هل نضال المرأة يبقى ضد الذكورية أم سينتقل ضد تكنولوجيا الاستنساخ؟



العربي فرحاتي‎
2016 / 5 / 19


لا أحب أن أدخل ـ في هذا الحديث المناسباتي ـ في جدل فتاوى تحريم الاحتفال بهذاالمسمى العيد (اليوم العالمي للمرأة) من جوازه في منظومتنا الفقهية وهو جدل يتكرر مناسباتيًّا عند حلول موعده. فذاك أعتبره بداية جدال هامشي أو هو من اللمم (صغائر الأمور) قياسًا على ما نعانيه كجندر من مصائب هي من عند أنفسنا، ثم هو شأن فقهاء الحديث والتشريع لا أخوض فيه. ولا أطرح جدل معاني مقولات المرأة ناقصة عقل ودين. والتخفي وراء "واضربوهن" هي أحاديث - إن صحت - كريمة، وآية بينة عظيمة، تجتز من سياقاتها وروحها في مواقف جدالية عقيمة، إما دفاعًا عنها بمعناها الظاهري جهلاً، أو نقضًا لها ورميها بالنقص بالجهل، فيقع الشطط المبين من الكل في الفكر والسلوك. ولا أتطرق إلى مسائل سخيفة ثقافية من مثل "الشيطان امرأة" ولا مقولات المرأة خلقت من ضلع أعوج.. فالمرأة أمي وأختي وابنتي وزوجتي وزميلتي.. ومنها قبل ذلك نبي الله (مريم البتول) على رأي بعض فقهاء التفسير، وولد منها النبي عيسى بدون ذكورية.. ولا أحب أن أدخل في النقاش الفلسفي الأفلاطوني الذي ينفي عن المرأة أخلاقها، ولا في جدل نفي الطبيعة الأنثوية على حواء الأصيلة، كما هو الحال في مقولة "لا تولد المرأة امرأة بقدر ما تصير كذلك". المنسوبة إلى الباحثة "سيمون دي بوفوار" أو للأنثروبولوجية "مارجريت ميد" في روايات أخرى، مما يفيد بحسبها أنّ تقسيم الأدوار الوظيفية، بين الذكر والأنثى هي من بدع السوسيولوجيا والنظام الاجتماعي الذكوري المجحف، ولا أساس له في الطبيعة البشرية، وبالتالي فالأمومة البيولوجية ليست بالضرورة شرطًا للأمومة الاجتماعية، فيتحدد دورها في ضوء الحتمية الاجتماعية في إدارة البيئات الرحمية (البيولوجية، الأسرية) وفي الوظائف المختبئة المغلقة قد تصل إلى ما هو غير مرئي وإلى الوأد كما مرت عليه العقلية العربية، وبقي منغرسًا في الوجدان الثقافي العام تعاني منه الأنثى في صورة الوأد الرمزي بالمركزية الذكورية كموروث النظام الاجتماعي يصعب تجاوزه. فذاك جدل لا أستطيعه في هذا المقام لأنّه وللأسف بني على ادعاء أمبيريقي برغبة الأنثى بالهيمنة الذكورية كما يقول التحليل النفسي، وتشهد عليه الملاحظات الأنثروبولوجية التي تصرفت في ما يبدو وتشكلت كما يريدها الأنثروبولوجيون أن تتصرف وتتشكل. ولا أريد أن أجادل في نتائج البحوث الموصوفة بالعلمية حول الاختلاف البيولوجي الجذري بين الرجال والنساء في عمل الدماغ وحتى في الوصلات العصبية التي تنشأ في الحياة الرحمية في دماغ كل من الذكر والأنثى بشكل مغاير، فيعود إليها ـ بحسب هذه الدراسات - أصل كل سلوك بما في ذلك الغرائز التي تعد هي الأخرى مجرد جينات ومورثات -، وينشأ عنه - تبعًا لذلك - اختلاف جذري بين الذكر والأنثى في أنماط السلوك ومستويات الذكاء وتفاعل الوجدان. وبالتالي فالوظائف ستختلف تأسيسًا على الاختلاف البيولوجي الجسدي أساسًا، ويجب تأسيسها بعدئذ على الطبيعة البشرية الأنثوية والذكورية بشكل متناثر. فتلك حقائق علمية متخصصة لا أستطيع شرحها ولا اختبارها علميًّا ولا هي من الديمومات والحقائق المستمرة، فأبني - متورطًا - على ما تبين أنّ أكثره من مجاهيل العلم الممكنة، من حيث أنّنا كائنات لم نوت العلم