كفى من التمييز ضد المرأة !



الحسين أيت باحسين
2016 / 3 / 22

بداية أهنئ المرأة المغربية، ومن خلالها، المرأة في العالم بمناسبة الاحتفاء بعيدها المقرون ب"اليوم العالمي للمرأة" الذي يصادف يوم 8 مارس من كل سنة. ويحدونا الأمل الكبير في أن تأخذ المؤسسة التنفيذية والمؤسسة التشريعية بعين الاعتبار مقترحات الحركة النسائية والحقوقية بخصوص هيئة المناصفة والعنف ضد المرأة.
أما بخصوص السؤال الموجه إلي بالمناسبة، والمتمثل في ما تعنيه لي "المرأة" وما يعنيه لي "اليوم العالمي للمرأة؛ فقد سبق أن ثم نشر كتاب حول "المرأة والحفاظ على التراث الأمازيغي"، ضمن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الرباط،2008). الكتاب عبارة عن أشغال ندوة وطنية نظمها نفس المعهد حول الموضوع الذي ثمت مقاربته من مختلف جوانبه. شارك فيه باحثون مهتمون بقضايا المرأة، من مختلف التخصصات، بأبحاث ودراسات باللغات الأمازيغية والعربية والفرنسية والإنجليزية. ولقد نشرت ضمنه بحثا تحت عنوان: "دور المرأة الأمازيغية في الحفاظ على البعد الأمازيغي للهوية المغربية من خلال إبداعاتها" (ص. 9-36)؛ كما سبق لي أن نشرت، قبل ذلك، مقالا آخر تحت عنوان: "إبداعات المرأة الأمازيغية والحفاظ على الهوية المغربية" في كل من جريدة "إيمازيغن"، عدد 6، 30 ماي-30 يونيو،2004، ص.4؛ وفي جريدة "العالم الأمازيغي"، عدد 94، مارس 2008، ص.7.

لكن اليوم؛ وبعد انكباب مؤسسات الدولة والمجتمع المدني على تنزيل مستلزمات ومقتضيات دستور 2011 وما واكب ذلك من نقاشات مستفيضة في مختلف المنابر السياسية والحقوقية والثقافية حول حقوق المرأة ومساواتها وحول خطابات التطرف والتهميش ضد المرأة وكذا حول العنف ضد المرأة من أية جهة كانت، وبمناسبة الاحتفاء ب "اليوم العالمي للمرأة" وما كان وراءه من دواعي وأسباب للاحتفاء به؛ ماذا يمكن أن نقول عن وضع المرأة ونحن نستحضر روح دستور 2011 وفلسفة الاحتفاء ب "اليوم العالمي للمرأة"؟

