ختان الإناث: رؤية سوسيولوجية موجزة



حسني إبراهيم عبد العظيم
2016 / 5 / 10

ختان الإناث: رؤية سوسيولوجية موجزة (*)


يعد ختان الإناث Female circumcision أو ما يسمى بتر أو تشويه الأعضاء التناسلية للإناث female genital cutting / mutilation (FGC)´-or-(FGM) تقليدا ثقافيا قديما، يمارَس في العديد من الدول الإفريقية والأسيوية، وبعض دول الشرق الأوسط، وقد أصبح ذلك التقليد معروفا في معظم دول العالم خلال العقدين الأخيرين، نتيجة الهجرة والحراك المتزايد في أنحاء العالم. (Tiilikainen and Johansson 2008:2)

وثمة مصطلحـات عديدة تستخدم للإشــارة إلى تلك العملية، حيث ظل مصطلح ختان الإناث Female circumcision هو المصطلح الأكثر حضوراً وتفضيلاً بين الباحثين، وفي المنظمات الدولية لعقود طويلة، غير أنه منذ أواخر العام 1971 تم استبداله بمصطلح تشويه الأعضاء التناسلية female genital mutilation (FGM) وأصبح ذلك المفهوم هو المصطلح المفضل لدى منظمة الصحة العالمية، وتم تبني المفهوم من قبل منظمة الأمم المتحدة في عام 1991، باعتباره يشير إلى انتهاك الحقوق الإنسانية للمرأة والفتاة على حد سواء. (Braddy and Files 2007:158)

والحقيقة أننا في هذا السياق نفضل اسـتخدام مصطلحي ختـان الإناث female circumcision وقطع الأعضاء التناسلية female genital cutting عن مصطلح تشويه الأعضاء التناسلية female genital mutilation ذلك أن المصطلح الأخير يشـتمل ضمناً على حكم قيمي يحقر تلك الممارسة التي تحتوي على قيم رمزية في المجتمعات التي تجريها، وهذا يتناقـض في ظننا مع الروح العلمية التي ينبغي أن تتسم بالموضوعية وعدم التحيز ، ويعتقد الباحث أن مصطلحي ختان الإناث، وقطع الأعضاء التناسلية مصطلحان محايدان لا يتضمنان أية أحكام قيمية.

تعرف منظمة الصـحة العالميـة عملية ختان الإناث - أو تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى كما تسميها- بأنها كل الإجراءات التي تتضمن الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى، أو إلحاق الأذى بتلك الأعضاء لأسباب غير طبية. (WHO, 2008:4)

والحق أن عملية ختان الإناث ليست شكلاً واحداً في كل المجتمعات، بل إن لها عدة أشكال متنوعة، وقد حصرت منظمة الصحة العالمية أربعة أشكال رئيسية لتلك العملية، الأول هو الإزالة الجزئية أو الكلية للبظر، والثاني الإزالة الجزئية أو الكلية للبظر و الشفرين الصغيرين دون الشفرين الكبيرين، أما الشكل الثالث فيتضمن تضييق فتحة المهبل بالخياطة مع إزالة البظر أو عدم إزالته (ويعرف بالختان الفرعوني (Infibulation / Pharaonic ويتضمن الشكل الرابع كل الإجراءات الأخرى الضارة بالأجهزة التناسلية للمرأة التي تتم لأغراض غير طبية، مثل الوخز والشق والكشط والكي. (WHO, 2008:4)

ينتشر الشكلان الأول والثاني من الختان في مصر وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، وكينيا وتنزانيا، وبين المجموعات الإسلامية في الفلبين وإندونيسيا وباكستان وماليزيا، أما الشكل الثالث (المعروف خطأً بالفرعوني) فينتشر بصورة واسعة في الصومال وجيبوتي والسودان وبعض مناطق جمهورية مالي، وشمال نيجيريا، وبعض أجزاء من إثيوبيا، ولا يمارس الختان مطلقا في مهد الإسلام: المملكة العربية السعودية. (Kontoyannis and Katsetos 2010:32)

وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية أن عددا يتراوح بين 100 إلى 140مليون فتاة وامرأة في مختلف أرجاء العالم قد تعرضن لواحد من الأشكال الثلاثة الأولى للختان، وارتكزت تلك التقديرات على المسوح والبيانات التي تم جمعها في أوقات متباينة، وتحتل قارة إفريقيا الصدارة في هذا الصدد، إذ تشير التقديرات إلى أن حوالي 91.5 مليون إمرأة وفتاة في إفريقيا ممن تتجاوز أعمارهن تسع سنوات قد تعرضن لتلك العملية، كما أن هناك ما يقارب ثلاثة ملايين فتاة معرضة لإجراء تلك العملية سنويا. (WHO, 2008:4)

ولا ينتشر الختان في المجتمعات العربية في الشمال الإفريقي باسـتثناء المجتمع المصـري، ويمَـارِس الختان المسلمون والمسيحيون، وبعض الديانات الوثنية، وبعض الطوائف اليهودية، على الرغم من عدم وجود إلزام ديني محدد بشأنها لديهم. (Althaus 1997:131)

والحقيقة أنه على الرغم من صعوبة تتبع الجذور التاريخية لختان الإناث، إلا أن ثمة اعتقاداً قوياً بين الباحثين أنه قد وُجِـد منذ ما يزيد عن خمسة آلاف عام، ومع أن ختان الإناث أكثر انتشارا في المجتمعات الإسلامية، إلا أن جـذوره لا عـلاقة لها بالإسلام نفسه، حيث لم يرد له ذكر في القرآن على وجه الإطلاق، والحاصل أن هناك بنية قيمية راسخة في المجتمعات التي تمارسه تعمل على استمراره رغم الحملات الكثيرة لوقف الظاهرة وتجريمها. (Kontoyannis and Katsetos 2010:32)

ويرى بعض المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا أن تلك الممارسة وُجدت في عدة حضارات عبر التاريخ، وأنها لا ترتبط بثقافة بعينها أو دين بذاته، فلقد وجدت في المجتمعات التقليدية القديمة القائمة على بنية اجتماعية ذكورية، وبالتالي فقد كانت سابقة على ظهور الإسلام والمسيحية معاً، ويظن كثير من العلماء أن شرق إفريقيا هي مهد تلك الممارسة. (Wilson, A. 2012:4)

حيث يرجـح بعض الباحثين أن جـذور عمليـة ختـان الإناث تعود إلى بعض القبائل التي كانت مستقرة على الساحل الغربي للبحـر الأحمـر، والجنوب الشـرقي لقـارة إفريقيا، حيث كانت تُجري تلك العملية لتقليل الرغبة الجنسية لدى النساء، وحمايتهن من الانحراف خاصة في حالة غياب الرجال فترات طويلة في الحـروب، وثمة علاقة بين العبودية وانتشار تلك العملية، حيث جلب المصريون في حروبهم في الشرق الإفريقي أعدادا كبيرة من الأسرى الأفـارقة، وكانوا يستبقون بعضهم في مصر، ويبيعون البعض الآخر عبر البحر الأحمر إلى جنوب الجزيرة العربية، وقد ساهم هؤلاء العبيد في نقل الختان إلى تلك المناطق قبل ظهور الإسلام بفترات طويلة. (Mackie 1996:1003)

ومن خلال ماسبق ينبغي التأكيد على ملاحظتين جوهريتين: الأولى أن عملية ختان الإناث ليست ظاهرة فـرعونية كما يزعم الكثيرون، فعلى الرغم من أن البرديات الطبية التي تم العثور عليها تضمنت الكثير من التفاصيل الدقيقة عن الجسـد الأنثوي، إلا أنها خلت تماما من الحديث عن ختان الإناث. ويؤكد العديد من الباحثين – كما بيّنا منذ قليل - أن ظاهرة الخفاض نشأت في بعض المجتمعات الإفريقية البدائية، وارتبطت ببعض معتقداتهم الشعبية والدينية. الملاحظة الثانية أن تلك العملية لا علاقة له بالإسلام، فالقرآن الكريم لم يشر إليها مطلقا، كما أن الأحاديث النبوية التي جرى الناس على تكرارها لاترقى لمستوى اليقين، فهي في مجملها أحاديث ضعيفة الإسناد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هذا المقال مقتبس بشكل أساسي من المرجع التالي:
حسني إبراهيم عبد العظيم، الأبعاد الاجتماعية والرمزية للممارسات الجسدية: تحليل سوسيولوجي لظاهرة ختان الإناث، بحث منشور في مجلة نقد وتنوير، العدد الثالث، شتاء 2015، والبحث متاح في الرابط التالي
http://tanwair.com/?p=3670