بشر للبيع



احمد جميل برهان
2016 / 3 / 6

- بابا انتي طالبة الطلاگ ؟
- اي اني .

ارتدى لباسه العربي في ذلك الصباح وتعطر بعطره الذي لا تختلف رائحته عن رائحة " القولونيا " , ركب سيارته الفارهة وأتخذ الوجهة المعتادة .
وصل لمعرض السيارات الذي يمتلكه , استقبله العاملين لديه بمختلف التحيات التي لا تخلو من مفردة " حجي " , جلس خلف مكتبه وفتح سجل قد وضع أمامه ما أن جلس على كرسيه خلف المكتب المصنوع من خشب الارز , وخلفه في اعلى الجدار صورته وهو يرتدي العقال والزي العربي ويقف بهيبة بشاربه الاسود الكثيف جراء الصبغ اسبوعياً وفي بعض الاحيان أقل من ذلك بيوم او أثنين .
بعد اكثر من نصف ساعة , وضع السجل من بين يديه واخذ يتأمل في جدار معلقة عليه لافتة مكتوب فيها " معرض حجي جاسم لبيع السيارات " وهو يقضم شاربه بأسنانه تارة وتارة اخرى " يمسده " بيده وكأنه يُداعب فروة قط او كلب حديث الولادة .
نادى على العامل الذي كان اول المُستقبلين له عند نزوله من السيارة وهو من وضع السجل امامه , اتى مسرعاً ووقف أمامه كوقوف العبد بين يديٌ سيده , على الرغم من أن هذا العامل يمكن أن يُخمن عمره ما بين 40 - 45 سنة .
- ها حجي بيش اخدمك ؟
- سد الباب واگعد عندي شغلة وياك .
- اي تدلل حجي , گول حجي .
- فاطمة بنتك شگد صار عمرها ؟
- 17 سنة حجي .
- صارت مرة .
- كلة بفضلك حجي .
- اگلك سلمان اريد اخطب فاطمة منك .
- حجي بالخدمة بس اولادك متزوجين والصغير يدرس بأوكرانيا .
- أقصد الي , أي الي .

ليس من الغريب أن يُعاد هذا المشهد الدرامي في كُل زمان ومكان , بل الغريب أن لا تكون للمال سطوةً على حيوات الفقراء , الفقراء الذين يرون مسألة تزويج بناتهم لرجال يكبرون اباؤهن عمراً بذرة أمل لتتغير أحوالهم المادية ليأكلوا رغيف خبز ولحم بدلاً من الخبز وحده .

- هذا سكير ومكبسلچي , شلون تنطي بنتك ؟
- اسكتي انتي , وين اوديها بنية مطلگة عمرها 19 سنة وعدها طفلة , شتردين يخطبها طبيب ؟
- غير انت انطيتها لحجي جاسم الله ينتقم منه .
- اسكتي انتي .

بعد تزويجها من الحاج الذي كان يدفع لقوادات المواخير المُترفة حتى يأتينَ له بأصغر الغانيات عمراً لديهن , انجبت منه طفلة ثم طلقها وطرد ابوها من العمل لديه, رجعت لبيت اهلها وكأنها سلعة قامواً ببيعها فردها البائع بعد إن أنتهى منها .
عندها تقدم لها شخص أخذ منه شرب الخمر وتناول المخدرات مأخذاً حتى بأتت يداه لا تستطيع أن تسكن لوهلة وكأنها سعفة في مهب الريح , وافق ابوها على الزواج كونها مُطلقة , وكما هو معلوم في مجتمعنا فأن المُطلقة لا تقل عهراً عن الغانية وفتاة الليل , ويجب تزويجها لأي شخص يطلب يدها حتى " يسترها " كما يقولون .
تزوجت وبعد سنة انجبت طفلة أخرى الى جانب الطفلة التي حصلت عليها من زوجها الحاج , الحاج الذي زار بيت الله اربعة مرات بين حُجة واحدة وثلاثة عُمرات , ثم طلقها هذا السكير عند اول فرصة سنحت له للهجرة من العراق , وتركها بلا مصير , وأهلهُ يقولون " كنا نظن أنه سيعقل لو زوجناه " .
رجعت مُنكسرة لبيت اهلها من جديد وهي تجر اذيال الخيبة .

طفلة بأحضانها لا تقوى على السير , والاخرى تلعب دون أن تدري ماذا هنالك بالضبط . بعد اكثر من ستة اشهر من طلاقها الثاني , تقدم لها شاب ملامحه تدل على الأيمان والتقوى ومسبحته لا تفارق يديه , ووافق على أن يُربي كلتا الطفلتين وأن يعتني بهما , على أن توافق فاطمة , فاطمة جميلة الوجه حسنة المظهر عذبة الصوت فقيرة الحظ , من الزواج منه لتكون زوجته الثانية .

- بابا انتي طالبة الطلاگ ؟
- اي اني .
- شگد عمرچ ؟
- 23 .
- شنو سبب طلبچ للطلاگ ؟
- أستاذ ......... استاذ يگولي أم الرجولة .
- ليش أنتي كم مرة متزوجة ؟
- هو الثالث !!!