هاجس المرأة منذ حواء وحتى كاترين زيتا جونز



نعيم عبد مهلهل
2005 / 12 / 5

(( عندما تفكر المرأة برجلٍ أخر ..فهي تشعر إن عليها أن تنتصر على أمراة أخرى .. وأظن إن مدام بوفاري كانت تحمل مثل هذه المشاعر ))

خاطرة كتبتها على غلاف رواية فولتير مدام بوفاري

(( أخشى أن لاتكون هناك أمراة بحياتي فأموت كجرذ ))

بتهوفن

المرأة منديل أخضر ..يشفي الورد من عطاس قبلاتي ...
أتذكر هذه الخاطرة ، فلقد كتبتها في هوس شجن مراهقة قراءاتي لأشعار نزار قباني . واليوم ودبابات المارنيز تقرع في شوارع ذاكرتي طبول ما لا يعرف من القادم أجد في تفسير التمني والبهجة غموضا وانكماشا عن الذي أتمناه لشهوتي وعاطفتي وجيبي . وعلى أية حال فأن ذكرا مثلي فكر أن يمتلك الثبات حتى في العوز أو الهزيمة فان رؤيته لأشياء يتمنى البحث أو الخوض بها ينبغي أن تخضع لفقه المثاقفة والمعلومة واستخدام خدع التأويل والافتراض لأصل إلى قناعة أؤمن بها قبل أن يؤمن قارئي فانا بفضل المتغير وضغوط الحصار وستار الحجب الحضاري والثقافي عن أحلامي ركنت إلى عودة الوراء .لأزمنة السوح الروحي أتغذى منها كي لااموت كجرذ على حد تعبير بيتهوفن . وما كان يصل من علم أو أدب مهرب أو مستنسخ كنت التهمه مثلما يلتهم الجائع الإفريقي عرنوص الذرة .
في فوضى المعترك أعلاه أفاجئ صدفة بمثل ياباني يقول (( لا تضرب المرأة ولو بزهرة )) ..
رأسي مضروب بحصى بحجم كرة قدم . والمثل يقول لا تضرب حتى بوردة .
أتمنى أن تقرأوا رد فعلي حين أقفز من مصطبة الكتابة جوعانا بعد عشرة أوراق في كتابة قصة جديدة وأهتف لزوجتي : جعت أريد رغيفا وسمنا ودبسا .؟
فترد : لقد سقط قليلا من النفط على كيس الدقيق ولم يعد صالحا للأكل . أنتظر حتى أذهب إلى بيت أهلي لأستعير منهم كفا من الدقيق واعجنه وحتى يختمر اخبزه . أما الدبس فقد أكله الصغار وناموا . والسمن فطرنا به صباحا . يوجد تمر . هل تريد تمر ؟
أجيبها : هذه ثالث وجبة يكون التمر سيدها وأنا اكتب قصة عن ملك يعزف بقيثارته وأمامه يدور فوق الجمر غزال مشوي .
تضحك زوجتي وتقرب من وجهي الفانوس الذي بسبب إضافة الوقود إليه لانعدام الكهرباء فسد الدقيق . فترى شحوب الحياة قصصا وقصائداً وأملا ببلد فيه شقة وحديقة عامة ودار أوبرا .
تضحك وتبتسم وتهمس : أوبرا ورغيف وشوربة عدس .
ثم تلتحف بعباءتها كمتصوف وتنطلق إلى بيت أهلها لتجلب الدقيق فيما جوعي يتحول إلى ألآت ماكنة مسننة تدور في البطن لتصنع مدافع المورتر تطلق جعير الحاجة والرغبة بحياة أفضل من هذا البؤس (( الحرب والحصار ))...
لا أعرف وقتها لماذا فكرت أن اكتب عن المراة . شعرت مع مغادرة زوجتي . إن المراة تشكل في وجودها زاوية نركن أليها وقت شعورنا بضياع أو هزيمة .
كان الجنود في الحرب يضعون المرأة في هرم التخيل بلحظة نهاية الحرب . ومتى أراد احدهم أن يبتسم ويغادر كآبة تأخر الأجازات فعليه أن يتذكر وجه امرأة ما ..أمه ..حبيبته ..أخته ..طفلته ..أي شئ فيه رائحة أنثى حتى لو كانت فراشة أو حمامة تتيه من صمت قرى الجبال الشاهقة لتمر فوق رؤوسنا مثل سحابة بيضاء .
فهي منذ اللحظة الأولى للهبوط مثلت لقرينها حاجة لاكتمال شيء يفكر به ، فكان إن نسى هيامها الأغوائي الأول وعاد يسألها ثانية : يا حبيبتي ما لذي أفعله الآن ؟
قالت له : نم بأحضاني وأحلم كثيرا .
ويقال : أن آدم ، حلم بالقادم من الحياة كلها .
يقول سقراط : كنت أعاني منها كثيرا ، ولكنها تبقى حاجتي الأولى .
حاجة تدفعنا إلى أن نسعى لكي تكون موجودة دائما . وجود مدفوع بغيب الفسلجة والساكولجي ، دفع هو حاجة علنية وغامضة .
