حلوة وتردين تشتغلين وتنافسين الرجال بالعراق؟! تهي بهي



سمر محسن
2016 / 3 / 28

تخرجتُ من السادس إعدادي بمعدل 91.3% وقد كان معدّلي هذا مخيباً لآمالي، فقد كنتُ أتمنى أن أدخل كلية الصيدلة، ليس الطب لأني لا أحتمل رؤية الدم والجروح والحروق، الصيدلة لكونها مهنة راقية ومُحترمة إجتماعياً وتدر مالاً كثيراً.
كان نظام القبول الجامعي وقتها (بزمن صدام) يعتمد المفاضلة بين الذكور والإناث في القبول، حيث فرصة الذكر لدخول كلية راقية بمعدل منخفض أكثر من فرصة الأنثى، ولهذا تم قبولي في كلية العلوم بمعدلي هذا بينما قبلوا الذكور أصحاب المعدلات بالثمانين في كليات أعلى وأحدهم كان أبن جيراننا الذي فوجئت بقبوله بالهندسة رغم إن معدله كان 81%.
نصحتني والدتي يومها بأن أدخل كلية التربية كي أصبِح مُدرِسّة ولكني رفضتُ بشدة وأنا أقول (لا أريد مهنة لن أستطيع بها تطوير ذاتي مستقبلاً ولا الحصول على مناصب أعلى، فلو صرتُ مدرسة ماذا سأتوقع أن أحقق لو ثابرتُ في عملي سوى مديرة مدرسة بعد عمر طوووويل، أريد وظيفة أستطيع أن أترقى بها شيئاً فشيئاً).
بعد التخرج كنتُ شديدة الحماس للعمل، وبعد فترة طويلة من البحث عن وظيفة أستطعتُ الحصول على عقد مؤقت في إحدى دوائر الدولة، ولم يكن لشهادتي (علوم حاسبات) وقتها ذلك التأثير بهذهِ الفرصة، بل وأقولها بصراحة كان لشكلي الفضل الأكبر، حيث قام أحد مدراء الأقسام بتقديم طلب لتعييني عنده لمجرد إن عينيه لمعتا بعد رؤيتي وأضمر في نفسه شيئاً.
ساذجة ومتحمسة وليس لدي أي فكرة عن شكل العمل الحقيقي (البشع) في دوائر الدولة.
يوماً بعد يوم بدء صراعي في تلك الدائرة الحكومية، أخذ مديري بالتحرش بي وأخذ يمشي بين الموظفين وهو يقول بظهري (لا تقربوها هذهِ لي!)، قدمتُ طلب نقل إلى قسم آخر وأنا أواسي وأقنِع نفسي أن فرصتي في إثبات ذاتي ستكون أفضل الآن بحكم إن مديري الجديد مُحترم ولا ينظر لي بشهوانية، ولكن ما حصل إن هذا القسم الجديد كان يحوي من الموظفات العجائز الكثير، من اللواتي يرتدين عباءة إسلامية ويذهبن لزيارة الحسين مشياً بالأربعينية، كنتُ أعمل بجد وأنهي عملي قبل الكل وبأحسن صورة، ولكن هذا ليس بمقياس لكفائتي فمادمتُ لا ألتزم بالحجاب وأضع الميك آب فأنا بمنظور الكل عاهرة لا تستحق أي تقدير، كانت الموظفات تتقاول عليّ بأني سهلة المنال وأخرج مع شباب!
كرهني مديري الجديد بعد وصول هذهِ الأقاويل إليه وحاربني، فقدمتُ طلب نقل إلى قسم آخر.
خمسة أعوام قضيتها في تلك الدائرة الحكومية وقد كنتُ أكثر موظفة تطلب النقل وتغيير مكان العمل، وتوالت وتراكمت الإشاعات بحقي من هذا وذاك، فتلك التي تحقد عليّ لكوني شابة ومحط أنظار فتطعنني بالشرف وذاك الذي حقد عليّ لكوني رفضتهُ فأخذ يتقاول عليّ بأني كنتُ عشيقته وأخذني إلى شقة خاصة، رغم إني بالحقيقة لم أكن أرد عليه حتى السلام!
خمسة أعوام عرفتُ فيها كم كنتُ مخطئة بآمالي وتلاشى أي طموح عملي لدي وبتُ أكره حتى النهوض صباحاً للعمل.
أناس مرتشين فاسدين أخلاقياً وعملياً ينهشوني من كل جانب وناحية، والأقاويل تنتشر بلذة بين الكل.
تعاركتُ وإرتفع صوتي وأنا أدافع عن نفسي أكثر من مرة، بكيتُ وغضبت، وشعرتُ بالظلم مراراً وتكراراً، وحتى إنني حاولتُ كسب الرضا العام بتغيير لبسي وإرتداء الحجاب ولكن هيهات، فهم سيجدون دوماً ما يتحدثون عنه مهما حاولت المرأة كف شرهم.
فهمتُ غبائي بعدم إختياري لمهنة التدريس التي كنتُ سأتعرض لمضايقات أقل فيها، طموح عملي؟! ومحاولة النجاح والترقي؟! وأنا بنت؟ بنت في مجتمع يراني عورة وناقصة عقل ويستطيع أتفه شخص فيه أن يقول أي إشاعة عني وسيجد المئات من المُصدقين والمتناقلين لإشاعته بكل رحابة صدر؟!
المرأة في مجتمعي لحمة سائغة وهدف سهل إصابته في الصميم.
واليوم وبعد وصولي للثلاثين من عمري، مازلتُ تلك الطموحة التي تملك آمال عالية وثقة في مقدراتها، متشوقة جداً لوصولي إلى ذلك المجتمع الذي سيقيّمني بناءاّ على عطائي وجديتي وليس بناءاً على ما أرتديه، مجتمع لا تدخل فيه الحياة الشخصية للموظف في مجال عمله!
المرأة في العراق مغتصِب لغير حقه، فحقها في المجتمع يكمن فقط في الزواج من رجل وخدمته هو وأولادها والإلتزام ببيتها ومطبخها، ومتى ما قررت الخروج للعمل وإختارت مهنة مختلطة بين ذكور وإناث فقد شذت وجُنِت وأخذت ما ليس لها وسيقوم المجتمع بجلدها بألسنتهم ومحاربتها بكل وسيلة متاحة.


خدمة جديدة - مهم جدا
لتجديد معلومات موقعكم الفرعي ( الصورة، النبذة وألوان ) بشكل أوتوماتيكي
نرجو استخدام الرابط التالي, يعتذر الحوار المتمدن على تلبية طلبات التجديد المرسلة بالبريد الالكتروني

http://www.ahewar.org/guest/SendMsg.asp?id=