إلا قليله، وما فتئت تكتشف حقائق في سياق سنة إتمام الحقائق قياسًا على سنة إتمام مكارم الأخلاق. ولا أسس على جدل الجندر الانثروبولوجي والتأسيس على التقسيم الأصلي للأدوار الوظيفية، حيث خصصت الطبيعة كما قيل مهنة جمع الثمار أصلاً لمهنة المرأة ومنها انشغلت بما هو منغرس في الأرض الأم، وما هو من جنس الولادة والتوليد والتكاثر، وخصصت الصيد مهنة للرجل فانشغل بما هو "محراثي" ثم حدث التراوح بشكل صراعي بين الأموسية والآبيسية في ممارسة السلطة، ثم انتباه العقل إلى مطارحاته للمساواتية اللاغية لكل اختلاف كما تحاول منظمات الأمم المتحدة وما تشيعه الحركات النسوية التي تطرح ما تسميه بديل الأخلاق النسوية. وهو جدل يؤصل ويؤسس لاستمرار الصراع بين سلطة الرجل وسلطة المرأة بطبقتين ممّا يسميه بورديو الهابتوس من حيث هو هنا (تناقض الجسدين/ مثنوية متناقضة) والدخول في نضالات لا نهائية لا أحبها ولا أرتضيها للجندر الإنساني، لأنّها مقاربات وتفسيرات لم تتحرر من منطق الهيمنة والفرض الذكوري أو الفرض الأنثوي حتى في صيغة المساواتية. فبدون الدخول في كل هذه المجادلات وقبل أن أبين رأيي في ظاهرة الجندر، إنّني كملاحظ لنتائج هذا المسار التقدمي ـ كما يوصف ـ في جدل الجندر وصيغ علاقاته وحياته، إن على مستوى المقاربة الفكرية والعلمية، وإن على المستوى السياسات وما تشكله من صيغ الحياة الجندرية، لم أرَ له من نتائج إلا تسليع المرأة ـ جسدًا ـ في منظومة الذكورية بمدخل حرية المرأة حتى ولو تقدمت بنضالها الجمعوي في احتلال مناصب العمل في القضاء والسياسة والسلطة، فكل ذلك كما يقال أنثروبولوجيًّا يدخل ضمن الانفصالات المتعسفة وإزالة الأنوثة أو ما يسمى بالترجيل، وعته المرأة المناضلة الحداثية أم لم تعه بأنّه في كثير من حالاته إن هو إلا مشتق من الشرف الذكوري كما يقال، ولم أرَ لها من نتائج كذلك إلا انتقال - عبر نضال حقوقي وسياسي - التعسف في استعمال السلطة القانونية والسياسية من الذكورية إلى التعسفية النسوية للنساء اللائي حظين بهذه المناصب العليا الأكثر انفصالاً عن الأنوثة، فالصورة في الغرب هي أقرب إلى الاسترجال، فإلى عهد قريب كان الغربي - تحت ضغط العقل الغريزي والنفعي - يبيع امرأته وما ملكت يمينه منهن بدراهم معدودات في الأسواق الجنسية، وسؤال العقل الغربي العامي اليوم هو سؤال "لماذا أنت سعيد؟" من حيث أنّ السعادة غير مألوفة في الحياة الزوجية العقلانية الصرفة، وقد توارى سؤال "لماذا أنت شقي وتعيس" من حيث أنّ التعاسة أصبحت هي الوضع الطبيعي منذ الانحراف عن عيسى ومريم لا يسأل عنها، ولا أدري أيّ أسئلة ستطرح على الجندر حال تعميم تقنية الاستنساخ (موت الأسرة) والمظاهر الجنينية للتعاسة هي ما ألاحظها في حياتنا ومحاكمنا اليوم المستنسخة، حيث يحق للمرأة أن تطرد زوجها، فبدأ الرجل عندنا يعيش حالة فوبيا الأنوثة كما عاشت هي فوبيا الذكورة وتعيشها، وما نراه ـ في الجانب والحقوقي والسياسي ـ وأبرزه في البرلمان المنعوت شعبيًّا بالأوصاف النسوية القذرة (برلمان الحفافات.. وأشياء أخرى) كفيل بتأكيد هذه النتيجة المزرية لجدل الجندر الصراعي والكفاح من أجل الاسترجال الجسدي والمعنوي للأنثى والذي يعرضها للتحرش، فتشتكي منه عبثًا، وقد رأينا هذه الأيام كيف يحتفلن بالرقص (بني دانص كما يقال شعبيًّا في الجزائر) وهو منظر لا