رعب النِساء الحوامل في طرقِ بغداد الخطرة



كهلان القيسي
2005 / 12 / 10

ترجمة: كهلان القيسي
العراق، بغداد: ظلامَ الليلِ يحْملُ إرهابَ خاصَّ للأمهاتِ الحوامل في بغداد.
لمياء كاظم، ذات الستة وعشرون عاما حامل في شهرِها السابعِ، كانت تترقب أن تلد طفلها بطريقة طبيعية وتحتظنه وهو خارج من أحشائها.. ولكن حوادث إطلاقَ النار والإنفجاراتَ على طرقِ بغداد المُظلمة قَدْ تَأْخذُ حياتَها وحياةَ طفلها الرضيعِ، الذي وصفته هي ب "بصيص من أملَ" في هذا المكانِ مِنْ البؤسِ. وقد يكون التفكير بالعملية القيصريةَ الطريقة الوحيدة لتَفادي ذلك الخطرِ.
أما هدى حسين، عشرون عاما، فليس لديها ذلك الخيارِ( العملية القيصرية)، قالتْ ذلك وهي تقلب مجموعة من أغطية الأطفال ألملونه لكي تختار واحدة لطفلها.، هي ايضا تتمنى ولادة طبيعية، فهي وزوجها, نادل الفندق، لا يَستطيعُان أَنْ يوفرا مبلغ يتراوح بين 200 إلى 400 دولار من راتبه لإجراء العملية القيصرية. وهي تصلي وتتذرع إلى الله لكي لا يأتيها الوحم في ظلام الليل.
"أَنا خائفهُ جداً، "قالت ذلك وهي تمسك رباط سريرِ إبنِها المستقبليِ. "لَرُبَّمَا سَيكونُ له مستقبل أفضل." في النهاية، تعقيدات المخاض أجبرتهاْ على إجراء العملية القيصرية.
إنّ الحربَ في العراق تفرض إختياراتَ مخيفة على الأمهاتِ الحوامل. فالنِساء ثريّات نسبياً يَخترنَ للتسليمِ القيصريِ لتَفادي مخاطر الطرق في الليل التي هي اقل خطورة أثناء النهار. بعد حظرِ التجول يجبر العراقيون على للبَقاء في بيوتِهم بعد 11 مساءً، لكي لا يُقْتَلوا بالخطأ. لان الطرقَ موبوئة بنقاطِ التفتيش، متمرّدون وجنود عراقيون وأمريكيون غاضبون.
تقول الدّكتورة إيمان إبراهيم، 38، عام التي تعْملُ في مستشفى القدّيسِ رافائيل الخاصّة في حي الكرادة في جنوب وسط بغداد، إن مرضاها من الحوامل يزورنها وهن خائفات، واثنان من كل عشرة منهن يطلبن إجراء العملية القيصرية، لكي يتفادين مخاطر الطرق, وحوالي النصف منهن يطلبن إجراء ذلك أثناء النهار.كما إن أكثر النِساءِ اللواتي لا يَستطعنَ تَحَمُّل العملية القيصرية يَخترنُ قضّاء الليالي في المستشفى لإخْراج أطفالهم الرُضَّع من أرحامِهم، أَو ينتظرن ولادة طبيعية وقبل أيام قَليلة من تآريخ إستحقاقهم. يَنتظرُ البعضُ منهن الشعور بالتقلصات، ثمّ يستدعون الشرطة لكي توقّفُ لهم سياراتُ الإسعاف عن بُلُوغ الليلِ.
حتى الشرطة تخاطر بحياتها كما يقول الشرطي صباح احمد الذي خاطر بحياته من اجل امرأة واجهها المخاض في ظلام الليل، لان"أغلب النِساءِ اللواتي يدعونني محدودات الدخل ولا يَستطيعُ تَحَمُّل العملياتِ. وأحيانا ارفض النداءان خوفا من فخ للمتمردين، فنحن مستهدفون، لكنه دائما يشعر بالذنب لأنه ترك نساء يواجهن موقفا صعبا. وفي إحدى الأيام، عندما كان يقترب من بيت امرأة حامل في حي الدورة، المليء بالمتمردين، وعند توقفه في نقطة تفتيش تابعة للحرس الوطني، انهمر الرصاص عليهم, استدار وعاد، ثم اتصل ببيت المرأة مخبرها انه لم يستطيع الوصول إليها. لكن الذي رد عليه طفلة بعمر ثماني سنوات وقالت له باكية، إن أمي تتألم كثيرا, وقام بتغيير زيه الرسمي واستقل سيارة مدنية وسلك طريق أخر, ووصل إلى تلك المرأة التي كانت تصرخ من الألم والخوف، حملها في السيارة واتخذ طرقا التفافية بعيدا عن أصوات الرصاص لكي يصل بها إلى المستشفى بحدود الثانية صباحا.
ويضيف لقد"خاطرتُ بحياتَي وحياةَ زملائِي، وكانت سببا لمعاقبتي بعدئذ. "لكن صوت البنت الصغيرةَ اجبرني على المخاطرة, أحياناً تَبْذلُ النِساءُ الحوامل جهد لإيجاد القابلاتَ في مكان قريب. لكنني كنت أرى الكثيرِ من الأطفال الرُضَّع يموتون أثناء بالولادةِ،


