تدفع بالعديد من الزيجات إلى الفشل.
إذ كيف سيكون موقف الزوج وعائلته وهم في غمرة استعدادهم لاستقبال الزوجة بين أحضانهم والزوجة ترفع دعوى قضائية على الزوج لطلب النفقة؟.
لا شك أن العقلية المغربية ستتعامل مع هذا الموقف بحساسية شديدة ينتهي معها مصير هذا الزواج، فيكون جواب الزوج في مرافعته بأن المدعية طالق حسب ما جاء كتابة بمذكرة جوابه الأولى، وبذلك يقع الطلاق وفق المادة 92 التي تنص على أن الطلاق لا يقع إلا مرة واحدة " الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة أو كتابة لا يقع إلا مرة واحدة" .
وبذلك تستحق الزوجة نصف الصداق المسمى حيث يقع الطلاق قبل البناء انطلاقا من المادة32 من مدونة الأسرة.
ونظرا لما يمكن أن تثيره دعوة الزوجة من بغضاء وكراهية يُزكيها المخيال الشعبي ببلادنا على مستوى إنتاج المثل الشعبي الذي يقول " ما درنا في الطاجين ما يتحرق"حيث اللجوء إلى القضاء يعتبر كآخر مرحلة تستنفذ فيها كل محاولات الصلح المتعارف عليه، فقد جانب المشرع الصواب عندما جمع في المادة 78 الحكم بإنهاء عقد الزواج بالطلاق في حالة إقراره قبل البناء بنفس المسطرة المتبعة لإنهاء عقد الزواج بالطلاق بعده تنص هذه المادة على أن "الطلاق حل ميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة، كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام هذه المدونة" والإحالة هنا للقسم الثالث( الطلاق) من المادة 78 إلى المادة 93، هذا بالرغم من أن الطلاق قبل البناء يعتبر بائنا جاء ذلك بالفصل 67 من مدونة الأحوال الشخصية كما جاءت به المدونة الجديدة في المادة 122 التي تنص " كل طلاق قضت به المحكمة فهو بائن ، إلا في حالتي التطليق للإيلاء وعدم الإنفاق" و المادة 123 التي تنص " كل طلاق أوقعه الزوج فهو رجعي، إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل البناء والطلاق بالاتفاق والخلع والمملك" و المادة 126 التي تنص كذلك على أن " الطلاق البائن دون الثلاث يزيل الزوجية حالا ولا يمنع من تجديد عقد الزواج " و حيث لا تلزم العدة قبل البناء كذلك حسب ما جاء بالمادة 130 من المدونة.
يظهر من خلال هذه المعطيات أن المدونة لم تتحرر بشكل كامل من أثر مفهوم الاستمتاع الجنسي حيث وُثّقت سابقا العلاقة الزوجية باسم (عقد النكاح).أما وهي حاليا تستعمل عقد الزواج بمعناه التعاقدي فما تزال تحمل أثر العقد الأول.
- فما معنى ألاّ تُعطى للمطلقة قبل البناء متعة ؟
وقد تطرق ذ.أحمد زوكاغي إلى أن متعة المطلقة قبل البناء هي النصف الآخر من الصداق المسمى يقول: " وما دامت المطلقة قبل الدخول يجب لها نصف الصداق، فإن متعتها في النصف الآخر من الصداق المسمّى"(7)، ويتم الاستشهاد في ذلك بقوله تعالى" يا أيها الذين آمنوا، إذا نكحتم المومنات، ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، فمالكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتّعوهن وسرّحوهن سراحا جميلا"( الآية 49 من سورة الأحزاب) وقوله أيضا" لا جناح عليكم إن طلقتم النساء، ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتّعوهن، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، متاعا بالمعروف، حقا على المحسنين" ( الآية 236 من سورة البقرة)، ولهذا أنا مع رأي ذ.أحمد زوكاغي الذي يقول بتمتيع الزوجة قبل البناء حيث يقول " تستحق الزوجة المطلقة المتعة إذا كان زوجها قد طلقها قبل الدخول وقبل أن يحدد صداقا معينا معلوما" (8).
إن المدونة في المادة 194 ومدونة الأحوال الشخصية في الفصل 177 قد أخذتا بالمذهب الظاهري (ابن حزم) الذي يقول بوجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها بل إن " عقد الزواج عندهم هو سبب النفقة" (9).