فسواء انطلقنا من فلسفة الاحتفال ب"اليوم العالمي للمرأة" ومن الأسباب التي أدت إلى الاحتفاء بالمرأة بمناسبته، أو من روح دستور 2011 وما واكبه من مقترحات الحركة النسائية والحقوقية بخصوص هيئة المناصفة والعنف ضد المرأة، فإن الدرس الأساسي الذي ينبغي استخلاصه يمكن إجماله في ما يلي: "كفى من التمييز ضد المرأة، وكفى من الشعارات التي لا يوجد لها واقع ملموس في حياة المرأة ولنرفع العنف ضد المرأة". وبذلك يصبح السؤال الملح هو: كيف يمكن الانتقال من خطابات وممارسات تعزيز دونية المرأة في المجتمع إلى خطابات وممارسات تعزيز حقوق المرأة ومساواتها في المجتمع؟ في هذا الإطار ينبغي الأخذ بعين الاعتبار، في المغرب، أن قضية المرأة هي من بين القضايا السيادية الأربعة، وهي القضية الوطنية والقضية الدينية والقضية الأمازيغية وقضية المرأة، إذ أن هذه القضايا تحتاج إلى توازنات سياسية حفظا على المكاسب النوعية التي أتى بها دستور 2011 وحرصا على إتمام التحول الديمقراطي الهادئ الذي ثم الشروع في بنائه بالمغرب.
وإذا كان تعزيز حقوق المرأة ومساواتها في المجتمع متوقفا على تقاسم المسؤولية بين الرجل والمرأة؛ فإن هذا التعزيز ينبغي، أولا وقبل كل شيء، أن يبدأ من داخل المنظومة السوسيوثقافية للمرأة نفسها، أي من وعي المرأة نفسها بضرورة تجاوز الصورة النمطية للمرأة وتجاوز التمييز بين الجنسين في المراحل الأولى للتنشئة الاجتماعية للأطفال، وبين المرأة الحضرية والمرأة القروية، وبين المرأة الممدرسة وغير الممدرسة، وبين المرأة الناطقة بلغتها الأم وبين المرأة الناطقة بلغة تمدرس مّا، إلى غير ذلك مما يكرس التمييز داخل المنظومة نفسها ويوفر له، أي للتمييز، سبل إعادة انتاجه اللانهائي في المجتمع. لكن لا ينبغي أن ننكر، علاوة على ذلك، أن نسبة تعزيز دونية المرأة في مجتمع مّا يعود بالأساس إلى نسبة هيمنة الثقافة الذكورية فيه.
إن إحداث القطيعة مع كل أشكال التمييز هذه، لا يمكن أن يتحقق إلا بالنظر؛ لا إلى ما كانت عليه المرأة أو ما هي عليه الآن؛ بل إلى ما ينبغي أن يكون عليه وضع المرأة مستقبلا. وذلك لكي تساهم في تطوير مشروع المجتمع الذي يريده مواطنو هذا المجتمع ويرتضونه، وفي إنجاز التنمية المستدامة التي ينشدونها، وفي الحرص على الأمن الثقافي كسبيل لتثبيت السلم والتعايش الاجتماعيين الضروريين لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود، وفي حسن تدبير المؤسسات، كما برهنت على ذلك المرأة المغربية حين أسندت إليها أمور تدبيرها؛ ولنا في التاريخ، بمختلف مراحله، أمثلة تعتبر بمثابة نار على علم، كما لنا اليوم أمثلة في مختلف مجالات التدبير المؤسساتي وطنيا ودوليا لنساء مغربيات برهن، هنا وهناك، على كفاءتهن في تدبير ما أسند إليهن من مسؤوليات وفي ما قمن به من أدوار كبيرة، بل إن بعضهن ولجن كثيرا من مجالات اتخاذ القرارات.

لكن، ينبغي ألا ننكر أيضا أنه إذا كانت هناك أشكال من التمييز الذي يطال المرأة القروية والمرأة غير الممدرسة بصفة عامة، فإن التمييز الذي يطال المرأة القروية وغير الممدرسة في المناطق الناطقة بالأمازيغية أشد مضاضة. ولا داعي للتذكير، على سبيل المثال، بعدم إشراكها في تدبير المؤسسات المحلية، وبضعف تمدرسها وبعدم قدرتها على الاستفادة من وسائل الإعلام التي تعتمد لغات التمدرس، بل وحتى التي تعتمد التعابير اللهجية الأخرى الأمازيغية منها أو غير الأمازيغية، نظرا لعدم تمدرسها. أما ضعف أو عدم استفادتها من المرافق الصحية كالمستشفيات والصيدليات وكذا من المرافق التنموية فحدث ولا حرج. فبأي عيد عدت أيها "اليوم العالمي للمرأة" وأوضاع المرأة الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لا زالت في أمس الحاجة إلى الأخذ بعين الاعتبار من أجل خلق توازنات كبيرة لهذه الأوضاع التي تعاني، بسببها، شرائح كثيرة من النساء في مغرب لا يفتأ يؤكد على أنه بلد التحول الديمقراطي؟!

الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية
نشر في جريدة: "العالم الأمازيغي"
ضمن ملف العدد: المرأة في يومها الأممي،
عدد 183، 13 مارس 2016، ص.4-8