فتيات الليل



بنواحي هناء
2016 / 4 / 24

هناك في تلك الزواية الموحشة فتيات في مقتبل أعمارهن ، جرفهن الطمع إلى حافة الهاوية، أصبحن يسوقن أجسادهن لمن يريد أن يشتري، يتاجرن في أعراضهن بأثمان مختلفة ومتضاربة بين مد وجزر ، يختلف ثمن الجسد حسب الجمال ، الأنوثة ، القوام ، السن ، الطبقات الإجتماعية ، فلكل طبقة إختياراتها وأذواقها

وكلما صعدنا سلالم الطبقات الاجتماعية،إلا وكان الثمن جد مغري ، إلى درجة لا يقدرن أن يقاومن
هن تسلكن تلك الطريق لأن بنسبة لهن سهلة جدا وسوف تدر عليهن أمولا طائلة ، فيفقدن عقولهن أمام سلطة المال، وتدخلن عالم الضياع والألم ، هن يرقصن على أنغام موسيقى صاخبة في ملهى ليلي ، أو في أحد أوكار الدعارة ، حيث الكل يصفق على تلك الرقصات ، لكن هن يرقصن على إيقاعات الشقاء المعاناة على ضياع أحلامهن الوردية ،على الدافع الحقيقي وراء الأطماع .

يرتمون بين أحضان الدموع والخمور، والسجائر التي تعانق شفاههم التي تشبه سواد الليل في فصل الشتاء والتي تشهد على إدمانهم المفرط لسجائر ، والشيشا و والحشيش، يتعاطين هاته المواد المخدرة، لإسكات صرخات "الأنا الأعلى" القاتلة ، التي تنخر أرواحهم وعقولهم يريدون تنويم" الأنا" لينعمن بالهدوء ويعانقن "الهو" ولو لساعات معدودة .

الدموع ، الإنكسارات ، الإدمان تراقصهم رويدا ً رويداً ، كأنها تأبى أن تتركهم وحيدات في ليالهم الحالكة ، فتنتهي الرقصات الأفعونية ، التي تلقي بهم بين أغلال السرير، وبين أحضان رجال مجهولين ،
قبلات ساخنة جدا في كل أنحاء أجسادهن ، وعناقات وممارسة الحب حتى النهاية ،تلك الأجساد المتمايلة على إيقاعات كاذبة ،عادت تتبرأ منهن ومما يفعلن، تعبت أجسادهن من لمسات خائنة ، من كلام معسول ، من جسد من دون إحساس من غير روح ، من الإرتماء كل يوم بين أحضان المجهول والغربة ، يكون الرابط بينهم هو الجنس والمال .

هن ينجرفن وراء صيحات الموضة، وراء الأسفار ، وراء الإكسسوارات والعيش في رفاهية مطلقة، يتناسين أن تلك الطريق ملغومة بالكامل ، حيث يمارسن البغاء ويتاجرن في المخدرات ، من دون إدراك الأخطار التي قد يواجهونها من كل الجوانب، يلقون بأنفسهن إلى التهلكة ، ليسقطن بعضهن بين أيدي الشرطة ويتم إعتقالهن، تهمتهم تكون البغاء ، والإتجار في المخدرات ، وحيازة أسلحة بيضاء، فتوضع الأصفاد الحديدية في أيادهن ، وتنقلن إلى مركز الشرطة ليتم إستواجبهم وهاهي الضابطة القضائية تحرر محضراً ، وتحيلهم على النيابة العامة ليبث القاضي في قضيتهم ، وذلك إستنادا ً للمحضر الذي حررته الضابطة القضائية، وبالإستماع إلى شهادة كل واحدة منهن، ليتمكن القاضي من إصدار حكم مناسب مع مراعاة ظروف التخفيف والتشديد ، وبعد كل هاته المساطر تتم إدانتهن بالتهم المنسوبة إليهم وبالحكم عليهن من "سنتين إلى ثلاثة سنوات" وتأدية غرامة مالية.

تاجرن في كل شيء حتى في حريتهن التي لم يعتقدن ولو لوهلة ، أنه سيأتي يوما ويفقدونها

وهاهي أبواب السجون تفتح في وجوههن المتجهمة ، وترحب بهن ، بين قضبانها الباردة وجدرانها المتصدعة ، التي تصدعت بسبب الشكوى بسبب الألم والندم والحسرة بسبب شابات ضيعن أحلامهن وراء القضبان ، حطمن نفوسهن ونفوس أمهاتهن وأبائهن وإخوانهن، وحتى أطفالهن ، ليبدأن مشواراً جديداً لم يعتدن عليه ، ففي السجن تعلمن معنى النظام والإلتزام حيث تم إخضاعهن للعلاج من الإدمان وذلك تحت إشراف أطباء مختصين في الإدمان، ليتم الإنتقال بهن إلى الخطوة الثانية وهي السهر على تلقينهم دروسا في محو الأمية للقضاء على الجهل تحت إشراف أساتذة، وتعليمهم حرف عديدة مثل الخياطة والتطريز ، وفن الديكور والرسم على الزجاج ، إلخ إلخ ...... ليتم منحهم شهادة أو دبلوم، ليتمكنوا من الحصول على عمل شريف خارج أسوار السجن ، عندما تنقضي عقوبتهن.

لأن المؤسسة السجنية تهدف إلى تصحيح السلوك المعوج لكي لا يعود المجرم ثانية إليه ، بنسبة لمن إتعظ واعتبر ولمن لا يريد قضاء أيامه بين جدارن السجون ، ولمن يعرف طعم الحرية التي لا تقدر بثمن ، ولمن لا يريد أن يرى دمعة تسقط من عيني محبيه ، ولمن يرغب في أن يكون حاضراً معهم في السراء والضراء ، فكروا في عواقب الأمور قبل أن تطرقوا أبواب جهنم ، وعلموا ان المال نحن من نصنعه ، وليس هو من يصنعنا ، تعلموا القناعة والرضا بما عندكم فوالله تلك الطريق لا تسعد صاحبها أبدا حتى ولو ملكنا العالم كله، لأن من يبيع نفسه من أجل المال لا يعيش هنيا بالعكس يفتقد للإحساس بالأمان ، ويعرف أنه سيأتي يوما ويقع لا محالة ، ويقع معه كل شيء لأن من بني على باطل فهو باطل