رمضان وظاهرة الحجاب في السليمانية



آمنة كوياني
2016 / 6 / 14

رمضان وظاهرة الحجاب في السليمانية
بقلم: آمنة كوياني
اخذت ظاهرة ارتداء الحجاب مع حلول شهر رمضان تزداد سنة بعد اخرى في مدينة السليمانية التى عرفت بسفور نسائها حتى في مثل هذا الشهرمن السنة، شهر صيام المسلمين الذين يشكلون الغالبية العظمى لسكان هذه المدينة، لكن مع ازدياد تاثير الاسلام السياسي في المنطقة كان للسليمانية ايضا نصيب من هذا التاثير حالها حال بقية مدن العراق بل مدن المنطقة على العموم، حيث اخذت هذه الظاهرة بالازدياد في عموم المنطقة مع ازدياد نفود الاسلام السياسي بتياريه الشيعي والسني منذ تسعينات القرن الماضي، كذلك كان من بين العوامل المؤثرة على ازدياد هذه الظاهرة في السليمانية في السنين الاخيرة هي زيادة نسبة النازحين من المدن العراقية الاخرى خاصة من المدن ذات الغالبية السنية والتي تمتاز بارتداء نسبة كبيرة من نسائها الحجاب على مدار العام وليس فقط في شهر رمضان، وما نتج عن هذه الزيادة في خلق نوع من التفاعل الاجتماعي بين السكان النازحين والسكان المضيفين، والتأثر والتأثير في ثقافة كلا الطرفين، وتبني بعض العادات او الظواهر التى لم تكن موجودة في المجتمع المضيف الى عهد قريب، منها ظاهرة ارتداء الحجاب في شهر رمضان التى لم نكن نلمسها بهذه النسبة العالية قبل عشر سنوات مضت على اقل تقدير، بينما اليوم نجد مع حلول كل رمضان تتنافس غالبية نساء المدينة بارتداء الحجاب بالوانه واشكاله المتنوعة، وكأنه تم الاكتشاف مؤخرا عن وجود علاقة الزامية بين فريضة الصوم وارتداء الحجاب، اكتشاف لم تتعرف عليه امهاتنا الكورديات في العقود السابقة، فكن يمارسن فريضة الصوم بكل بساطة دون اكتراثهن بمسالة ارتداء الحجاب من عدمه في شهر رمضان، بل وحتى جداتنا الكورديات اللواتي كن يعتنين بغطاء الراس (العمامة الكوردية) عناية فائقة، لكنهن لم يربطنه بفريضة الصوم او بشهر محدد من السنة، فتلك العمامات هي جزء من الزي القومي الكوردي بل هي جزء من الهوية القبلية ايضا، حيث تمتاز كل قبيلة وكل منطقة بشكل معين لهذه العمامات، فنساء مكري وسنة كما يصفهن الرحالة سون* بانهن يستمتعن بشهرة لبس اكبر العمامات من بين عمامات القبائل اخرى، بينما يصف الرحالة الانكليزي ريج خلال زيارته لكردستان في القرن التاسع عشر، لباس الراس بانه يتكون من المناديل الحريرية او بالاحرى الشالات الملونة بالوان قوس قزح كلها ينظمنها تنظيما فنيا في الجبهة ويثبتنها بالدبابيس تثبيتاً يجعل منها تاجاً او قلنسوة واطرافها السائبة تترك مدلاة من وراء الظهر حتى كعوب الاقدام والثريات منهن يزين جباه وجوههن بسفائف ذهبية عريضة يتدلى من كل منها صف اوراق ذهبية صغيرة ومن كل جانب من جانبي القلنسوة يتدلى ايضا خيط من المرجان، وهن يلبسن تحت هذه العمامة فوطة كبيرة من الموسلين تلف من الامام وتعقد فوق الصدر ويذكر ان هذه الفوطة لا تلبسها الا المتزوجات منهن، وكان العامل الاقتصادي يلعب دورا ايضا في تحديد شكل تلك العمامة فيبدو مما تقدم من وصف ريج بانه اخذ أنموذجا موسراً من زي المراة الكردية