قول في حقوق المرأة .



حامد حمودي عباس
2016 / 5 / 18


كثير من القضايا المجتمعية في بلادنا ، جرى ويجري تناولها ، وبشكل يعتمد على البحوث الجامدة ، والمرتكزة على فكرة واحدة فقط ، تمتثل الى نصوص لم يتم تطويرها ، أو اخضاعها الى تجارب حداثوية في طريقة البناء ، باعتبار ان جميع المذاهب السياسية في العالم ، قد حصل لها مخاض من نوع آخر ، غير ما ولدت عليه في باكورة وجودها .
ومن هذه القضايا هي ما يتعلق بحقوق المرأة .
فقد بدا وبشكل واضح ، ان الجري وراء مبدأ الانتصار للمرأة وبشكل عفوي ، دون التوقف بين الحين والاخر ، امام حقائق تفيد ، بان الكثير من المفاصل التي يتم عندها الاضرار بهذه القضية ، هي المرأة ذاتها ، اما بوعي منها او بدونه .. فالمذهب الذي يقول ، بان المرأة هي ، دائماً وبدون أي استثناء ، ضحية للرجل ، وللقوانين الرسمية العامة ، وحتى لما تقره الاعراف المدنية المحضة ، هو التجني بعينه على حيثيات البحث عن سبل انقاذ النساء من براثن العبودية السيئة .
قد يكون من غير المفيد ، وغير المقبول ، لدى البعض ممن ينتهجون مبدأ الدفاع عن حقوق المرأة ، من حملة الفكر الداعي للحكم المدني المستند على أسس النظام العلماني المتطور ، قد لا يروق لهم الاستناد الى مظاهر بعينها ، توصل الباحث الى حقائق تقول ، بان المرأة في بلادنا تتحمل جزءاً لا يستهان بحجمه من المسؤولية في هضم حقوقها والتسلط على صفحات حياتها من قبل الرجال .. وبالتأكيد ، فان الحماسة العفوية والمتأصلة في نفوس هؤلاء من حسني النوايا ، هي المبعث الحقيقي لهذا الشعور ، وخاصة في نفوس الشباب .
المرأة العراقية ، وهي النموذج الذي سأقف عنده كونه اكثر قرباً مني ، تعرضت خلال فترات عمرها ، الى منغصات لا اعرف مثلاً آخر عاشته سواها من النساء في أي بلد آخر .. فهي الفلاحة والعاملة والمربية والمسؤولة عن تحمل نزوات ابنائها وبناتها ، وهي من صارت ضحية لحروب مدمرة بدأت ولم تنتهي ، حروب حملت معها شتى انواع القهر والعوز والضياع ، كانت كارثية التأثير على حياتها وحياة ابنائها ، وهي التي تتحمل تبعة بقائها في البيت ، لا يحق لها ان تتعرض للهواء الطلق مخافة ان تفقد طعمها كامرأة ، فيطالها عفن انتهاء الصلاحية كبقية الاطعمة .. المرأة في بلادنا لا يحق لها في أن تشتهي حتى مضاجعة زوجها والتعبير عن ذلك أمامه علناً وفي جميع الظروف .. انها مشروع للخضوع التام للرجل ، وما يميز المتعلمات عن غيرهن في هذا المضمار ، هو سياج غير متين البنيان ، سرعان ما ينهد عند اول عاصفة عابرة قد تمر ، فتكون النتائج في نهاياتها ، اما الصبر على الهوان حتى الموت ، أو الخيانة الاجبارية ، او الانفصال وهو علاج الكي الموصى به من قبل الحكماء ليشفى الجرح الملتهب.