يخرج في الزمن المعولم عن التسويق والتسليع وتزيين واجهات العرض في كل المؤسسات بالتأنيث تساوقًا مع منطق الحقوق الأنثوية. وبعد ذلك فالرقص في بلادنا هو استهتار بكل قيم الأمهات ومجاهدات الأمس، وفي حالنا اليوم هو مساس بمشاعر أمهات المفقودين والمخطوفين وكل الثكالى والاستهانة بتنكر "اللاعدالة" لحقوقهن، والمساس بحقوق الأرامل والعنوسة، ومعاناة التمييز الإيديولوجي الحقير للأسر المتضررة من العشرية السوداء. وتجاهل معاناتهن من الفقر والتهميش والاستهانة بكرامتهن بصفة عامة...

أعتقد أنّ المرأة فقدت الكثير من أخوتها للرجل - ولا أقول حقوقها أو سلطتها أو مساواتها - عبر هذا المسار المنحرف في المقاربات والسياسات والنضالات الاسترجالية، ولا أرى بهذا اليوم العالمي الذي لا أتردد أن أبارك لها عيدها من حيث هو عيد ليس للاحتفال بقدر ما أراه ـ إن لزم ـ تجديدًا للوعي بالأخوة الجندرية، فلا أرى فيه أي مؤشر لاستعادة أخوتها الإنسانية المفقودة للرجل، فالمرأة الأمازيغية الحرة أو العربية أو الطارقية... الطبيعية هي أخت للرجل في البيت والحقل بما يستطيع كل منهما فعله، وما أن تدخلت ما تسمى بالمدنية ومنظومة الحقوق والنضال ضد ما اعتبر مؤامرات الرجال، حتى بدأت مظاهر فقدان الأخوة تظهر على حياتها وعلى حياة الرجل على حد سواء.

وإذ أنّني لست في مقام البحث الأكاديمي لأضع الظاهرة موضع الدقة المنهجية الصارمة وأستشكلها ليتبين لي فروضها وطريق حلحلتها، فذلك أتركه للباحثين ومراكز البحث العلمي. وأكتفي بإمساك خيوط النتائج الشديدة الوضوح في ما انتهت إليه مقاربات العقل العلمي المجرد من الغيب، وربما المنزوع الأخلاق في كثير من حالاته. فأعتقد أنّ هذا الفقدان هو نتيجة المقاربات والسياسات التي استأثر بها العقل الأمبيريقي مكتفيًا بذاته مستغنيًا عن الدين مقص لإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد... بحجة الخوف من اغترابه، فسقط في ما أظن في ألعاب بنياته التحتية من المثيرات الحسية تحليلاً وتركيبًا وترميزًا، هو في ظل براديجم التصنيف والتمييز والتخصيص والتجزيئي لظاهرة الجندر (علم طقوس الأنوثة، علم طقوس الذكورة، علم النفس الذكري، وعلم النفس الأنثوي...الخ) لم يطرح كنعمة فائقة، ما خلق ووجد إلا لإتمام التدين في إدارة الجندر، كإدارة التدين في أفعال السياسة والاقتصاد والأخلاق. فما كان لهذا التجزيء والتخصيص من نتيجة إلا نتيجة الجهل بطبيعة الجندر الذي ما زلنا لم ندرك بعد روحه الإنسانية وما زالت مجالاته أمام العلماء كثيفة الغموض.. ولا أظن أنّ العقل الأمبيريقي، ولو اشتغل بالرمزيات والماورائيات، سيتخلص من الانفصال والتمركز حول البنية التحتية الرمزية مالم يشتغل بكامله وبطبقاته العليا، قد تكون البصيرة أو النفحة الروحية الكلية الفائقة.. لا أدري تحديدًا.. ماهي؟، ولكنها بالتأكيد هي في ربط التجربة التاريخية بالوحي ليعطيها معناها التديني، من حيث هو تحديدًا ارتباط بالحرية في التدين (السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. الخ) وحمايته من التيه في الغرائز وقفص العالم الحسي، فمن شأن هذا الارتباط أن يوسع آفاقه بسعة الكون المجهول فتتسع تأويلاته، ويعينه على إدراكه لبعض النص المقدس القابل للإدراك العقلي، ولبعض النص المقدّس المستعصي عن الإدراك العقلي إلا بالنص المقدس.

