مشاهدات في -اليوم العالمي للمرأة-



عائشة خليل
2016 / 3 / 10

يحتفل العالم في الثامن من مارس من كل عام باليوم العالمي للمرأة، وتختلف الاحتفالات من دولة إلى أخرى: فبعض الدول اعتمدته إجازة رسمية للجميع، بينما اعتمدته بعض الدول الأخرى - مثل الصين - إجازة رسمية للسيدات فقط. وفي معظم أنحاء العالم هو يوم عمل عادي، ولكنه في جميع الأحوال يوم احتفاء، شكلته بعض المجتمعات ليصير مناسبة خاصة يحتفي فيها كل رجل بالنساء اللواتي لامسن حياته، وصاغته الحركة النسوية ليكون احتفاليات بالنساء اللواتي قدمن الكثير من أجل مستقبل أفضل للنساء عامة.
ومع أن الاحتفالية باليوم العالمي للنساء تعدت قرنا من الزمان، إلا أن انتشار الوعي بالثامن من مارس كيوم عالمي للمرأة لم يدخل الحيّز العام على نطاق واسع سوى في العقود الأخيرة من القرن العشرين (تزامنا مع حركة الحقوق المدنية وما تلاها من حركات تحررية في الغرب) فعندما بدأت الأمم المتحدة تحتفل رسميا بهذا اليوم عام 1975 انتشر الوعي بهذا اليوم في البلدان العربية، وهو وعي أراه في ازدياد خلال السنوات القليلة الماضية، ودعوني أشارككم بعض مشاهداتي في هذا اليوم.
امتلأ التايم لاين على الفيس بوك ببوستات مختلفة: تكثر في هذا اليوم (أو الأسبوع) المقالات التي تكتبها ناشطات عن تجاربهن الشخصية أو العملية أو تحليلاتهن الفكرية، ومن أفضل ما قرأت تحقيق بعنوان "العنف داخل الأسرة مباح شرعًا وعرفًا وقانونًا" بقلم هدير المهداوي، والمنشور على موقع مدى مصر. وهو التحقيق الذي يزيل ورقة التوت عن التغاضي المجتمعي، بل والحماية التي يوفرها المجتمع للمسيئين من الرجال.
كما تنتشر الفيديوهات التي تحاور النساء والرجال عن هذا اليوم، ولعل من أطرف ما شاهدته فيديو لرجل مصري في العقد السادس من العمر يرد على سؤال يبدو أنه طرح عليه عن اليوم العالمي للمرأة فيقول: بلا مرأة بلا خرا .. يا وزير المواصلات - الأتوبيس بيتأخر بالساعتين والثلاثة. ويكمل شكواه من سوء المواصلات. ويدلل هذا الموقف عن انتشار الوعي باليوم العالمي للمرأة والاهتمام به بين فئة خاصة، ليست هي نفس الفئة التي يمثلها الرجل الخمسيني مستخدم المواصلات العامة. أو مازالت النخبة المصرية تعمل على نطاق ضيق (انطلاقا من جذورها البرجوازية) فيتعذر عليها الوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع؟
وبالنسبة للكاريكاتير تألقت المبدعة دعاء العدل في أكثر من كاريكاتير هذا العام عن عاملات المنازل. والتي فتحت بها الحوار المجتمعي حول حقوق هذه الفئة المهمشة من المجتمع. وكان ختام رسوماتها مسك كما يقولون: رجل أربعيني ضخم وَذَا شارب كثيف طويل بشكل مبالغ فيه. وهو يفتل شاربه ويقول: لقد انتهى اليوم . تستخدم دعاء العدل هذا الرجل ليرمز للبطريركية وله تجليات عديدة في مشوارها الفني، ويمكن النظر إليه على أنه الرجل عدو المرأة الدائم؛ ولكن دعونا نتوقف عند التعليق لقد انتهى اليوم أي أن الاحتفال بالمرأة انتهى ودعونا نعود لسابق عهدنا من تسيد للبطريركية. فيستكثر هؤلاء على المرأة يوم من الإحتفاء بها، وهو الموقف الذي يتخذه هذا الرجل ممثلا عن قطاع كبير من الطبقة الوسطى من المجتمع القاهري، كما ترآى لي.
ومن الطريف أن تتصل بي صديقة لتشتكي من ردود أفعال الرجال السلبية عن اليوم العالمي للمرأة، وتحكي لي بمرارة كيف أن أحد المحللين السياسيين الذين تتابعهم استنكر مطالبة المرأة بحقوق، وادعى أن المرأة حاصلة على حقوق أفضل من الرجل، فطالبته صديقتي بتسمية أي من تلك الحقوق. ووجه الطرافة في أن التايم لاين لديَّ كما أخبرتها ملئ بتعليقات إيجابية عن اليوم العالمي للمرأة. قد تنقسم الطبقة الوسطى على نفسها تبعا للقناعات الأيديولوجية، ولكن ذلك لا يمنع التعددية داخل كل توجه مما يثري النقاش المجتمعي.
كمتابعة للمشهد النسوي يمكنني القول بأن الحركة النسوية في مصر قد حققت الكثير من الإنجازات خلال السنوات القليلة الماضية أهمها إدخال مصطلحات مثل العنف الأُسَري، التحرش، في صلب القوانين والتشريعات، وفي جوهر الخطاب السياسي والاجتماعي. وإدخال "اليوم العالمي للمرأة" ضمن الفضاء العام إنجاز آخر محمود. ولكن مازال لدينا الكثير من العمل للوصول إلى شرائح أكبر من المجتمع، ولترسيخ ثقافة احترام المرأة وجعلها جزءا من المنظومة الحقوقية للمواطن المصري.