المرأة العراقية كانت ولا تزال ، خزاناً رخيص الثمن ، يصب فيه الرجل مياه شبقه عند الحاجة ، لا يرضى لها ان تزحف الى حافته على أمل الخلاص .. وهو ، مهما كانت نوعية بدلته وشكل ربطة عنقه ، أو أسمال ثيابه ، فانه الراعي والمدبر والحكيم والعارف بخفايا الامور .. انه الرب بعد الاله الواحد .. بل انه قد يطغى حتى على ربه حين تثور فيه ثائرة الربوبية فيتخذ لنفسه مسالك تأنف عن سلوكها وحوش الغاب ، فيدمر ويحرق ، ويقضي باحكام السجن والنفي وهجرة فراش الزوجية على هواه ، وكما يشاء ، وفي الوقت الذي يشاء .. كل ذلك حقائق لا مجال لانكارها ابداً .. بل ان هناك صور اخرى لا تشيع في النفس غير الهلع عندما يقوم رجل بارغام زوجته مثلاً ، على مضاجعته وهو عائد من عمله ، تفوح منه روائح العرق ، غير مكترث لرجائها بان يؤجل ذلك حتى يغتسل .. او تلك التي تطلب من زوجها ان يؤجل تفريغ شهوته حتى يفيق من مرض الانفلونزا لكي تكون العملية اكثر قبولاً عند الطرفين ، فتقع واقعة قد لا تنتهي بسلام .. انها اسباب واهية بنظر الكثيرين حتى في صفوف اولئك المحسوبين على صنف المتعلمين ، وعلى المرأة بنظرهم ان لا تعقد الامور على الرجل ، ولابد منها ان تتجاوز هكذا ( ترهات ) لكي تنعم بحياة هادئة لا تعكرها المشاكل .
امام الاقرار بجميع تلك الحقائق ، يوجد هناك كم كبير من الامثلة التي تفيد بان المرأة ذاتها ، وضمن شريحة واسعة لا يستهان بها ، تبدو في مواقفها ، جندية طائعة ، تنفذ أوامر اعداء قضيتها ، وتقاتل بشراسة للدفاع عنهم .. انها ، ومع كونها تحمل شهادة الدكتوراه في العلوم ، لا تريد ان تصدق بان المرأة من جنسها ، هي كيان تتعرض كرامته للهدر في كل لحظة بفعل القوانين غير الرحيمه ، وبتأثير اعراف بالية يقرها ويحاول اشاعتها من لا يروق لهم تحرر المرأة ، فيفقدون امتيازاتهم في جعلها جهازاً لاطفاء الشهوة والتفريخ غير المقنن ، وروبوت مطيع يستجيب للاوامر فحسب .
*- فتاة متعلمة ، تنحدر من عائلة سليمة المنشأ الاجتماعي ، والدها مدرس مستقيم السلوك ، كانت تتردد بالمرور على نقطة للتفتيش يتجمع عندها مجموعة من الجنود وهي في طريقها لممارسة عملها الوظيفي .. لا حت لها نظرات تحمل رسالات الاعجاب من احدهم ، فاستجابت لها لتكون وبمرور الايام ، الشرارة الاولى لحب تطورت ملامحه لتظهر بصور شتى ، عبرت حدود الحرج لتبلغ الرغبة المعلنة بالزواج .. والدة الشاب ، كانت تعرف بسلوك ابنها المنحرف ، فتطوعت للذهاب الى اهل الفتاة ، عارضة عليهم بكونه مدمن في شرب الخمور ، وشرس في تعامله مع الغير ، عدوانيته تظهر واضحة بالتعامل مع اخواته وبقية اخوانه .. وبكونها في النهاية ، غير مسؤولة عن تصرفاته مع ابنتهم في المستقبل .
لم يجدي هذا العرض نفعاً في الفتاة ، ورضخت لتداعيات العشق قبل ان تحسب اي حساب آخر .. اصبحت اماً لعدد من الاطفال .. ذاقت أمر صنوف العذاب وصلت الى حد ان يأمرها ذلك الشرير بان تقف على قدم واحده لساعات حتى يقرر هو اطلاق سراحها وبرغبته فقط .. يطيب له احياناً ان يخنقها بقطعة قماش وهو تحت تاثير المخدر ، فيفزع لها افراد عائلته لانقاذها من موت محقق .. كل هذا دون ان ترضخ لدعوات الاخرين بتركه .. حتى حدث المستحيل ، فهاجر معها الى النمسا ضمن موجة الهجرة الاخيرة ليستقر معها هناك .. بعد مرور عدة اشهر ، بدأ المهووس ثانية بالاعتداء عليها وبشكل سافر .. بعد حين ، قرر وبارادته ترك النمسا ليعود الى حيث جحره في بلده .. وبذلك فقد سنحت الفرصة لتلك المرأة الضحية بان توكل امرها وابنائها الى منظمات المجتمع المدني هناك ، لتتخلص من ظلم ذلك الغول المفترس والى الابد وتحت حماية القانون .. غير ان الخبر الذي دعاني للشعور بالفزع حقاً ، هو انها سترافقه طائعة ذليلة الى حيث كانت ، لتعيش وهي مكبلة بأغلال عبوديتها من جديد .
