نساء مناضلات: عايدة سيف الدولة



كرستين عماد
2016 / 3 / 11


“قبل التحاقي بالدراسة الجامعية، شهدت أبي يُعتقل مرتين، كما اعتُقل شخصان آخران من أعضاء الأسرة، وكل ذلك بسبب (الجريمة) التي لا تغتفر، وهي التفكير بصورة مغايرة، والتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم”. كان هذا مقتطفًا من تصريحات الدكتورة عايدة سيف الدولة، الطبيبة النفسية، والثورية التي لم تحد يومًا عن خطى الثورة.

وُلِدَت عايدة عام 1954 في أسرة نشطة سياسيًا. التحقت بكلية الطب في جامعة عين شمس في أوائل السبعينيات، وحازت من نفس الجامعة على ماجستير الطب النفسى عام 1983، ثم على درجة الدكتوراة عام 1991.

بدأت سيف الدولة مشاركاتها في المجال العام من خلال الحركة الطلابية، كما شاركت في انتفاضة الخبز في السبعينيات، وانضمت بعد ذلك إلى “حزب العمال الشيوعي” حتى بداية التسعينيات، وعانت من الملاحقة الأمنية.

بعد أن شهدت عايدة تعرض عدد من زملائها للتعذيب الشديد على يد الدولة، بعد القبض عليهم أثناء مشاركتهم في إضراب عمال الحديد والصلب عام 1989، قررت الاتجاه للعمل في منظمات المجتمع المدني.

قامت أثناء عملها في الجامعة، بالمشاركة في وفدٍ كان يعمل لتحرير تقارير عن التعذيب، والذي فشل في استخراج تقرير رسمي واحد رغم التعاطف الذي وجده. اكتشفت سيف الدولة أن للتعذيب جانبًا آخر غير البطولة والشجاعة وهو إصابة روح الضحية بالشعور بالعجز والدونية وسحق الإرادة تحت وطأة التعذيب الذي تمارسه الدولة بشكل ممنهج ضد ضحاياها.

وإيمانًا منها بأهمية رصد حالات التعرض للتعذيب، وتأهيل وعلاج ضحايا التعرض للعنف، قامت سيف الدولة وبعض الأطباء الذين جمعهم بها هدف التصدي للانتهاكات التي تمارسها الدولة في حق معارضيها، بتأسيس مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا التعذيب والعنف عام 1993.

يعمل المركز على علاج وتأهيل ضحايا التعرض للتعذيب، كما يقوم بإصدار تقارير دورية ترصد حالات تعرض المواطنين للعنف والإيذاء على يد الدولة. صدرت التقارير بوتيرة سنوية ونصف سنوية، لكن مع تصاعد تعذيب وعنف الدولة المُمَنهج على يد دولة السيسي في حق المواطنين، صارت التقارير تصدر شهريًا.

وحينما صدر أمر من السلطات المصرية في فبراير 2016 بإغلاق المركز، بزعم وجود مخالفات رصدها مفتشو الصحة أثناء زياراتهم للمركز قبل إصدار قرار الغلق بثلاثة أسابيع، كان موقف فريق عمل النديم صلبًا حقًا أمام هذا القرار الذي اعتبره الكثيرون من المهتمين بحقوق الإنسان أنه أتى في إطار الحملة الشرسة التي تستهدف سحق المدافعين عن حقوق الإنسان واحدًا بعد الآخر.

أكد فريق عمل النديم أن القرار جاء سياسيًا، وأنه يتعلق بطبيعة عمل المركز في مكافحة التعذيب، كما أوضح أن مفتشي الصحة لم يشيروا إلى أية مخالفات أثناء زيارتهم للمركز، وأكدوا على استمرارهم في العمل، طالما استمرت الدولة في التعذيب، وطالما أنهم ليسوا في السجن.

لا يعدو كل ذلك سوى أن يكون جانبًا من نضال سيف الدولة ضد سياسة القمع التي يتبعها النظام ضد معارضيه وضد المواطنين.

ولكن إلى جانب ذلك، فقد نشطت عايدة في محاور عمل أخرى تختص أيضًا بالدفاع عن حقوق الإنسان بالإضافة إلى مناهضة التعذيب، فخلال عملها في مؤسسات المجتمع المدني، اهتمت عايدة بقضايا المرأة وحقوقها، وكانت مدافعة من الدرجة الأولى عن حقوق النساء، انضمت لهيئة تحرير مجلة الصحة النفسية للنساء في نيويورك منذ عام 1997 وحتى الآن، كما عملت ضمن قوة العمل المناهضة لختان الإناث في 1994، كما أنها عضوة مؤسسة بمركز دراسات المرأة الجديدة، منذ 1984.

شاركت سيف الدولة في ملتقى الحوار حول اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة عام 2000، كما عملت على التقرير المصري لبحث الحقوق الإنجابية، والذي هو جزء من دراسة تمت في 7 دول عام 1998.

صدر لسيف الدولة سلسلة “النفس تشكو والجسد يعاني” وهى السلسة التي صدرت عام 2003 عن ” نور – جمعية المرأة العربية”، والتي تتناول موضوع الصحة النفسية للنساء، وكيف يمكنهن التعامل مع الضغوطات النفسية الواقعة عليهن في ظل العيش في المجتمع العربي.

حازت الدكتورة عايدة على تقدير من منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس واتش – HRW) عام 2004، تقديرًا لنشاطاتها ومجهوداتها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، كما رُشِّحَت لمنصب مقرر الأمم المتحدة لمواجهة التعذيب في العالم.

تُعد عايدة سيف الدولة نموذجًا للمرأة المكافحة من أجل العدل والمساواة، من أجل مجتمعٍ خالٍ من الانتهاكات والعنف والتعذيب.