كان رحالة أجنبي قد قاد قدميه ذات مرة إلى قرية استوائية في الأمازون لم ترتد من الحضارة أي شيء ، ولم تر من التغيير أي ومضة .
وقال : حين شاهدوا ما ارتدي تأملوني كأنني أله . عشت معهم .اللافت لنظري : إنهم لا يتحدثون . وكانت لغتهم الإيماءة إلا حين تحضر نساءهم . ينتظر قدوم زوجته لأيؤشر لي ما يريد .لا يهمه إن وافقت أم لا ولكن يهمها أن تكون موجودة .
أربط كشف الرحالة مع أزلية العلاقة ، فأكتشف إن الأب الأول آدم ع لم يكن حزينا بتصرف حواء وكانت الأرض تمثل له مصدر تحرر من نعم الفردوس ومثالية تلك الحياة الهائنة لتقفز أمامي كلمة تروتسكي القائلة : الحياة بعذاباتها .
وحتى مشاعر سقراط تقع في دائرة فهم إيماءة الرجل الأمازوني فأعيد لذاكرتي ما قرأته عن أسطورة الأمزونيات عندما كانت هناك مملكة في الأمازون لا تحكمها سوى النساء فقط .
وهي تعبير عن الرغبة الأخرى لكسر رغبة الأزل المتعايش بين الرجل والمرأة ويقال أنهن كن يأسرن الرجال ويتجامعن معهم لأجل الإنجاب فقط ويقتلونهم بعد ذلك.
وحتى عندما يكون الحمل ذكرا يقتل فيما تبقى الأنثى لتكبر وتدرب وتثقف لتصبح محاربة أمزونية تكره الرجال . وهذه الأسطورة هي ضد من حقيقة كانت موجودة في الجاهلية وهي عملية وأد البنات التي استنكرها القرآن بذكر أن لا تقتلوهن خشية إملاق .
المرأة الإناء ، قارورة العسل ، كأس المنادمة الذي نعود إليه مع كل حزن وهزيمة وسعادة ، صحن الرز الذي نطعم به جوعنا ورغبتنا في الانتصار على الهزيمة التي فينا .
وجهنا المشعل حزمة حطب في برد خياراتنا أن نكون أو لا نكون . الهاجس الأول الذي يغير المشاعر ويلونها بسرعة الضوء ، ويقال إنها ، بدء فكرة أن نكون ونبدأ لحظتنا للسير إلى ما نريد ، ولأني مدرك لطاقتها ، روحيا وجسديا ، أحاول أن أضع خليقة تفكيري بها عند محاورة لكشف الروح والجسد في تبادل الرأي والهاجس بين امرأة يشع جسدها كبلور ، ورجل ملئي جسده بجروح حروب لا تنتهي . هو يحتضر ، وهي أمامها من الحياة الكثير ، لنرى أي تلتقي المشاعر ، وأين تفترق :
الرجل : عدت إليك لحاجة لأراها جيدا ولكني أحسها جيدا .
المرأة : الرغبة لا تأنس إلى حياة ستغيب بعد قليل .
ــ ولكني أشعر اتجاهك بالكثير؟
ــ وأنا اشعر بذات الكثرة باتجاه القادم من الحياة .
ــ جروحي كانت في حرب لأجلك ؟
ــ أعترف بهذا . ولكن ما ذا يفعل جلوسي كل حياتي قرب شاهدة القبر ، أنحب لأجل حرب يصنعها الذكور وتدفع ثمنها النساء .
ــ هذه قدرية ، أوجدها فهم مشترك بين رجل وامرأة ، وإلا لماذا قالوا : وراء كل عظيم امرأة .
ــ قالوا هذا ليصنعوا منها دافنشي ، أديسون ، شكسبير ، وليس ليُصنع منه هتلرا يرتدي وقاحة الجنرال ويترك أحضان النساء دون دفء . ربما تعرف : أن المرأة دون دفء هي مجرد خشبة يابسة ، وموسيقى دون كمان ، وورقة لم تلطخ بالحبر ، والورقة عندما لا تلطخ بحبر ، شرف لها أن تمزق نسيجها بأصابع السطور الفارغة . نحن بلا دفْ ..مجرد سطور فارغة .
ــ أنت . تكسر وتجبر .
ــ أنا خاضع لحظة الحديث معك لهوس تذكر امرأة لن أموت إلا في قبر دمعتها .
ــ أنا ؟
ــ كلا . أمي وقد أعادني إليها خيال بيت شعري من نمط يدعى ( الزهيري )* يقول :
أُبكيكِ يامن على بُعد كَسرت ِالظهرْ
مالي إلى الناس من ناعٍ وما لي ظهرِِِْ
والليلُ وافى ولم تبرح نجوم الظُهرْ
أنزلتني القفر في بحرٍ طمى بالناسْ
ِظلي أنيسي وليْ من وَحشتي إيناسْ
ما كنتُ يوماً بسالي ٍعِشرة أو ناسْ
يا ليت شعري أباق في مجني ظهرْ ؟

