رويدة -3-



نادية خلوف
2016 / 5 / 30

أتت زائرتي اليوم كي تؤبّن الحبّ
حبّ حسدها عليه المقرّبون
حذّرها منه الأصدقاء
لكنّها وقعت به حسب ما تقول
ليس العودة مثل الدّخول
دائمة الابتسام وهي تشرح قصّتها
. . .
هل سمعتم بالطّفلة التي تجيد القراءة ، والحساب، والعزف ، والغناء. هي تلك الطبيبة سلوى . أصبحت أمّاً لثلاثة أطفال، الحياة ليست على ما يرام مع زوجها الذي يملك صيدليّة على ناصية الشّارع. قبل يومين باع الصّيدليّة لم يعجبه هذا العمل ، يرغب أن يعمل بالـتجارة ، لأنّ ذهنه تجاري -حسب ما يقول-.
كنت ألتقي مع سلوى بالمناسبات عند الأقارب .
قالت لي: زوجي يطلب منّي أن أضع الحجاب.
-لو كنت موافقة . ما المانع.
-أنا غير موافقة. ذهبت إلى طبيب نفسي كي أستشيره. قال: لا تضعيه إن كنت غير مقتنعة.
الموضوع لا يتعلّق بالحجاب فقط . هو يوجه لي الإهانة أمام أمّي، وأمام أمّه ، وأمام الآخرين، ولا ينفق على المنزل . كما أنّه يلزمني في أمور كثيرة لا أرغب بها.
-لكنّه قريبك، كان عليك أن تعرفيه من قبل.
-لم أحاول. اعتقدت أنّه الحبّ، وأنّ ما بيننا من تكافؤ اجتماعي وعائلي كاف ليستمرّ ذلك الحبّ.
عشر سنوات، وأنا أنتظر الحبّ. في الحقيقة هو لم يقل لي أحبّك يوماً . توهّمت أنّه قالها. أفوقه بكثير من الأشياء ، وكان من الممكن أن أتزوج غيره. أنا أتحمل مسؤولية هذا الزّواج الفاشل .
بعد عام التقيت بسلوى ووالدتها وكانت قد وضعت الحجاب، قمنا بنميمة عائليّة، وقالت لي: موضوع الطلاق شبه مستحيل الآن . سوف يأخذ الأولاد مني. كما أنّ والدتها شتمته. قالت: " في سهرة البارحة كانت غرفة الضيوف مليئة بالنّاس. صرخ عليها: هاتي جواربي، ركضت كما الخادمة، وجلبت عدّة أزواج من الجوارب عدّة مرات"
كنا نلتقي دائماً، وتقول لي: عندما يكبر أولادي سوف أطلّق زوجي، كانت تضحك وتسّر لي بهموم بعد الطبيبات:
حتى أولئك الذين ليس في عقيدتهنّ حجاب هناك منغصّات أخرى ، البارحة أتت الطبيبة سيمون وهي ترتجف من التّعب. زوجها طبيب أيضاً لكنّه بنفس الوقت سياسي، عمل حفل عشاء لفريقه الحزبي. قالت: بقيت أخدم على الضيوف حتى الصباح، وقد تركت الطّاولة كما هي سوف أعود وأنظفها بعد الدوام.
-نحن نثرثر يا سلوى . لو طرحنا تلك المواضيع على المجتمع سيكون حكمه سلبياً وسيكون حكم النّساء أقسى ، فعندما استعنت بإحدى جاراتي في صنع الكبّة قالت لي قريبتي: " نساء آخر زمن" نحن ننجب، نقوم بكل العمليات المنزليّة دفعة واحدة ، ولا كأنّه أنجبنا مع أن المولود صبيّ"
لو أردنا أن لا ينشأ أولادنا مثلنا علينا أن نعيد اعتبارنا لذواتنا.
أنت الآن تمرّنين ابنتك على الخضوع، وسوف يكون موقفها في المستقبل مثلك.
-ماذا أفعل؟
أخشى أن أخسر أولادي.
أخشى من العار الاجتماعي.
أخشى أن يتّهمني بالخيانة.
أخشى أن يعتدي عليّ جسدياً.
كم تمنيّت لو أنّني لم أتعلّم، فها هي زوجة أخيه غير متعلّمة، عندما تختلف معه تنبش شعرها، تضرب نفسها، وتبقى تصرخ إلى أن يسكت. هو لا يتجرّأ على مخالفة رأيها، ولا حتى على التّلميح بالطّلاق.
-أتحدّث عنك يا عزيزتي لاضرورة للذّل. بإمكانك أن لا تعملي إلا ما ترينه صحيحاً.
-يهدّدني بالزّواج بأخرى.
-لن تستطيعي منعه. فقط تستطيعين احترام نفسك .
-الطبيبات اللواتي يعملن معي لهنّ نفس المعاناة مع أزواجهنّ، وأهل أزواجهن، وبينهنّ وبين أزواجهنّ طلاق عاطفي، وأغلبهنّ يعاني من الخيانة الزّوجية .
لم يغفر لسلوى طاعتها لزوجها سواء بسبب العار الاجتماعي، أو بسبب الخوف من أن يتزوج زوجها بأخرى . بعد أن غادرتُ سورية ، سألتُ عن أخبارها. تزوج زوجها بأخرى، وأنجب طفلاً من الزّوجة الجديدة.
التقيت بإحدى أخوات الزوج خارج سورية قالت لي: "الحمد لله زوجته الجديدة تحبه، أما سلوى فلم تهنّيه في عيشه"
-وماذا حلّ بالأطفال؟
-لم يعودوا أطفالاً عليهم أن يدركوا أنّ أمّهم لم تكن امرأة صالحة، هم يشبهونها . لك أن تتصوري أنّهم لم يباركوا لوالدهم في الزّواج.
عاد إلى ذاكرتي قول جارتي أم سمير التي تزوج زوجها امرأة ثانية بعد عشر سنوات من الزّواج :
لو كان الأمر يتعلّق بي لعملت له صباحيّة فقد خلصت منه، ، لكنّ الضّرة ليست ضرّة الأم هي ضرّة الأولاد. اضطربت حياة أولادي منذ زواج والدهم، وتعثّرت دراستهم، لست عالمة نفس لأخرجهم من الحالة. لو كان عندي دخل لما سألت عن الموضوع.
الموضوع في الحقيقة ليس سهلاً ، فعندما تسلب الآخر زمنه، وسنوات من حياته ،وترمي في وجهه مسؤوليات لم تكن بالحسبان، تكون عاقبته.
سلوى الآن تجاوزت الخمسين من عمرها، وهي طبيبة تستطيع إعالة نفسها وأولادها. لكنّها فقدت أجمل سنوات حياتها وهي تصارع من أجل حياة طبيعيّة، قدّمت تنازلات كبيرة، ولم تنجح .هل تستحقّ الحياة هذه المعاناة.