المرأة العربية 10: حرية المرأة بين مطرقة التحرر وسندان الذكورية



سندس القيسي
2016 / 3 / 24

المرأة العربية 10: حرية المرأة بين مطرقة التحرر وسندان الذكورية

أما لماذا لا أؤيد التحرر بالمطلق، فذلك لأن الرجل العربي المتحرر لا وجود له. وهو بإهانته المتكررة للمرأة، سواء ذاك جاء من رجل يلبس جلابية أو رجل يلبس البدلة الأجنبية والبابيون، قد يفعل ذلك بمسبة وسخة يطلقها من فمه غير المحترم، باتجاه المرأة التي تضعف أمام قذارته، بحيث لا تستطيع أن تنزل إلى مستواه المتدني. بل إن الرجل المتجلبب قد يحترم المرأة أكثر من خريج جامعات أجنبية، يتفلسف عن تحرر المرأة التي يحبها بتنورة قصيرة وقميص مفتوح، وعصرية تخرج معه إلى كل مكان بعلنية، فهذا من ضريبة تحررها، التي تدفع المرأة ثمنها وحدها.

ومعركة التحرر هذه هي معركة المرأة، لا علاقة للرجل بها. ولكنها معركة وللأسف تفسدها الذكورية، التي تريد أن ترى جانبًا مثيرًا في المرأة وفقط لا غير. وهكذا تتلوث مسألة تحرر المرأة بسبب الأهداف المغرضة للذكور. ثم إن أية حركة تحرر إجتماعية، يجب أن تكون قضية مجتمع لكي تنجح. لا يكفي أن نقول أن هناك فئة في المجتمع تطالب بتحرر المرأة. أو أن ننسى المطالبة بتحرر الرجل والمرأة؟ لماذا على المرأة العربية أن تتحرر لوحدها؟ ما الفائدة من ذلك؟ لأن هذا التحرر سيقودها إلى طريق تسيرها وحيدة. فيما أن القصد أن يدخل التحرر قي الحياة الإجتماعية المكملة لبعضها، والمتكاملة والكلية. بحيث يفرز جميع أفراد المجتمع أنماطًا سلوكية وفردية متقاربة ويشكلون موازين حب وعدالة ومشاركة قائمة.

إن طرح مسألة تحرر المرأة تأخذ مناحي خطأ، إذ أنها قد تعني بأنها شيء ضد شيء، جديد ضد قديم، مبادئ وقيم جديدة عوضًا عن المبادئ والقيم القديمة، ذاكرة وأحلام جديدة ضد ذاكرة وأحلام قديمة. إن كل هذه الأمور الوجدانية تستغرق الكثير من الوقت لكي تتحول الأفكار القديمة إلى أفكار جديدة. وهذه تعتمد على جاهزية المجتمع واستعداده لهذا التغيير. لكن التغيير الحقيقي الذي يخص المرأة يتأخر دائمًا. إذ أن الذكورية تقسم الأجندة إلى نصفين، نصف مع ونصف ضد وهذا يحصل أيضًا داخل الأفراد، الذين يريدون خليطًا من القديم والجديد، وليس كل أي منهما على حدة. إن هذي التركيبة قد تكون صحية لمن يؤمنون ببعض مظاهر التحرر وليس كله.

فعلى مستوى العائلة العربية، فأنا أعتقد أن المرأة العربية قد خلقت لها وجودًا مميزًا في المؤسسات العلمية. فمعظم الفتيات العربيات يكملن تعليمهن الآن في هذا العصر. والحياة الجامعية تتيح أجواءً حرة، بحيث تتشكل أفكارهن بتجاذبٍ بين هنا وهناك، وهذه هي الأفكار التي سيأخذونها معهن مدى الحياة، وسوف يستندون إليها كقواعد للفكر الحر وبالتالي، سيمنحون أبناءهن وبناتهن مساحة أكبر من الحرية الفردية والخصوصية والتطلعات المستقبلية. ولهذا دائمًا نجد الأجيال الجديدة أكثر جدية بخصوص المستقبل وأكثر حرية من جيل أبائهم الذين سبقوهم.

إن التحرر بطبيعته نوعيًا وكميًا وجمعيًا، فما الفائدة من شخص متحرر وسط آخرين محافظين أو حتى متشددين. صحيح أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام، إذا أردنا أن نبقى متفائلين، لكن من الواضح جدًا أن وضعًا كهذا لا يخلق حوارًا بل إنه على الأغلب سيؤدي إلى صدام. لذلك لا مفر من تجزئة الحرية واختيار تقاطعاتها مع الفئات الأخرى للمجتمع في الوقت الراهن. نعود لمثال التعليم، الذي قد يرفضه المحافظ والمتشدد، لكن ليس من المستحيل إقناعهما بتدريس أولادهما، بقليل من الجهد. ولكن سيكون من المستحيل إدخال فكرة احتراف بناتهن الرقص كفن. لذا، قصدت المجتمعات العربية على اكتساب حقوقها وشيئًا من حريتها عبر السنين من خلال إدخال هذه الأفكار تدريجيًّا وبازدياد مضطرد ومن جيل إلى جيل. لكن، هذا لا يشفي غليل الطبقات الليبرالية، التي تتغنى بالحرية والحريّة لا بد أن تكون شيئًا جميلاً وقد يكون لها ثمن باهظ وقد تكون حرية مسؤولة، كما هو مرغوب بها في البلاد العربية. والآهم من كل ذلك؛ الحرية لا تتجزأ.