رويدة -5-



نادية خلوف
2016 / 6 / 3

داخل كلّ مجتمع يعيش مجتمعان، قد يكونا متجاورين مكانياً ومختلفين فكرياً، وقد كان المجتمع في القامشلي هو عدة مجتمعات بعدد التنوع، وعدّة مجتمعات في التّقاليد والعادات، ومن تلك العادات عادات الزّواج، أغلبها ليس موروثاً بل طارئاً مع موجة العوز المادي، أعطوه صفة العادة من أجل التّبرير، وكان زواج "علا " نموذجاً عليه.
لم نكن نعرف من هو الخطيب. تركت المدرسة في الصّف السّادس الابتدائي، هي ابنة تنتمي جذورها إلى شيوخ المنطقة، فقط والدها كان طفلاً غير شرعيّ لأحدهم "حسب رواية العامّة"
علا ليست طفلة في تفكيرها مع أنّها في الثالثة عشر من عمرها، هي تضع الحنّاء على شعرها وتعرض نفسها للزّواج كالنّساء الشّابات. ليس صعباً أن تتزوج خليجيّاً فهم يأتون بقصد الزّواج إلى مراكز انطلاق الباصات في القامشلي . حيث يدّلهم السّماسرة على عناوين الأهل ليخطبوا بناتهن، وربما كان والدها أحد هؤلاء السّماسرة لكن على مستوى فنادق دمشق.
كنت أتحاشى محادثتها كي لاتسمعني كلاماً سيئاً فقد سألتها ذات مرّة جارتي التي كانت معلّمتها: هل أنت سعيدة بالزّواج ؟
ردت عليها : وما دخلك أنت؟ الزمي حدّك
سوف تتزوّج علا سفيراً. يقولون أنّه سفير سعودي في الكويت، وهذا يعطي القصّة بعداً أجمل. مهرها مليون ليرة سورية في تسعينيات القرن الماضي. استلمها والدها عدّاً ونقداً ، وهذا أمر لم يقف أحد عليه، سوى تسريبات. سافرت دون حفل، وقالوا أنّها تعيش في الكويت.
لا مشكلة في أن يكون الزّوج بعمر السّتين فهي تتزوّج المنصب والجاه وفق المفهوم العائلي.
بعد خمسة عشر يوماً من سفرها عادت علا إلى بيت أهلها سعيدة. ذهبت إلى الدّكان قرب بيتي، واشترت علباً من الحلوى. حملتهم هي وأخوها، مرّت من قربي. سلّمت عليّ، وناولتني علبة . قالت هذه هدية لك بمناسبة زواجي من السّفير. نحن عاتبون عليك لأنّك لم تباركي لنا. تذكرّت جوابها للمعلّمة. ابتسمت فقط.
ذهبت علا إلى الكويت ثانية، وبقيت في هذه المرّة شهراً كاملاً، ثم عادت إلى بيت أهلها، تحدّثت أمّها لي قائلة: والدها يريد أن يطّلقها من زوجها. أليس حراماً أن تكون زوجة رجل في السّتين وهي دخلت الرابعة عش منذ أيام ؟
قال أحد أقاربها أنّها سرقت مبلغاً كبيراً من " السّفير"، وأنّ الزواج ليس رسميّاً. نحن لم نر سفيراً ولا زواجاً .
كانت علا سعيدة في كلّ تحرّكاتها لا زالت تلعب مثل الأطفال ، وتضحك مثلهم . لم تؤثّر الحادثة عليها. بل بالعكس تماماً، وقبل أن تكمل الخامسة عشر وقعت في الحبّ مع ابن عمّها رجل الثلاثين، أقاما حفلاً جميلاً. كانت جميلة ومتألّقة. كان الحفل في الشّارع والحضور بالمئات، والمطرب ينحني أمامها فيتناثر على رأسها المال.
رأيتها بعد عدة سنوات تلبس العباءة ومعها طفلان، ولا زالت جميلة وسعيدة.
منذ ذلك الزّمان، وكلّما تذكّرت علا أسأل نفسي: كيف تمكّن أهل علا أن يربوها على تقبّل الجنس في تلك السنّ؟
وهل البيئة هي التي تؤهل الأنسان ليكون عكس الطّبيعة البشريّة؟
أم أنّها قيم دخيلة على المجتمع أساسها المال؟
لم أتوصل إلى إجابة حتى الآن . . .