ــ هذه عاطفة أمومة مشاعة . هي تخصك لأنك نزلت من رحمها . أنا نزلت من قلبك ؟
ــ نعم أنت نزلت من قلبي أعترف بذلك . لكن أمهاتنا نزلن من كل أعضائنا . نزلت أنا من رحمها ، لتتعلق هي بكل جسدي . غوركي قال بعد أن انجز رواية الأم : أعتقد إنني وصلت بفلسفتي إلى الحد الذي وصلا به مجتمعين ماركس وانجلز . لقد أنجزت لكم عاطفة صادقة ليس بحجم القوقاز والقفقاس وسيبيريا .بل بحجم العالم كله .
ـ هل تريد أن تقول إنك انتصرت ؟
ـ أردت أن أقول . أنك وغيرك من نساء خليقة هذا الكوكب . أنتن ليس سوى تكملة لجملة ضاعت مفردتها بين مجرات حلم الرجل لتأتي المرأة لتقول أنا الضوء .
ـ وتغفرون عن خطيئة التفاحة . والصد . والخيانة الزوجية . والعناد . والرز حين يكون خاليا من الملح .
ـ مثلما تغفرن انتن لخياناتنا .نغفر نحن .
أغمضت عينيها . تمددت . أرخت أعضاء جسدها كله . وقالت : تعال ...................
هذه رؤى ما حدث في واحدة من مداولات الكشف . نولد من أرحام النساء .ولاينحب لأجلنا سوى النساء ، أمهاتنا الخضر كعشب فردوس اكتشفه الشعر في ضوضاء رومانسياته التي لا تحصى . أما الرجال فلهم نحيب لا يسمع ولكنه في جوهره له وقع توسينامي حين لف الأرض ببرقعه الجارف .
نحيب الرجل صمت الصخر الدامع . نحيب المراة بكاء الطيور بحناجر نحيفة . نحيب الشعر انه يقول للمرأة دائما : أنت وجعي .
هكذا يخطر في هذا اللحظة هاجس أن تكون هناك امرأة بحياتك . زوجة ، عشيقة ، صديقة ، رفقة سفر ، تحت أي مسمى فأن شكسبير صرخ ذات مرة ويقال انه أكمل الملك لير للتو : لاتسقط التيجان إلا عندما تغضب النساء ، فيما كان رد دانتي معاكسا إذ قال : لاتسقط التيجان إلا عندما تغضب السماء .
وبين النساء والسماء أتصور شكل المراة وهي تقود العالم إلى حقيقة أن يكون عالما للرؤى والشهوة والعمل والحرب .
هذا مدرك تتفاعل فيه رؤاي وأنا أعود بين فينة وفينة للحديث عن هذا الكائن الوردة .
الكائن الذي لا يعدو كونه عبارة عن كومة من الحس تتشظى في أوردة الزمن كريات ملونة تبعث بريقها في طرقات الذكور ليبحثوا عن زاوية واحدة تركن إليها تنبؤاتهم وأقدارهم والنهاية المفترضة لحياتنا ونحن نحث خطى الحديث عن كائن تميز انه برقة الفراشة ولكنه اكبر منها حجما بآلاف المرات ..
من حواء . الأم الأصل ..إلى كاترين زيتا جونز ..
من حواء الأصل إلى أنديرا غاندي ورابعة العدوية ومدام كوري ونوال السعداوي وسيمون دي بوفار وغادة السمان ومارغريت تاتشر ...إلى طفلتي مريم وهي تحبو يبطئ إلى عامها الثالث .
يخضع التكوين إلى فطنة أن نكون قوامون على تلك الكائنات المضيئة كيراعات الليل في ظلمة حياتنا وهي تبحث عن الرغيف والمصير .
هذا التكوين العابر إلى سواحل الظل النور ..يرتقي بنا إلى فكرة أن نكون قادرين على فهم هذا الهاجس والتعامل معه بقدر ما يحتاج هو لا بقدر ما نحتاج نحن وإلا سينهار سور الصين العظيم ونعود إلى قول التاو في كتابه الحكيم:
لا تخضع لإغواء غضب المراة فأن حياتك ستدمر بلحظة ، تعامل مع بفن ، فمن السهل جدا وأنت تملك معرفة بسيطة أن تجعل من التراب ذهباً ...


* البيت الشعري هو للشاعر العراقي عبد الكريم كاصد من ديوانه زهيريات