منظومة الزواج في مصر



عائشة خليل
2016 / 3 / 28

انتشر في مصر تقرير صحفي عن شاب مصري تعرف على فلبينية تعمل في القاهرة وتزوجها. ويسرد الشاب وقائع خطبته لفتيات مصريات (قبل لقائه بعروسه الفلبينية) وشكوته من مغالاة أهل الفتيات في الطلبات من شبكة ومهر وشقة وتجهيزات للشقة. وفيها مقارنة صريحة لصالح عروسه الفلبينية وأهلها الذين لم يكن لديهم طلبات لإتمام الزواج.  وقد سارع بعض الكتاب إلى انتقاد أهل العروس المصرية الذين :

(1) يصرون على الشبكة بالرغم من ارتفاع ثمن الذهب،

و(2) يغالون في المهور وبالذات مؤخر الصداق،

و(3) يصرون على شراء العريس لشقة وليس مجرد إيجار شقة،

و(4) يصرون على اكتمال أثاث الشقة وكمالياتها قبل الزواج.

ومع أنني مع تخفيض تكاليف الزواج بوجه عام، إلا أنني أقف بحزم مع حقوق الفتيات في مستقبل آمن، وبالتالي فالنظر إلى الزواج على أنه الخطوبة والسنوات الأولى من الزواج اختزال مُخل. فأهل العروس ينظرون إلى مستقبلها على المدى البعيد، فيأخذون في الحسبان إمكانية الطلاق في مجتمع ذكوري لا يُمَكِّنُ المرأة من حقوقها. نسبة الطلاق في مصر تصل إلى ستين في المائة (60%‏) أي أن فرضية الطلاق ليست تشاؤما من قبل أهل الفتاة، بل هو الاحتمال الأكثر ترجيحًا (بأكثر من النصف).

ماذا لو حدث اختلاف وانفصال بعد خمس سنوات تكون فيه العائلة الجديدة قد أنجبت طفلين لازالا في رعاية الأم قانونا؟ ماذا تفعل هذه الفتاة التي لم تعمل في عمل مدفوع الأجر خلال هذه السنوات بل قضتها في الأعمال المنزلية (غير مدفوعة الأجر) ورعاية أسرتها الصغيرة ؟ وأنا لن أتحدث هنا عن المعاناة في المحاكم للحصول على حقوقها وحقوق أطفالها، فهذا موضوع متشعب يطول شرحه.  فدعونا نركز على حال هذه السيدة التي ستتحمل من الآن فصاعدا مسئولية نفسها وطفليها.

فتاة شابة مازالت في عقدها الثالث تواجه مجتمعا ذكوريا يضغط عليها بكل قواه لمجرد أنها ولدت أنثى. عليها أن تجابه الحياة بمفردها وهذا صعب في حد ذاته. وتربي طفلين، وتعيد تأهيل نفسها من  أجل الالتحاق بسوق العمل. وهنا تجد (بعد معاناة طويلة في المحاكم) أن لديها كحاضنة شقة مجهزة تأوي إليها هي وطفلاها، تمنعها من ذُل الحاجة إلى مأوي في مجتمع يجابه ظروف اجتماعية صعبة لا يستطيع أفراده مساندة بعضهم البعض كما كانوا يفعلون في الماضي. وقد تجد لديها بعض المال (مؤخر الصداق) تستطيع منه الإنفاق إلى حين ترتيب أوضاعها المالية. وقد يتبقى لديها بعض المصاغ تستخدمه لمجابهة الظروف الطارئة. فمصاغ السيدة العربية هو الاحتياطي الاستراتيجي الذي لا ينفق على المصاريف اليومية وإنما على الحالات الاستثنائية.

وما أود قوله أن النظر إلى طلبات الفتيات على أنه عرقلة لمشاريع الزواج إنما هو مما درج عليه المجتمع الذكوري من تحميل المرأة عبء حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. والأهم أن تلك النظرة القاصرة لا تنظر إلى الزواج كمنظومة (زواج واحتمالية كبيرة للطلاق) وتحصره في جزء يسير هو السنوات الأولى من الزواج.  فإذا أردنا أن نحل مشكلة الزواج التي نعزوها إلى قلة الإمكانيات لدى الشباب ومغالاة أهل الفتيات للطلاق فعلينا أن ننظر إلى المجتمع الذكوري ونخفف من وطأته على الفتيات والسيدات المصريات بدءا من بطء التقاضي، وتضارب القوانين، وتهرب الرجال من مصاريف وتبعات الزواج عند الانفصال، ورغبة بعض الرجال في عرقلة حياة السيدة بعد الطلاق في مقابل رغبتهم في تأسيس بيت جديد (مع نقص في الإمكانيات).  علينا النظر في نسب العمل المتدنية للفتيات في منطقة شمال أفريقية، والتي هي أدنى نسب في العالم كما قررت منظمة العمل الدولية في تقريرها الصادر هذا الشهر. علينا أن نجابه العنف ضد المرأة المنتشر في شوارعنا ومنازلنا. علينا ألا نقفز على الصعاب الْمُحتملة على المدى البعيد من أجل شهر العسل القريب. باختصار علينا النظر إلى الزواج كمنظومة متكاملة وتفكيك ما هو موجود لإعادة صياغته على أسس تتوافق وبداية القرن الحادي والعشرين.