ثورة المرأة لتحرير الرجل



أماني أريس
2016 / 3 / 12

كلمة المرأة، وكل ما يشغل حقلها الدّلالي؛ يحيلنا إلى التفكير في الأسباب التي جعلت هذا الكائن مرهونا بالأساطير والتهاويل، والشّرور، وسقطت أمامه عقول العباقرة وكبار المفكرين من المتقدمين والمتأخرين، فسدروا في غلواء معاداتها حدّ اعتبارها كائنا دون الإنسان.
هل المرأة إنسان ؟ عادة كلما صادفنا هذا السؤال يتبادر إلى أذهاننا رواد الميسوجينية في عصور ما قبل الإسلام على رأسهم هيسيودوس الذي زعم أن العرق البشري وُجد قبل خلق المرأة، وكان تواجده مسالما إلى أن جاءت أول امرأة فأطلقت عنان الشر في هذا العالم، و أرسطو الذي اِعتبرها سقط متاع تركتها الطبيعة في الدرك الأسفل من سلم الخليقة، وسقراط الذي شبهها بالشجرة المسمومة، وفيثاغورس الذي وضعها ضمن ثلاثية المبدأ الشرير...ونستشهد بسفر التكوين و الكنسية وما حمله تاريخها من مآسٍ مع جنس الأنثى.
اِتصالنا التلقائي بعصر ما قبل الإسلام ما هو إلا مغالطة تكشف الجبن الذي يعترينا كلّما وجدنا أنفسنا أمام مسائل معلّقة على مشجب الدين. فالأولى بنا أن نتكلم عن وضع المرأة في عصرنا ومن عمق بيئتنا، ونكشف بكل شجاعة عن حجم التناقض بين الوحي الإلهي المنزه عن كل تناقض أو نقص أو تحيز، والفهم و التطبيق البشري لهذا الوحي الذي كشف في كثير من المناسبات عن مساويه.
لقد جاءت منهجية الله عز وجل واضحة في تحديد ماهية المرأة، ومواقعها الأسرية والاجتماعية، ولم يحاب الله بينها وبين الرجل في كل الآيات التي تتعلق بغاية الخلق أو بالثواب والعقاب، مع ذلك ما توقفت مأساة المرأة في المجتمعات الإسلامية يوما، وهاهو سؤال "هل المرأة إنسان " قد عاد إلى الواجهة من مهبط الرسالة المحمدية؛ حيث كان موضوع ندوة تحت إشراف المدرب فهد أحمدي في الأكاديمية السعودية، بتاريخ 1 مارس 2016، ورغم ما أثاره من ضجة واستنكار إلا أنّه في الحقيقة ينسجم مع القهر الممنهج الذي لازم المرأة السعودية ونساء الكثير من البلدان الشرقية إلى يومنا هذا.
ويزداد المشهد تعقيدا باستغلال اسم المرأة في صراع العميان، حيث لا يخرج المناوؤون للعدالة الجندرية عن ثنائية الحلال والحرام، فيما يعمد خصومهم إلى إحصائيات ومقارنات تتجاهل السياق التاريخي لوضعها في مجتمعاتنا الشرقية، وكلها مبررات تطفو على السطح بلا مجاذيف.
فعندما يتسبب موضوع حق المرأة في قيادة السّيارة، أو سنّ قانون يحميها من العنف والتحرش في تهييج الرأي العام، واستفزاز نسبة معتبرة من الجنسين، وعندما نجد المرأة ترقص في مسرح ذكوري ضد بنات جنسها، فهذا يعني أننا أمام عقدة محكمة يصفها بيار بورديو في كتاب الهيمنة الذكورية على أنّها : " خاصية كونية متجذرة في لاوعي الأفراد، سواء كانوا ذكورا أو إناثا. و رغم أنها تعلن عن نفسها كمعطى طبيعي، فهي تبقى في الأصل بناء اجتماعي- تاريخي- ثقافي، تنتجه و تعيد إنتاجه مجموعة من المؤسسات الإجتماعية "
من السذاجة إذن اعتبار ما أفرزته المقايضات النخبوية لصالح المرأة انتصارا تُحسد عليه، فالطريق مازال طويلا وشاقا أمامها، لتعلن عن اِنتصارها الفعلي، فهي أحوج ما يكون لثورة فكرية تثقيفية، تمكّنها من معرفة حقوقها وواجباتها، حتى لا تضطهد، ولا تُقصى، ولا تُستغلّ ولا تُبتذل تحت أيّ مسمّى كان، ذلك السبيل الوحيد الذي تتحرّر و تُحرّر به شقيقها الرجل من ركام الموروث وعقدة الهيمنة.