او هو الزي الذي يمكن مشاهدته في مناسبة ما، اما القرويات فلباس رؤسهن عبارة عن طاقية صغيرة. كما امتازت نسوة السليمانية بارتدائهن لغطاء راس ثقيل يختلف عن غطاء الراس للنسوة في المدن الكردية الاخرى، ويصفه ريج بانه غطاء ثقيل جدا ويذكر ان النسوة يتحملن الاما شديدة حتى يتعودن على لبسه وغالبا ما يتساقط الشعر الكثير من قمم رؤؤسهن ويقول ان من الامور التى يصعب تصديقها انهن ينمن فعلا وعماماتهن على رؤوسهن وهن يستعملن وسادات لاسناد الراس عليها . وليس هناك مصدر تاريخي معتمد حول زمان استخدام العمامة الكردية، وما إذا كانت جاءت الى كردستان اثناء فتحها من قبل المسلمين الاوائل، ام انها جاءت بعد ذلك، وهناك من يعتقد ان هذه العمامة كانت شائعة في زمن انتشار الديانة الزرادشتية في كردستان قبل الاسلام، والارجح ان هذه العمامة انتشرت بفعل تأثيرات المناخ في المناطق الكردية التى تتصف طبيعتها الجغرافية بالبرودة الشديدة خصوصا في الشتاء، فهناك من يعتقد بأن استخدام العمامة كان لحماية الراس من البرد والحر معاً ، وليس لاسباب دينية معينة.
اما الحجاب السلامي الذي ترتديه النساء المسلمات اليوم فتمتد جذوره الى ايام الامبراطورية الاشورية (1250-600 ق.م ) فمن اللافت في تلك الفترة ان ظهور المراة كان نادراً. فإذا خرجت كان حجاب المراة يصنف الطبقة التى تنتمي اليها، فالملكة تلبس التاج، كالملكة اشورشرات، زوجة الملك اشور بانيبال، اما الوصيفات وحاشية الملكات فكن يبدين مجردات من زينة الشعر ويكتفين بتصفيفة مألوفة لشعرهن. اما النسوة الاحرار فكن يرتدين عباءة تسفر عن الوجه فقط، وذلك عند الخروج الى الشارع، فيما فرض على الاماء السفور، لتمييزهن عن النسوة من الحرائر. لذلك يمكن القول ان وظيفة الحجاب في تلك الفترة كانت بغرض التصنيف الطبقي للنساء ، ويحدد القانون الاشوري اهمية الحجاب الذي كان مثار مزيد من البحث، ويفسره بانه العلامة المميزة للمراة الحرة، وان من واجب اي فرد يصادف رقيقة او عاهرة ترتدي الحجاب ان يفضحها . ولنفس الاسباب المشار اليها اعلاه فرض الحجاب على المراة المسلمة، الا وهي لغرض التمييز الطبقي بين السيدات و الاماء، ففي الاسلام كانت النساء، في عهد النبي والخلفاء الراشدين، سافرات الوجه والكفين، على طريقة نساء الارياف في العالم العربي. وقد ظلت المراة على ذلك زمنا غير قصير حتى الفتح الاسلامي، حيث غرقت البلاد بأعداد كبيرة من الرقيق وبخاصة الجواري، الذين تحولوا الى تجارة مربحة تدر ثروات طائلة، والتى هي في الحقيقة حتمية من نتائج الفتوحات الاسلامية، التى حصل بموجبها المسلمون على غنائم كبيرة ومتنوعة، من بينها الآف الرقيق من العبيد والجواري، الذين استخدموهم في مجالات عديدة غيرت كثيراً من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وبخاصة العلاقة مع النساء وخصوصاً الحرائر منهن. وقد ترتب على انتشار الرقيق والجواري والغلمان ان حدث فصل تام بين الحرة وغيرها للحفاظ على حصانتها ومنزلتها الاجتماعية، لان الجارية( الامة) لا تعد محصنة من قبل سيدها فلا يقع عليها طلاق ولا يطبق عليها حد الزنى.....
