رويدة-2-



نادية خلوف
2016 / 5 / 29

لا أرى أبي وأميّ ، هما أيضاً لا يراني
أتوق إلى حضور أمّ أو أب .
تقول فاطمة هذا لطفليها التوأم وهي تحاول أن تسكتهما عن الصّراخ.
فاطمة ذات السّبعة عشر ربيعاً زوجة أبو محمود الثانية لا تعرف كيف تدير حياتها.
قالت لي في إحدى المرّات: "لو بقينا في القرية، وعملنا بالأرض لما أصبحت حالنا هكذا. لم أكن في القرية تعيسة. كنت أساعد أهلي في الحقل، وتمضي الأيام إلا أن أتينا إلى المدينة، وغير أبي لباسه التّقليدي، ليلبس لباساً آخر لا أعرف من أين أتى به.
لاوجود للحياة في منزلنا . أميّ وأبي لا يتحدّثان مع بعضهما، وإخوتي كلّ منهم له حياته . تمنيّت أن تجلس معي أمّي تحدّثني عن الحياة، أو يقول أبي لي: يا ابنتيّ .
اسمه في الحي الفقير، أو البسيط، أو هو على البركة!
نصحه إمام جامع الرّحمن بالزّواج مني كي أنجب له الأطفال، رفضت الأمر، وأرغمت على الزّواج والدي بسيط إلا في إرغامي على الزّواج "
قالت لي هذا الكلام بعد طلاقها من أبو محمود بعدّة سنوات.
كانت البداية صعبة، فكلما ذهب أبو محود إلى زوجته فاطمة تأتي الإسعاف لتنقل الزوجة الأولى إلى المستشفى، هي تستوعب كلام أبو محمود حول الذّريّة، ولا حول تعدّد الزوجات، ولا ترغب بسماع كلمات الشّيخ الشّرعية لإقناعها. ترغب أن يكون لها بيتها الخاص، وأبو محمودها معه.
في تلك الليلة التي أدّب فيها أبو محمود فاطمة ، أغمي عليها عندما ضرب رأسها بالحائط عدّة ضربات . تركت أولادها وذهبت إلى عند أمّها. أعادها أبوها إلى منزل زوجها.
أتت فاطمة إلى مكتبي في عام 2000 مع خالتها التي تبرّعت أن تأتي معها.
لم أر منظراً مرعباً مثل منظرها. هالات زرقاء حول عينيها ، تهدّل في أحد كتفيها.
ما مشكلتك يا فاطمة؟
-لا أعرف
-لماذا أتيت إلى هنا؟
-لا أعرف.
أجابت خالتها: أنا جلبتها. انظري ما جرى لها. هذه آثار الضرب على جسدها. كشفت عن ظهرها فإذ به مخطّط بالزّرقة.
-أرجو أن تجلبي لي تقريراً من الطبيب قبل أن تزول آثار النّدب على جسدك.
لا تقبل فاطمة الذّهاب إلى الطبيب ، تخاف أن يطلّقها أبو محمود.
تعاطفتُ معها. رغبت في دعمها ولو قليلاً ، رأيت نفسي أمام جدار أصمّ.
أخيراً قالت لي: أخاف منه عندما يعاشرني أمام ضرّتي.
لم أكن يومها أعرف أن مشكلة الجنس والجنس الجماعي أصبحت من ضمن مفاهيم المجتمع إلا بعد أن شرحت لي فاطمة عن الأفلام التي يجلبها أبو محمود، وعندما تحضّر الزّوجة الأولى العشاء لأنّها ماهرة حسب رأي الزوج. يجلس الجميع ليتمتّعوا بالفيلم الذي جلبه، بعدها يكون أبو محمود حرّاً في معاشرة من يرغب بوجود الأخرى.
في البدء كنت أعتقد أنّني أسمع قصّة خياليّة ، فقد قضيت عمري في الدّراسة والعمل، وعندما ينتهي اليوم أكون منهكة وأرحل إلى النّوم.
ماذا تفعل لو كنت مكاني؟
بقيت صامتة لأكثر من عشرة دقائق، ربما أنا صامتة حتى اليوم لا أستوعب الموضوع.
أردت أن تنصرفا، فليس هناك وسيلة تفاهم، ولا وسيلة دعم، ولا أعتقد أن الموضوع جدّي عند أيّ منهما.
-وماذا تريدان الآن؟
أجابت الخالة: نرغب أن يطلّق زوجته الأولى ، ثم أخرجت من حقيبتها " حجاباً"
-أبو محمود رجل متدّين لا يخطئ ، لكنّ ضرّتها تكتب لها من أجل أن يكرهها زوجها، وجدت هذا تحت وسادة زوجها. هل يمكن أن تفكي رموز الكلمات.
- لا . لا أفهم في تلك السّخافات. عودا من حيث أتيتما.
مرّت الأيّام والتقيت بفاطمة في عام 2004
أتت إلى منزلي . لم أعرفها. وقفت أمام شابة في مقتبل العمر تبتسم .
-طلّقني أبو محمود، لجأت إلى عائلة من عشيرتنا أعيش بينهم ، أساعدهم في العمل، ولا يتجرأ أهلي على أذيتي لأنّني احتميت بكبير العشيرة.
-وأولادك؟
-ليس عندي أولاد. هم مسجلون باسم ضرتي ، ولا حق لي فيهم.
-هل أنت حزينة ؟
-لا أعرف إن كنت حزينة أم لا. فقط أشعر بأنّه لا ضرورة لحياتي.
ليت أبو محمود لم يطلّقني .
-لماذا يا فاطمة؟
-هذا العالم كلّه أبو محمود . لا أستطيع أن أحدّثك عن معاناتي الجديدة، لكنّني لم آت من أجل هذا. أتيت لأشكرك، وأطلب منك مساعدتي بشكل شخصي، وليس كمحام .
أرغب أن أحصل على جواز سفر بالسّر وأذهب إلى الإمارات. سوف أعمل أيّ عمل . المهم أن أهرب من هنا.
بعد أن أصبح لدى فاطمة جواز سفر لم أسمع أخبارها، فقد كنت مشغولة بظروف صعبة ألمّت بنا، كنت أنا نفسي أحاول الخروج من سورية، فقد كانت في تلك الفترة مكاناً غير صالح للعيش . .