وإذ أنّني لا أنفي على العقل الأمبيريقي بعض صوابه كصواب الفاقد لبعض البصر، ولكنه يحق لي تأسيسًا على منطقية التجربة التاريخية وصحتها أن أنفي عنه الصواب كله في ما أنتجه من علوم فائقة التخبط والدقة معًا، فكما تؤشر على التفاؤل، تؤشر على التشاؤم في الاستنساخ البشري وهو الأخطر على الجندر من ما يسمى مؤامرات الذكر.

ولذلك أعود إلى علم الجندر ـ الفائق التحليل الرمزي والأمبيريقي ـ فأقول إنّ العلم بطبيعة المرأة وطقوسها السلوكية لا يكفي وحده، والعلم بطبيعة الرجل وطقوسه لا يكفي وحده، وأنّه لم ينتج في ما أرى إلا "فقه الاستخدام"، استخدام الرجل واستخدام المرأة في الآلف أو في التنافر وكيفما تقرره السياسات والثقافات وتزكيه العقلنة فسلبت حرية كل منهما، والأمر يحتاج إلى فقه طبيعة الإنسان "خلق الله" من حيث هو فهم ووعي واستيعاب للاختلاف والتنوع والوحدة. وفقه الطبيعة الإنسانية لا يتأتى بنظرنا من المعطى البيولوجي وحده (أعني النشوئية البيولوجية)، ولا من المعطى الثقافي وحده (أعني النشوئية الاجتماعية)، ولا من محاولات اشتقاق أحدهما من الآخر، ما دامت المقاربات استقرائية تطورية داروينية كما يقول "لفي ـ ستروش" بل يفهم برأينا في نطاق مفهوم الروح الإنسانية المستخلفة في الأرض وسر تعلم الأسماء كلها أزليًّا، وقد يكون لهذه الروح ما يتأسس عليه العلم من رؤى كونية نسقية للجزئيات والكليات من غير الانفلات والتصادم بين الأزواج المخلوقة.. فأضع إدارة الجندر في نطاق وظيفة العقل التدينية من حيث هي البحث العلمي عن فقه "المساكن الطيبة، اسكنوهن من حيث.. سكنتم حتى في حالة الطلاق. هن لباس لكم وأنتم لباس لهن... فلا أعتقد أن ندرك هذه المعاني الروحانية بالبهلوانيات الفكرية للعقل الأمبيريقي التي نتسلى بها كوقائع، كما يتسلى الأطفال بألعابهم، وبفضل ما أوتي للبشرية من نص على إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد.. من حيث هو إسلام كله، وبه وحده يتمكن العقل من إنتاج الصيغ الراقية اللانهائية في الألفة والمحبة بين أزواج مخلوقة من نفس واحدة مستخلفة في الأرض، أنتج منها العقل في تجاربه التاريخية عدة صيغ كلما ارتبط بالوحي وهو مستمر في إتمام الصيغ إلى ما شاء الله له أن ينتج. ومنها ما أنتجه العقل التديني الصحيح في المدينة المنورة من صور الإخاء (عقد المدينة) ومشورة المرأة في حدث البيعة، وهي أحداث لا يمكن للعقل الأمبيريقي المعتمد على البنية التحتية أن ينتبه إليها في هذا العمق الروحي، وما انتبه إليه في أثينا كان مجرد نصف الحقيقة والبناء عليه إبستميًّا كان ضرره أكثر من نفعه، وما زال ينتج النفع القليل والضرر