حقوق المرأة بين المورث والقيم الاجتماعية



صاحب الربيعي
2005 / 12 / 10

حقوق المرأة
بين المورث والقيم الاجتماعية
يفرض الإرث والأعراف الاجتماعية والقيم الدينية توجهاتها على المجتمعات المتخلفة أكثر مما تفرضه متطلبات الواقع المعاصر، وغالباً ما يحصل تضارب بين التوجهات السائدة والتوجهات المعاصرة لجيل جديد يسعى لإثبات وجوده ورفض حالة الانفصام الذي يعيشه المجتمع حيث أن جسده في الحاضر وينهل من الماضي توجهاته. ليس كل الماضي مرفوضاً لكنه ليس كله مقبولاً في الحاضر، ولايجوز الانسلاخ عنه بشكل كامل لصالح توجهات الحاضر!.
إن المجتمع ليس وحدة متكاملة تتحرك وفقاً لآليات محددة تخط التاريخ وترسم المستقبل، وأنما عبارة عن كيانات إنسانية لها مساهماتها الفردية التي تشكل في محصلتها التاريخ والحاضر. وتلك المحصلة لايساهم بها كافة أفراد المجتمع وأنما الكيانات الإنسانية الفعالة منه.
الصراع الاجتماعي، هو صراع الصفوات المساهمين الفعلين في صنع الحضارة وتطورها، إما بقية أفراد المجتمع فإنهم وقود الصراع الاجتماعي وغير قادرين على المساهمة لوحدهم في تغير مجرى التاريخ أو الحاضر دون تلك النخب من الصفوات القادرة على إدارة الصراع مع أو ضد التطور والعصرنة في العالم.
قد تبدو بعض المسلمات الاجتماعية لاتثير الأسئلة لدى الغالبية من أفراد المجتمع لأنها لاتمس مصالحهم الذاتية أو لربما تعتبر ثانوية عند مقارنتها بمسلمات أخرى تبدو لهم أساسية!. ومن الطبيعي الحاجة والمصلحة الذاتية، هي الدافع لإثارة الأسئلة حول المسلمات الاجتماعية سعياً لمناقشتها أو المطالبة بإلغائها كونها تضر بمصالح فئة اجتماعية ما، تسعى لانتزاع حقوقها من المجتمع أو المطالبة بالعدالة في توزيع الحقوق للقيام بالواجبات تجاه المجتمع.
إن المورث التاريخي والأعراف الاجتماعية فرضتا حالة اجتماعية أصبحت بمرور الزمن مسلمات لايجوز الاعتراض عليها، لكنها بذات الوقت تثير المزيد من الأسئلة لدى الفئة الاجتماعية المتضررة منها ساعية لتغيرها أو الحد منها لتتواءم ومجريات الواقع المعاصر.
إن شعور المرأة ككيان إنساني بالدونية في المجتمع الأسير لتوجهاته الموروثة وأعرافه الاجتماعية يجعلها تطرح الأسئلة المشروعة عن حقيقية وجودها ككيان إنساني مستقل أو كيان تابع أو جزءً من كيان إنساني أخر تتعايش معه على كوكب الأرض!.
تتساءل ((الهام منصور))"لماذا عليًّ أن انتمي إلى رجل كي أكون؟ لماذا لست إنساناً كاملاً خارج التبعية لرجل أو على الأقل الارتباط به؟ بماذا يفوق عليًّ الذكر؟ إنني قادرة مثل أي واحد من الرجال أن أكون بذاتي، تكرج أمامي الأسئلة وأعجز عن إيجاد الأجوبة".
تلك المسلمات الاجتماعية والأسئلة المثارة تأخذ اتجاهين للمطالبة بالمساواة، اتجاه تفحص دور الرجال لمساواتهم واتجاه إبراز قدرات المرأة الموازية لقدرات الرجل للمطالبة بشرعية المساواة. ويمكن رصد كلا الاتجاهين للمساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع، لكن يبدو أن الاتجاه الأول يعاني من عدم الثقة بالنفس ككيان إنساني (أنثوي) يسعى لطرح ذاته في المجتمع كشريك مساوي للرجل، وأنما يسعى لإلغاء ذاته وتقمص دور وسلوك الرجل باعتباره (الأصلح في المجتمع!) طمعاً في المساواة.
وهذا الاتجاه في المساواة يعاني من دونية الانتماء للكيان ذاته (المرأة) ويسعى دون وعي إلى إلغاء ذاته عبر التقمص بذات الرجل باعتباره الكيان الذي يستمد وجوده وقدرته من الإرث التاريخي والاجتماعي كعنصر أساسي في المجتمع!. يعانون أنصار هذا التوجه من قصور بماهية الحقوق والمساواة ومن تدني بمستوى الوعي والثقافة كما إنهم يعانون من أزمة نفسية وشرخ في الذات مرده مسلمات اجتماعية.