تَرْفضُ المستشفيات الحكوميةُ في أغلب الأحيان أَنْ تجري عملية قيصرية بدون أسبابِ طبيةِ، لذا إتّجهتْ النِساءُ إلى المستشفيات الخاصّةِ ذات الكلفة العالية.
وتقول الدكتورة إبراهيم بأنّه حتى النِساءَ الفقيراتَ مِنْ الأحياء الفقيرةِ مثل حيِّ مدينةِ الصدر ببغداد اضطررن لدَفعنَ 200 دولار لعملية قيصرية في مستشفاها لتَفادي أخطارِ الطرقِ. وإنها تتوقع أيام الانتخابات القادمة وهي على الأبواب، إن مداخل مستشفاها ستفيض بالنساء الحوامل، الأتي يتوقعن قرب وضعهن، لان الطرق ستكون مغلقه لمدة ثلاثة أيام على الأقل.ولكن في أي وقت وأينما تذهب يبقى التهديد قائما، فنحن مهددون بالانفجاريات والرصاص الطائش.
قصة أخرى من المعانات حدثت للسيدة رزق الزبيدي، 20، عام وزوجها، نذير منصر 35، عام فقد عاشا ليلية لا تطاق أثناء الشهرِ النهائيِ مِنْ حملِها. في بيتهم الراقي في زيونه حيّ جنوب شرقِ بغداد، فقد كانت المرأة تشكو من آلام في بطنها و ظهرها،وهي تبكي من شدة الألم, يتذكر زوجها، ماذا لو حان مخاضها ألان؟؟؟ ماذا لو أنّنا أصبحنَا هدفا لإطلاق النار على الطرقِ المُظلمةِ إلى المستشفى بعد حظرِ التجوال؟ وحتى حين خلدت زوجته إلى النوم بقي زوجها نذير مستيقظا في الظلام، ماذا لو ولدت ألان، ومالذي سأفعله، فهو لا يمتلك أية خبرة عن ولادة الأطفال. وعندما ارتفعت الشمس في الأفق، جاءه الفرج، ألان يمكنه أن يأخذها إلى المستشفى, ثم انقضى نهار وجاء ليل وهو ينتظر بقلق في الظلام، بجانب سريرهم الخشبي حتى انقضى ذلك الشهر. وأخيرا جاء يحيى( الطفل) ولكن قبل خمسة أيام من ولادته، قتلت القوات الأمريكية عائلة جيرانهم، الأم والأب وطفلين، عندما كانوا يستقلون سيارتهم في تمام السعة السابعة مساءا. لقد كانوا يعتقدون بأنهم إرهابيون!! أما والد السيدة رزق الزبيدي، قد قتل من قبل جندي أمريكي عندما كان يقود سيارته، وكان أول قتيل مدني يقتل في شوارع بغداد بعد السقوط.
وكان نذير قد رتب موعدا في مستشفى خاص، لعملية قيصرية لاقتلاع يحيى من بطن أمه، ولكن كلفه ذلك 1000 دولار أمريكي. وتقول أم يحيى، وهي تحنو بيدها على رضيعها، إن أمهات أخريات لا يمكنهن التمتع بهذه العملية. "أنا أعاني الكثير. أنا يَجِبُ أَنْ أَقْلقَ على طفلِي، على الأمنِ، على كُلّ شيءِ. أفكر بطفلي الرضيعِ والأطفال الرُضَّع الآخرينِ الذي سَيَولدون في المستقبلِ." إنهم دائما خائفين من الليل، حتى عندما يمرض يحيى يتوجب عليهم الانتظار حتى طلوع الشمس، للاتصال بالطبيب، في إحدى أليالي أصيب يحيى بطفح والدم يخرج مع برازه, لكنهم اضطروا الانتظار حتى الصبح لكي يراجعوا الطبيب. تقول أمه لَرُبَّمَا القطعة الذهبية الصغيرة التي تحمل آية باسمِ الله, مِنْ القرآنِ الكريم وعين وزرقاء التي تَحْميه مِنْ العين الشرّيرةِ سَتَكُونُان بما فيه الكفاية أَنْ تَحفظَانه في آمان، "الله يَحْرسُه مِنْ كُلّ شيءِ، "دعت بينما تهَزّ مهده الخشبيَ، وَضعَ بعيداً عن تطاير زجاج النافذةِ في حالة حدوث انفجار في الخارج.

الكاتب: ليلى فاضل
المصدر: Kinght Ridder Newspapers