ويبدو ان الحجاب قد انتشر منذ العهد الاموي، ولكنه كان محصوراً بالحرائر من الطبقة العليا. وبمرور الزمن، قلدت الطبقات الاخرى الطبقة العليا، ومن الملاحظ انه كلما كثرت الجواري، اصبح الحجاب رمزا للمراة الحرة، في جميع الطبقات ، واستمر ارتداء الحجاب من قبل النساء المسلمات لعدة قرون متتالية طالما كان هناك استمرار لذلك التمايز الطبقي بين الحرة والجارية، وبزوال الامبراطورية العثمانية زال معها اخر شكل من اشكال العبودية القديمة المتمثلة بامتلاك الغلمان والجواري، لكن بقى ارتداء الحجاب مستمراً لعدة عقود من الزمن بسبب بقاء المراة منعزلة في البيت وبعيدة عن الحياة العامة وترجع اسباب ذلك الى الامية والتخلف والفقر الذي خلفه الحكم العثماني لشعوب المنطقة، ولكن مع بدايات القرن العشرين طالب العديد من المفكرين الاصلاحين امثال قاسم امين في مصر والشاعر جميل صدقي الزهاوي في العراق بنزع الحجاب والمناداة بسفور المراة، كذلك اعتبر بعض الاصلاحيين الاسلاميين امثال محمد عبدة بان الحجاب عادة اجتماعية وليس فريضة اسلامية، كذلك طالبوا بخروج المراة للعمل واهمية تعليمها لتاخذ مكانها في المجتمع، وفعلا ازادت نسبة النساء المتعلمات والعاملات عقد بعد عقد، حتى وصلت نسبة الامية لكلا الجنسين في العراق عام 1984 الى 10% فقط ، وكيف انعكس ذلك على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للنساء بل حتى على نوعية الازياء التى كانت ترتديها النساء، فلا نجد في صور النساء العربيات والشرقيات بما فيهن الكورديات والتى تعود الى عقد الستينات والسبعينات والثمانيات من القرن الماضي اي مظهر للحجاب بينهن، ورغم ذلك كن مسلمات وكن يمارسن فريضة الصوم وغيرها من الفرائض الاسلامية، وما ظاهرة ربط الحجاب بشهر رمضان إلا احد افرازات الاسلام السياسي الذي اخذ يؤثر على العديد من مفاصل حياتنا الاجتماعية وهويتنا الانسانية التى باتت تحيا صراع العودة للماضي الدخيل (المتمثل بدعوات الاسلام السياسي الكردستاني) او الانتماء للحاضر بكل نكساته وخذلانه للاحلام المرجوة، ذلك الصراع الذي يظهر للعيان بمظاهر مليئة بتناقض الماضي والحاضر، كظاهرة ارتداء الحجاب الاسلامي مع الجينز الامريكي في شهر رمضان من عام 2016.
ــــــــــــــــــــــ
*سون: الميجر سون ( 1881-1923) رحالة بريطاني زار كردستان عام 1909
المصادر:
1-ابراهيم الحيديري، النظام الابوي واشكالية الجنس عند العرب.
2-د.ايوب ابو دية، الحجاب في التاريخ
3-الدكتور بدرخان السندي، المجتمع الكردي في المنظور الاستشراقي
4-جورج كونتينو، سليم طه التكريتي وبرهان عبد التكريتي، الحياة اليومية في بلاد بابل واشور.
5- التعليم في العراق، ويكيبيديا ar.m.wikipedia.org
6-شيرزاد شيخاني، العمامة الكردية لم يعد لها وجود إلا في الكليبات الغنائية، http://archive.aawsat.com