طبيعة نفقة الزوجة: الضوابط الإجرائية
مشتملات النفقة
□ نصت المادة 189 من مدونة الأسرة على انه" تشمل النفقة الغذاء والكسوة والعلاج ، وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد مع مراعاة أحكام المادة 168 أعلاه" .
وقد أضافت المادة 168 اعتبار السكن من حق المحضون عندما اعتبرت تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديرها على النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما".
إن هذه المادة قد نصت صراحة على إخراج تكاليف سكنى المحضون من مشمولات النفقة وأجرة الحضانة وغيرها وأوجبت أن تكون مستقلة في تقديرها عن هذه الالتزامات.فعلى الأب واجب تهيئ محل لسكنى أبنائه أو أدائه مبلغ الكراء حسبما تقرره المحكمة مع مراعاة أحكام المادة 191 التي تنص على " تحدد المحكمة وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة، وتكاليف السكن على أموال المحكوم عليه، أو اقتطاع النفقة من منبع الريع أو الأجر الذي يتقاضاه، وتقرر عند الاقتضاء الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة.."
إثبات النفقة وتقديرها
ترفع الزوجة دعوى النفقة في حالتين:
الحالة الأولى:
إذا كانت الزوجة ببيت الزوجية.
الحالة الثانية:
إذا كانت الزوجة بمنزل والديها مع أبنائها في حالة إثبات النفقة.
وقد استقر القضاء المغربي على اعتبار إقرار الزوج باليمين ثابت في حالة قيام الزوجية وقد جاء ذلك في القرار الصادر في 26غشت 1978 بمجلة المجلس الأعلى أنه " في حالة قيام الزوجية، القول قول الزوج الحاضر مدعي الإنفاق بيمينه.." (10).
أما في الحالة الثانية ومع استحالة إثبات الزوج إدعاءه الإنفاق على زوجته بمنزل والديها فقد اعتبر القضاء القول قول الزوجة مع يمينها، جاء ذلك في القرار الصادر في 14 فبراير 1978 الذي يقول " ما دام أن الزوجة التي تطالب بالنفقة كانت بمنزل والديها مع أبنائها ولم يثبت الزوج إدعاءه الإنفاق فإن القول قولها مع يمينها" (11) ، ويقول الإمام التسولي معلقا على ابن عاصم في تحفته :" ..ومفهوم من يغب أن الحاضر يكون القول قوله..وإنما كان القول قوله حيث كان حاضرا أو غائبا ولم ترفع لأنها في حوزه..وإذا كانت في غير داره وحوزه فالقول قولها" (12).
وقد مكن المشرع الزوجة في الفرع الثاني من الباب الثاني المعنون بعدم الإنفاق المادة 102 وفي حالة إمساك الزوج عن الإنفاق من تقديم طلب التطليق لعدم الإنفاق لقوله تعالى " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" ( الآية 229 من سورة البقرة)، إلا أن الإمساك بالمعروف يتضمن الإنفاق بخلاف الإمساك مع الامتناع الذي يلحق ضررا بالزوجة والاعتداء على حقوقها الشرعية.
وتتحدث المادة 102 عن ثلاث حالات:
الحالة الأولى:
لاتستجيب فيها المحكمة لطلب التطليق إذا كان للزوج مال ظاهر حيث أن المحكمة تلقائيا تتولي تحديد طريقة تنفيذ النفقة بدون تقديم طلب في الموضوع كالأمر بالاقتطاع من الراتب (موظف) أو الأمر بتحويل مبلغ النفقة من ريع الزوج أو من حساب بنكي إلى مستحقي النفقة، ويدعم هذه الحالة على المستوى الفقهي الحديث الشريف الذي يؤكد شرعية ووجوب نفقة الزوجة على زوجها ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن هندا زوجة أبي سفيان قالت يا رسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح ولا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال:" خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" .
وتعتمد المحكمة في تقدير النفقة على تصريح كل من الزوج والزوجة المدعم بالحجج والوثائق.
وإذا كانت القاعدة الفقهية تعتمد في تقدير النفقة على الوضعية المادية للزوج انطلاقا من قوله تعالى: " لينفق ذو سعة من سعته" فالمذهب المالك قد راعى حالة الزوجة كذلك يقول الإمام التسولي في ذلك " والنفقة بقدر ُسعه وحالها" (13)
وقد جاء في المادة 189 في جانب مشملات النفقة وتقديرها ما يلي " تشمل النفقة الغذاء والكسوة والعلاج، وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد.." مع مراعاة أن يكون السكن مستقلا عن النفقة.