يقول ((الطاهر بن جلول)) على لسان بطلته زينة:"أن فكرة أن أكون ضعيفة هي بالتحديد الفكرة غير المحتملة بالنسبة لي، لست أثنى تماماً! كنت أطمح لأن أكون رجلاً بمظهر امرأة، انسخ سلوكي حرفياً عن سلوك الرجال، أقلب العلاقات دون أن أفكر بما أفعله".
أما الاتجاه الثاني فإنه ينهل توجهاته في المساواة من حالة الوعي والإدراك لماهية الحقوق والمساواة عبر الدراسة والتحصيل والثقافة ولعب أدوار اجتماعية توازي أو تفوق ما يؤديه الرجل في المجتمع باعتبار المرأة كيان إنساني لايقل موهبة وقدرة عن الرجل.
وبالرغم من أن هذا التوجه يمارس بوعي وإدراك للحقوق والمساواة ولديه الشجاعة لمواجهة مسلمات المجتمع، لكنه بذات الوقت يعاني من إنكار لذاته (الأنثوية) باعتبارها أداة دونية في المجتمع يتوجب رفضها لا من خلال تفحص دور الرجل لكن من خلال رفض الكيان (الأنثوي) لتغيير المسلمات الاجتماعية المتوارثة بدونية المرأة!.
إن الشيء الذي يتوجب التسليم به والإقرار به كمسلمة من مسلمات الطبيعة هناك كيانان إنسانيان (ذكر وأنثى) لكل منهما طبيعته وخصائصه الخلقية، وكلاهما مشاركان في فعل الحياة ولهما من الواجبات والحقوق وبغياب أحدهما ينتقي وجود الأخر.
تقول ((الهام منصور))"كنت أريد أن اثبت لكل العالم أنني تماماً كالرجل: ذكاء وقوة وإرادة وإمكانيات و......ولا أختلف عنه إطلاقاً. كنت أريد أن تتغير تلك النظرة الدونية إلى الأنثى، كنت أرى أن الأنثوية هي السبب في تحقير الآخرين لها، لأنها تحاول أن تثبت قدرتها المماثلة لقدرات الرجل".
إن إصرار المرأة على فرض (قاعدة المماثلة!) للرجل والانطلاق منها للمطالبة بالمساواة والعدالة الاجتماعية، تعتبر قاعدة هشة لاتستند للمغزى الإنساني باعتبارها كيان إنساني قائم بذاته ومشاركاً للرجل في جميع مرافق الحياة.
فلماذا لاتكن القاعدة (على سبيل المثال) على أنها أفضل من الرجل أو كيان يفرض وجوده على الواقع؟ لماذا تعتبر الرجل هو المثل الأعلى في المجتمع وسعيها يقتصر على مماثلته دون التفوق عليه؟. فهل كل الرجال هم متفوقون على كل النساء؟ أم أن الذكورية دون العلم والثقافة هي السائدة على الأنوثية بالعلم والثقافة!.
لايوجد في الحياة كيان إنساني (ذكر أو أنثى) يماثل الأخر علمياً أو ثقافياً أو اجتماعياً، لكل كيان إنساني ميزاته وخصائصه يفرض وجوده اجتماعياً لا باعتباره ينتمي إلى جنس محدد أو فئة اجتماعية معينة (مع عدم إغفالنا للمورث الاجتماعي) فالقاعدة الصحيحة التي يتوجب الانطلاق منها للمطالبة بالحقوق والمساواة، هي الاعتراف بالأخر ككيان إنساني له خصائصه وميزاته وليس ككيان مماثل للأخر يسعى لانتزاع الحقوق باعتبار الأخر مغتصباً لها.
إن صراع الحقوق والمساواة ليس بين الرجل والمرأة (كما يحلو للبعض تصويره!) إنه صراع بين كيان إنساني (رجل وامرأة) والمورث التاريخي والقيم والأعراف الاجتماعية والدينية المتعارضة مع الواقع المعاصر.
الحرية والمساواة والعدالة.......وحدات متكاملة غير قابلة للتجزئة عند إسقاطها على الواقع الاجتماعي، فهي هدف ومسعى الرجل والمرأة المعاصرة ولاتخرج عن سياق الصراع بين الأجيال لفرض التوجهات الجديدة بما يتوافق ومتطلبات الحداثة والعصرنة.