حكاية الفحل،والقارورة



نادية خلوف
2016 / 5 / 3

لا تشبه قصّة الجميلة والوحش قصة الذّكر والقارورة، الجميلة أحبّت الوحش لأنّ داخله إنسان ، أما موضوع القوارير فهو موضوع يصعب فهمه كما موضوع الحرائر.
أطلقت الثّورات-خطأ – على النّساء الذين ثاروا ضدّ الأنظمة الدكتاتوريّة اسم الحرائر، وهو تقزيم لمعنى الحرّية تقصّده بعض رجال الدّين كي يحصروا مفهوم الحريّة في حفاظ المرأة على عورتها.
هؤلاء النّساء الأحرار كنّ فريسة للسلّطة، وأمراء المليشيات الدينيّة ، أو غير الدينيّة ، وتمّ اغتصاب الكثير منهنّ ، ولم يحرّك مفتي السّلطان ساكناً.
هناك خطأ يحكم عقل المرأة سببه التوارث للموقف الذكوري ضمن المجتمع، وأهم قضيّة تتسبب في خضوع المرأة لهذا الموقف هو عدم وجود فرصة عمل ، والبحث عن الزّواج لحلّ الحاجة الجنسيّة، والحاجة إلى الأمومة، وأغلب الشّباب يدركون ذلك .
تحدّث لي أحد العاملين معي من مصر عندما عاد من إجازته. رأيت أنّ وزنه قد زاد خلال شهر . قال لي كانت إجازة رائعة. خطبت ثلاث فتيات من ثلاث مناطق في القاهرة ، ودون أن تعلم إحداهنّ بالأخرى . ثلاثتهن جامعيات، قضيت وقتاً رائعاً وعدت إلى عملي. كنت مدلّلاً على أهل العرائس، يعتقدون أنّني جادّ، قبل أن أعود اختلقت قصصاً ، وتركت الثّلاثة.
أمّا ذلك السّوري الذي كان يواظب على القيام بالأعمال الثورية فقد تزوّج اثنتين . إحداهما تقيم معه، والأخرى في المنزل المجاور. الزوجة الأولى لا تعلم من أمره شيئاً، وصورهما وهما يرفعان الأعلام معاً تبدو رائعة، أما الثانية فتعرف الموضوع، ووافقت أن تبقى في المرتبة الثانية، وأن يكون زواجها سريّاً.
أمّا اللاجئون إلى أوروبا من الذين عرفتهم، فقد كان مبدعاً ، وتمكن من تعديد العلاقات التي استمرّت حتى بعد إنجاز معاملة لمّ الشّمل.
عندما كنت أعمل في الإمارات في مكتب محاماة كانت النّساء تأتي إلى المكتب وأغلبهن سوريات . لديهن مشاكل كبيرة. بعضهن ارتضى زواج المتعة مقابل السكن والطعام والشّراب ، ولقاء في وقت غداء العمل أحياناً فقط.
لم تدخل المرأة في ثورات الرّبيع العربي إلا بشكلّ تجميلي رغم أن البعض منهنّ كنّ ثائرات حقيقيات، نحن ننحني أمام تضحيات النساء والرّجال الذين يدافعون عن حق الإنسان في العيش الكريم، لكنّ هذا الدّفاع يجب أن يكون منظّما، وبخاصة بعد التّجارب التي حصدت أرواح أكثر من مليون سوري مدني على سبيل المثال.
أصوات الفقراء لا تصل إلى العالم إلا من خلال حراك منظّم مرتبط بحركة عالميّة تدعمه. أما تلك الكرنفالات التي تقام تضامناً مع الشهداء المدنيين فلا تقدّم ولا تؤخر، لآنّها تقوم باسم فرق، وأديان وقوميات مع شعارات تبدو جميلة.
هناك مجتمع نسائي عربي مخملي يطالب بحقوق النّساء من خلال إظهار تفوّقه المصاب بمتلازمة " الذّكورة" حيث تبدو المرأة أكثر أناقة من أية رئيسة وزراء غربية، يتحدّثن وكأنّهن سفيرات فوق العادة عن الجنس اللطيف ، وهن من يحميّن النّساء. هؤلاء لا يختلفن عمّن يمثّل الله على الأرض من الفئات الدينيّة المتشدّدة، لكن بثوب ناعم، وتسريحة حديثة، وأحذية غالية الثّمن، علاقة بعضهن من رجال الاستبداد في الوطن العربي تتجاوز النّضال إلى الليالي الحمراء، وهنّ يتطوّرن في مناصبهنّ ، ويظهر بعضهن على الفضائيات كمدافع عن الثّورات، ويتزاحم الرّجال على التّقرب منهنّ، وقد يطلّق الرّجل زوجته من أجل إحداهنّ . فالرّجل في أغلب الأحيان لا ينظر إلى موضوع القيم، والوفاء والإخلاص إلا من خلال الجيب، يعتقد أن شبابه يتجدّد بالمال ويدّمر عائلته تحت أسباب واهيه، والمجتمع هو العون الرئيسي له. حيث يصور له أنّ فعلته هي عين العقل.
لا نستطيع أن نضع حلولاً لوعي المرأة ، أو الرّجل، فمع هذا الفقر، والعطالة عن العمل كلاهما يبحث عن لقمة العيش ربما، لكن يمكننا العمل على تنظيم بعض القوى النّسائية ، والرّجالية ضمن مسيرة الكفاح من أجل كرامة الإنسان رجلاً كان أم امرأة، وهذه الطّاقات موجودة في سوريّة على سبيل المثال، ورغم أنّ هؤلاء ناقمون على الظّلم ،لكنّهم اختبروا الأحزاب والأشخاص الذين يقفون على السّطح، ولا يثقون بهم. لذا لا يشاركونهم نضالهم .
يمكننا القول بأنّ الثورة هي ثورة على الفقر، والظلم، ومن أجل حياة أفضل، وهذا يستدعي التّغيير في بنية التنظيمات السّياسية، والاجتماعية التي تحتكر النّضال، والتي اغتنت مادياً من وراءه.
الشّعارات الجميلة لا قيمة لها إن لم تكن الطّاقات منظّمة، ومتعدّدة واضحة الأهداف، ولا شكّ أن ذلك يحتاج إلى جهد كي تسمى الحرائر بالأحرار، وكي تتساوى الحاجات بما فيها الحاجة إلى الجنس، ويتحوّل الذّكر الفحل إلى إنسان رجل، والقارورة إلى أنثى لها حاجاتها الإنسانية، وهي حرّة بجسدها، عواطفها، مالها ، وطريقة عيشها.