و يراعى في تقدير كل ذلك، التوسط ودخل الملزم بالنفقة، وحال مستحقها، ومستوى الأسعار والأعراف والعادات السائدة في الوسط الذي تفرض فيه النفقة".
الحالة الثانية:
نظرا للطابع المعيشي للنفقة فإن تنفيذها يكون بقوة القانون فحسب المادة 190 من مدونة الأسرة " يتعين البث في القضايا المتعلقة بالنفقة في أجل أقصاه شهر واحد" ومن ذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 179 من قانون المسطرة المدنية على أنه" يبث في طلبات النفقة على شكل استعجالي وتنفذ الأوامر في هذه القضايا رغم كل طعن".
ونظرا للطابع الاستعجالي للنفقة فإذا أثبت الزوج عسره تمهله المحكمة مدة لا تتعدى شهرا واحدا حتّى يتسنى له الحصول على ما ينفق به على زوجته فإن عجز عن الإيفاء بذلك طلقت عليه المحكمة زوجته إلا في وجود ظرف قاهر واستثنائي وهي حالات تدخل في تقدير المحكمة.
إن لجوء المحكمة إلى التطليق في حالة فقد الزوج لعمله خلال شهر واحد تحتاج إلى إعادة نظر.
- فكيف سيجد الزوج عملا آخر خلال شهر ونحن نعيش أزمة اجتماعية موسومة بندرة مناصب الشغل مع الارتفاع المهول لطالبيه؟.
قد يكون تطبيق القانون في هذه الحالة مضرا بوضعية كافة أفراد الأسرة، - فهل ستجد الزوجة حلا مباشرا للإنفاق بمجرد حصولها على قرار المحكمة القاضي بتطليقها؟؟.
الحالة الثالثة: (المادة 102)
تستجيب فيها المحكمة بشكل فوري لدعوى التطليق لعدم الإنفاق دون إعطاء الزوج مهلة كما بالحالة الثانية،إذا كان الزوج موسرا وامتنع عن أداء النفقة أو ادعى أنه معسر ولم يثبت ذلك وأصر على عدم الإنفاق في مرحلة الصلح.
أما المادة 103 فتؤكد تطبيق نفس أحكام المادة 102 على الزوج الغائب في مكان معلوم وتوصل بمقال الدعوى، أما إذا كان محله مجهولا وتأكدت المحكمة من ذلك بواسطة النيابة العامة ومن صحة دعوى الزوجة، تبث في الدعوى على ضوء نتيجة البحث ومستندات الملف.

سقوط النفقة عن الزوج ووقفها.
تسقط نفقة الزوجة في مدونة الأحوال الشخصية كما ينص الفصل 123في الحالات التالية:
" 1- بوفاة الزوج
2- بالإبراء منها.
3- بخروج المطلقة رجعيا من بيت عدتها بدون عذر ولا رضى زوجها"، على اعتبار أن نشوز الزوجة لا يسقط نفقتها إلا إذا حُكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت حسب ما جاء بالمادة 195.
فنفقة الزوجة كما يقول ذ.خالد بنيس " واجبة عمليا منذ إبرام عقد النكاح، هذا الوجوب الذي يلازم الزوج إلى أن يموت أحد الزوجين أو تنتهي عدة الطلاق" (15)
وقد نجد في العديد من تشريعات الدول العربية تنصيصا على سقوط نفقة الزوجة بمجرد النشوز إلا في حالة الحمل لكونها تحمل من زوجها جنينا.
إن النفقة دين لا يسقط بالتقادم وقد وصفه ذ.محمد الكشبور بكونه " لا يمكن أن يكون موضوعه محلا لعقد صلح" (16)، وبذلك جاء المشرع بالمادة 119 التي تنص على أنه " لا يجوز الخلع بشئ تعلق بحق الأطفال أو بنفقتهم إذا كانت الأم معسرة وقد احتوت المادة 119 ما اهتم به المنشور الوزاري عدد 5/61 الصادر بتاريخ 6 يناير 1961 في موضوع " التزام المختلعات المعسرات بنفقة الأولاد" .