الكبير، وهو ما يحيلنا بالضرورة إلى رفض مسار المساواة المجحفة بين الرجل والمرأة الذي أخذ في التأسيس منذ ما سمي بالتنوير، وأرفض بالدرجة نفسها استمرار استغلال الاختلاف لتكريس الهيمنة والاضطهاد من هذا الطرف أو ذاك، وأرفض تبادل الاستحكام والهيمنة لطقوس الانفصال والاتصال بين طرفي الجندر وما نشأ عنه من تنميط جنسي شامل وبيئات صراعية إيكولوجية وسياسية ورمزية، وأسس لما أسميه "الاعتمادية الزوحية المتبادلة" في نطاق المساكن الطيبة، فالرجل نصف لا يكتمل إلا بالمرأة والمرأة نصف لا تكتمل إلا بالرجل، ولا معنى للرجل ولا للمرأة إلا في ضوء مفهوم "وخلق الزوجين الذكر والأنثى". فالأخوة الجندرية ـ إن صح التعبير ـ وفي نطاق هذه الاعتمادية الزوجية الثنائية هي التي يمكن أن تعيد مسار الوعي بالروح الإنسانية ويحمي الضعف الأنثوي من طغيان القوة والاستكانة ويحمي القوة الذكورية من الانزلاق إلى الهيمنة والظلم. فالمسار الخاطئ لمقاربة الجندر واكتفاء العقل بذاته إذن ـ وفي نظري ـ قادا إلى تعقيد المشكلة، حيث أنّ التخصيص والتجزيء منع العقل من التفكير في ما هو ديني من حيث هو شأن خاص بالمتدين وحده، فاهتم في مسألة الجندر بإدارة ما ظهر من الغرائز بحسب الطلب الاجتماعي والسياسي بذكاء حسي، فكرس فقه النضال وشرعن حرية المرأة، وما لبث الجندر (الذكر والأنثى في ظل القسمة الضيزى) أن وجد نفسه أمام معضلة كبرى أنتجها العلم العقلي التجريبي الأمبيريقي (الاستنساخ) من حيث هي قضية تطرح كمشكلة على مستوى الجندر، وأظن أنّه لم يعد المطلوب من المرأة النضال ضد هيمنة الرجل وهو نضال قانوني وسياسي واجتماعي وثقافي وتربوي... بل عليها اليوم أن تناضل ضد أخطر نتائج مقاربات العقل الأمبيريقي، المتعلقة بتكنولوجيا الاستنساخ، وهو تهديد مباشر لوأد الجندر من أساسه باعتباره علاقات روحية إنسانية، فالحديث اليوم بدأ لتهيئة البشرية إلى حياة بدون أسر، فهل فكرت عقول الجندر عندنا كيف ستتعامل مع "علم الميراث" مثلاً وما مصيره في غياب الأسر الاجتماعية. وهل ستنخرط المرأة كجمعيات نسوية في مسار النضال ضد العلم وتترك الذكورية لشأنها من حيث هي أختها الطبيعية التي تسكن إليها، وتؤسس مرة أخرى للخطأ. أعتقد أنّ المسار الأكثر أمنًا لاستعادة الأخوة الروحية الإنسانية بين الرجل والمرأة كثنائية زوجية اعتمادية لا يتحقق إلا بإعلان العقل عجزه بوصفه مكتفيًا بذاته، وانخراط المرأة والرجل في النضال من أجل استعادة الأخوة من حيث هي التي كرسها ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. والتأسيس على مفهوم الاستخلاف في الأرض من حيث هو في هذا الموضوع "النساء شقائق الرجال".