انني وبدون الاستمرار بعرض عينات اخرى من هذا النوع ، ارى بان هذه الفتاة ، هي نموذجاً للمئات من الدعاوى المقامة في اقبية المحاكم الشرعية ، حيث تسرد اوراق تلك الدعاوى صنوفاً مريعة مما يجعل النساء طائعات في ايقاع انفسهن ضحايا لبراثن الذل والهوان ، وبفعل ما حقن الفكر الديني داخل وعيهن من مفاهيم لا تسمح لهن بتجاوز حدود بعينها من الخضوع والانسياق وراء معالم الشعور بالدونية .
ماذا يراد من المرأة ان تكون ، كي تصبح ذا شأن يستطيع اثبات وجوده ككيان انساني محترم ، اكثر من ان تنال شهادة الدكتوراه في علم من العلوم ، أو مدرسة مكلفة ومؤتمنة على تربية جيل ، أو تلك التي تحمل حقيبة وزير اضافة الى كونها طبيبة ، ماذا يراد منها ان تكون اكثر من ذلك لتأنف من سلوك دروب محفوفة بصيغ الجهل والتخلف ، حين تقف وفي جميع المحافل الوطنية والدولية لتحارب ضد تحرر بنات جنسها ، وتصرخ من على كرسيها في البرلمان ، وتدعو وبحماس الى اشاعة زواج القاصرات حفاظاً على ماء وجه الامة ، وابعادها عن اشاعة الرذيله ؟ .
عشرات بل مئات النساء البالغات من الدرجات العلمية مبلغاً يؤهلهن لركوب متن التقدم ، وخلق مجتمع نسائي يتقن كيفية بناء حياة كريمة للمرأة ، المئات من هؤلاء النسوة يتقدمن ركب مسيرة التخلف والدعوة لسن قوانين لا تمت للمدنية بشيء عدا عن كونها قوانين مذلة لحياة النساء .
ومن المؤسف جداً .. هو ان الحركة النسوية التقدمية نفسها أضحت هي الاخرى تنقل اقدامها في الميدان وعلى غير هدى ، مستعينة بمشاعر الحماس فقط ، والمتمثل باقامة التظاهرات المتواضعة لاقامة الاحتفاليات بمناسبة عيد المرأة مثلاً . دون القيام بوضع برامج متطورة وصبورة ، لخلق وعي نسوي يعين المرأة على فهم وضعها الاجتماعي والاقتصادي والاسري الغاية في التردي .. إذ لا معنى بان يبرز هنا وهناك أي نشاط تؤديه نخبة من النساء ، بهدف عقد المؤتمرات أو اقامة الاحتفاليات الموسمية ، او حتى ابراز عنصر الاحتجاج ( الفوقي ) على ظلم النساء ، كل ذلك والملايين من نسائنا يقعن تحت خط الفقر ، ولا تعي احداهن من امرها ابعد من ان تكون فراشاً للرجال ، ليس عليهن ما عليهم ، ولا يفقهن ماذا تعني القوانين المنظمة لشؤون الاسرة .
ان أي برنامج يتعلق بانقاذ المرأة في بلادنا من براثن الظلم والعبودية والتخلف ، يجب ان تتقدمه جملة من القرارات المشفوعة بالعمل الجاد والصبور ، ضمن برنامج واسع ومستند على دراسات محلية وعالمية تفضي في النهاية الى فهم يبلغ عمق المشكلة ، ويكون أساسه السعي لإشاعة الوعي بين اكبر عدد ممكن من النساء ، ومحاولة تقليص المساحات التي قامت قوى الرجعية عموماً باستثمارها في عقولهن .. ( لا أدري بالضبط ، ماهية الموانع الكبيرة امام تأسيس قناة تلفزيونية عراقية محلية ، ذات مرجعية مدنية تقدمية ، تختص بشؤون المرأة ) .. فالمرأة التي لا تدرك بان تعدد الزوجات هو قتل لانسانيتها في النهاية ، ومن لا تدرك بان الزواج المؤقت بجميع صنوفه هو إذلال متعمد لكرامتها .. المرأة التي لا تقف مكافحة وبحزم لاسقاط التجارب التشريعية الداعية لخلق مجتمع ذكوري تفيض منه روائح قتل ورجم النساء بدعاوى غسل العار، وعدم السماح بمشاركتهن في رسم الحياة العامة للمجتمع .. تلك المرأة هي بالذات عدوة لقضيتها ، وهي بالتالي يجب ان تكون المستهدفة بتخليصها من هذه المهمة الضارة ، وتجنيدها للانضمام الى رهط المكافحات من أجل نيلها لحقوقها المشروعة .