وقد جاء في الفصل 1102 من قانون الالتزامات والعقود أنه " لا يجوز الصلح على حق النفقة، وإنما يجوز على طريقة أدائه أو على أداء أقساطه التي استحقت فعلا" بالرغم من أن المجلس الأعلى في الملف الاجتماعي عدد 81413 قد تمسك بتطبيق الفصل 1112 لإبعاد لفيف يثبت صلحا تم بين زوجين بخصوص النفقة (17).
وقد تطرق ذ.أحمد الخمليشي إلى أسباب سقوط النفقة فأخلص إلى أنه " إذا كانت النفقة تجب من الدخول أو الدعوة إليه إلى الوفاة أو الطلاق البائن بالنسبة لغير الحامل ، وإلى وضع الحمل أو انتهاء عدة الطلاق الرجعي، فقد تحدث أسباب تسقطها خلال فترة الوجوب السالف الذكر، أو تقف أداءها دون أن تسقط من ذمة الزوج" (18).
ويمكن حصر أسباب سقوط النفقة عن الزوج في حالة إعساره، فقد جاء بالمادة 199 ما يفيد وجوب النفقة على الزوجة بمقدار ما عجز عنه الأب حفاظا على مصلحة الأطفال من الضياع، تنص المادة على أنه " إذا عجز الأب كليا أو جزئيا عن الإنفاق على أولاده ، وكانت الأم موسرة، وجبت عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب " .
وتصبح الزوجة إثر هذا النص الجديد معرضة لأن يطبق عليها حكم إهمال الأسرة بموجب ما جاء في المادة 202 التي تنص على أن " كل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهر دون عذر مقبول ، تطبق عليه أحكام إهمال الأسرة".

دائرة وجوب النفقة بالقرابة
خصص القسم الثالث الموسوم بالنفقة الفرع الثاني مادتين لنفقة الأبوين وهما المادة 203والمادة 204، تنص المادة الأولى على أنه توزع نفقة الآباء على الأبناء عند تعدد الأولاد بحسب يسر الأولاد لا بحسب إرثهم" إن النفقة من بين الموضوعات التي تثير نقاشات عميقة بالقضاء الأسري نظرا لطابعها المرتبط بالواقع الاجتماعي والاقتصادي للمتقاضين ، وبين اتساع دائرة وجوب النفقة وتوسيعها إلى الأسرة الممتدة تبقى نفقة الأسرة النواة هي المستقطبة لوجهة نظر المشرع الشيء الذي يجعل الملزم بالنفقة بين مطرقة نفقة الزوجة والأولاد وسندان نفقة الأقارب ونفقة نفسه، - فكيف يتصرف المُلزم بالنفقة في حالة اجتماع الأطراف المستحقة للنفقة وهو لا يملك إلا نفقة نفسه؟؟
لقد توصل الاجتهاد الفقهي في مسألة ترتيب استحقاق النفقة بين الأقارب ما جاء به الزرقاني يقول " ومن له أب وولد فقيران وقدر على نفقة أحدهما.فقيل يتحاصان وقيل يقدم الأب..وقيل يقدم الابن..وتقدم الأم على الأب والصغير من الولد على الكبير، والأنثى على الذكر عند الضيق، فلو تساوى الولدان صغرا وكبرا وأنوثة تحاصّا" (19).
فمفهوم النفقة ونظرا لمرونته وطبيعة دخل المتقاضين تجعل أمر التعامل مع النص أمرا قد يضر بمصالح الملزم بالنفقة من باب عجزه عن نفقة نفسه، تنص المادة 188 على أنه " لا جب على الإنسان نفقة غيره إلا بعد أن يكون له مقدار نفقة نفسه.."
وتطبيقا للمبدأ لمعروف في الشريعة وهو" إذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما" فكيف لمن له مقدار نفقة نفسه أن نلزمه بالنفقة على الغير في وجوهها الثلاث: الزوجية والقرابة والالتزام (المادة 187).
وقد افترضت المادة 188 مبدأ افتراض ملاءة ذمة الملزم بها، حتّى يثبت العكس ، أي التسليم بقدرته على أدائها حتّى يثبت ادعاؤه العجز عنها .
