المرأة والمجتمع المتخلف



صاحب الربيعي
2005 / 12 / 9

يعكس التخلف الاجتماعي صوره على كافة مناحي الحياة ولايقتصر ذلك على المرأة دون الرجل، فالنظرة الدونية للمرأة في المجتمع لاتعود إلى تخلف الرجل فقط وأنما لتخلف المرأة التي لاتعي دورها ومساهمتها في تغيير الواقع الاجتماعي.
وحين تنخر الأمية بنية المجتمع، تأسر مكوناته وتفرض توجهاتها وسلوكها على العلاقات الإنسانية بين فئاته المتعددة وتنحدر تلك التوجهات نحو الحضيض عندما تقدم على طبق من ذهب مبررات الحط من قدر إحدى مكوناته، فالأعراف الاجتماعية والقيم الدينية المتعارضة مع مسار العالم المعاصر تعد السكة التي يسير عليها قطار التخلف وما لم يتم تصحيح مساره بالاتجاه الصحيح لايمكن لقطار التخلف أن يحيد عن مساره حتى لو تعالت أصوات المحتجين.
إن المجتمع ليس كيانات معزولة تمارس حياتها بشكل مستقل، وإنما سلسلة من العلاقات المتشابكة تُكبل كافة مكوناته وتحدد توجهاته ابتداءً من الأسرة وانتهاءً بأبسط رابط اجتماعي تتعاطى من خلاله الكائنات الإنسانية لتبادل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية........وغيرها.
بهذا فإنه لايصح القول: إن النساء متخلفات أو الرجال متخلفون في المجتمع، فالنساء والرجال هما مكونات المجتمع ويعكسان صوره المتخلفة أو المتحضرة. والعلة تكمن في المجتمع لا في المكونات المؤلفة له لأن سلوكها وممارساتها مستمدة من أعراف وقيم المجتمع.
إن تحرر المجتمع من تخلفه ينعكس إيجاباً على كافة مكوناته، وهذا التحرر بحاجة إلى الحرية التي لاتعرف التجزئة في كشف مظلومية إحدى مكوناته لتفرض نهج المساواة والعدالة الاجتماعية.
يقول ((إنعام رعد))"أن التخلف الذي تعاني منه المرأة هو حصيلة تخلف المجتمع، فإذا ما تحرر المجتمع تحررت المرأة من ظلمها".
إن الحرية نهج تحرري وليس مطلبي، فالحقوق لاتطلب بل تنتزع من مغتصيبها وما لم تكون هناك إرادة حقيقية تفرض توجهاتها بآليات واعية ومعاصرة لايمكن أن تحشد المناصرين لها. وتلك الآليات يجب أن تنطلق من المجتمع وتنتهي به، فمنظمات المجتمع المدني المستقلة يجب أن تخوض حربها على جبهات مختلفة لانتزاع الحقوق ولاتكون واجهات دعائية للكيانات الحزبية للمطالبة بالحقوق.
إن مبدأ قيام منظمات المجتمع المدني على أساس هدف وتوجه واحد لانتزاع الحقوق، يعني تحشيد الطاقات الفعالة في إطار تنظيمي يسعى لتحقيق مصالح فئة اجتماعية وعدم تشتيت الجهود والطاقات في قنوات متعددة تخدم أهدافاً سياسية أكثر منها حقوقية!. وقد أثبتت التجارب المعاصرة لمنظمات المجتمع المدني جدواها وفعاليتها في العديد من بلدان العالم وحققت انتصارات مذهلة أجبرت الكيانات الحزبية على تبني مطالبها.
تعتقد ((أمل كابوس))"أن المرأة قادرة على أن تعكس صورة واضحة للأمة في تقدمها وتخلفها، فإذا كانت شخصية المرأة متكاملة نفسياً وعقلياً وثقافياً تكون الأمة التي تنتمي إليها أمة متقدمة ومتطورة....وعندما يُضيق عليها يكون ذلك أحد المظاهر الواضحة لتخلف الأمة ومؤشراً عن اختلال بنية المجتمع لأنه من غير الممكن أن يكون نصف أعضاء المجتمع (النساء) غير مكتملي الشخصية والتكوين الفكري والعلمي ويكون المجتمع سليماً لأن النساء والرجال أعضاء في مجتمع واحد".
إن وعي المرأة بحقوقها لا يأتي من الشعارات واليافطات الذكورية المرفوعة على معظم واجهات الكيانات الحزبية وأنما يأتي من حضورها المتميز والواعي بالدفاع عن مصالحها ككيان إنساني يسعى لانتزاع الحقوق لا المطالبة بها من موقع الضعف والترجي المطلبي كترضية للمشاركة في الأداء العام.
إن الأداء الضعيف والشعور بالدونية الناخرة لذات النساء الناشطات في العمل النسوي، هو السبب المباشر في عدم النظر بصورة جدية لحقوقهن في معظم الكيانات الحزبية التي تخلو معظم قياداتها من النساء أو تتواجد فيها لكنها منزوعة القرار!.
ترى ((كوندرسيه))"أن النساء كالرجال كائنات عاقلة قادرة على أن تسهم بمبادراتها الفكرية في إصلاح المجتمع والنوع".
بالرغم من التحرر من الأعراف الاجتماعية والقيم الدينية المتعارضة مع مسار التقدم، هي من خاصة كافة فئات المجتمع والحرية لايمكن تجزئتها إلى حرية فئة اجتماعية دون أخرى فإنها بذات الوقت مرتبطة بالعناصر الفعالة للفئة الاجتماعية الساعية للتحرر وانتزاع الحقوق، فكلما أفرزت الفئة الاجتماعية نخبها الواعية والمدركة لمديات الصراع الاجتماعي وتوجهاته، كلما انتزعت الحقوق والمكاسب لها.
إن الوعي الذاتي بماهية الحقوق يشخص آليات العمل الفعال لفرض التوجهات على المغتصبين لها ويجبرهم على التخلي عن توجهاتهم المتعارضة مع مسار التحرر والتقدم الاجتماعي، فالمجتمعات المتخلفة لن تتخلى عن توجهاتها الموروثة بالشعارات المطلبية وأنما بإحداث خلخلة في بنيتها الأساس للكشف عن مدى الخراب الذي ينخر ذاتها ويعطل مسار تقدمها وتطورها الاجتماعي.