- فكيف السبيل إلى إثبات العجز لمن يتقاضى شهريا الحد الأدنى للأجور وعلى افتراض أنه موظف ؟
- كيف يمكن للقضاء أن يبث في ملف اجتماعي ضُم فيه ملفين للمطالبة بالنفقة : واحد من طرف الزوجة والآخر من طرف الأم؟
لمن تُعطى الأسبقية والأم فقيرة عاجزة والزوجة لها نفقة نفسها فقط والنص غير صريح إلا ما يفهم من تقديم المادة 197 وجوب النفقة على الوالدين قبل الأولاد كترتيب ضمني توحي به هذه المادة التي تنص على أن " النفقة على الأقارب تجب على الأولاد للوالدين وعلى الأبوين لأولادهما طبقا لأحكام هذه المدونة."
أما بالنسبة للملزم بالنفقة فتنص المادة 205 ووفقا لمبدأ " من التزم بشيء لزمه" على أن " من التزم بنفقة الغير صغيرا كان أو كبيرا لمدة محدودة لزمه ما التزم به ولا تسقط عنه إلا بالعجز أو الوفاة".
وقد استفردت مدونة الأسرة عن باقي القوانين التي تطرقت لقضايا الأسرة بالتنصيص على نفقة الأولاد المعاقين والعاجزين عن الكسب حتّى تسقط عن الأب بوفاته تنص المادة 198 على "..ويستمر إنفاق الأب على أولاده المصابين بإعاقة والعاجزين عن الكسب."
تبقى مدونة الأسرة المغربية بالرغم من نقائصها،حدثا قانونيا وحقوقيا متميزا وقد تأتي حتما الممارسة التطبيقية لها بعدة قضايا مستحدثة ،قد تظهر معها المدونة عاجزة عن فك البنية التقليدية للمجتمع المغربي.

بقلم : الباحث عبد النور إدريس
http://abdennour.over-blog.net
هوامش الدراسة

1- حاشية بن عابرين ، الجزء الثاني ص: 647.
2- ذ.خالد بنيس " النفقة بين الواقع والتشريع" دار نشر المعرفة ،الرباط الطبعة الأولى،سنة 1992 ص: 29.
3 - منبر الجامعة ،ذة. نادية العشيري، مفهوم المساواة بين الجنسين في مدونة الأسرة" نفس المرجع السابق ص: 88- 89.
4- قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 29 نونبر 1983 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 35-36 ص: 105.
5 - ابن رشد القرطبي " بداية المجتهد ص: 41.
6- الملف الاجتماعي عدد 69 بتاريخ 8 ماي 1970 ، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 21 ص: 18.
7- د. أحمد زوكاغي " الطلاق حسب الصيغة الحالية لمدونة الأحوال الشخصية" مطبعة الأمنية ، الرباط ، الطبعة الأولى سنة 1994، ص: 109.
8 - د. أحمد زوكاغي ، نفس المرجع السابق ص: 109.
9- ذ.خالد بنيس " النفقة بين الواقع والتشريع" مرجع سابق ،ص: 11.
10 - قرار عدد 26غشت 1978 عدد 29 ص: 125.وكذا القرار الصادر في 14 دجنبر 1982 بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 31 ص: 83.
11- قرار صادر في 14 فبراير 1978 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 26 ص: 140.
12 - شعر ابن عاصم:
ومن يغب عن زوجه * نفقة لها وبعد أن رجع
ناكرها في قولها في الحين * فالقول قوله مع اليمين
13- الإمام التسولي ، شرح التحفة، دار الفكر،ص: 390.
14 - ذ.خالد بنيس " النفقة بين الواقع والتشريع" دار نشر المعرفة ، الرباط الطبعة الأولى سنة 1992 ص: 83.
15- د.محمد الكشبور ط"الوسيط في قانون الأحوال الشخصية" مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء الطبعة الرابعة، سنة 1999 ص: 249-250.
16 - قرار رقم 168 صادر في 28 أبريل 1980 في الملف الاجتماعي عدد 81413، أخذا عن ذ. محمد الكشبور ، مرجع سابق ص: 249.
17- د.أحمد الخمليشي " التعليق على قانون الأحوال الشخصية " الجزء الثاني ، دار نشر المعرفة، الرباط، الطبعة الأولى سنة 1994 ص: 223.
18 - شرح الزرقاني عبد الباقي، مطبعة محمد أفندي ،مصر ، الجزء الرابع، الصفحة: 259.