هيلاري كلينتون, أنجلينا ميركل,وعائشة الحرة



جمانة زريق
2016 / 6 / 17

يشهد العالم هذه الأيام المعارك الانتخابية الأمريكية بين السيدة هيلاري كلينتون والسيد دونالد ترامب. فكلاهما يتنافسان للوصول لمنصب الرئيس في الولايات المتحدة. ولعل أطرف ما في هذه القصة أن أغلب مؤيدي السيدة هيلاري كلينتون والراغبين بفوزها هم من المسلمين بشكل عام, والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة بشكل خاص.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لما يرغب المسلمون حول العالم أن تحكم إمرأة الولايات المتحدة, وهي أقوى دول العالم. أليس غريبا أن يحبذ بعض المسلمين فوز كلينتون في الوقت الذي لايثقون فيه بقدرة المرأة في المجتمع الإسلامي على قيادة سيارتها.
طبعا, الجواب على هكذا سؤال سيكون أن هيلاري كلينتون تبدو عقلانية و متفهمة أكثر من دونالد ترامب, وهو من أعلن العداء للعرب الذين يملكون أكبر احتياطي للنفط في العالم, والمسلمين المنتشرين في الولايات المتحدة و أوروبا والشرق الأوسط وباقي دول العالم. فشخص متطرف ومجنون كدونالد ترامب لا شك أنه لايصلح أن يكون رأيسا للولايات المتحدة في نظر الكثيرين من العرب والمسلمين. وخصوصا بعدما عرف الكثيرون النتائج الكارثية من حكم المجانين والمتطرفين أمثال جورج بوش. إذا فرغبة المسلمين و العرب فوز هلاري كلينتون هي رغبة عقلانية وواقعية جدا. فلماذا إذا يتم إبعاد المرأة عن المراكز المؤثرة في الحكم في الدول العربية والإسلامية, إذا كانوا يعلمون أنها كثيرا ما تكون أكثر حكمة من بعض الرجال الذين يستلمون مناصبا لا يصلحون لها. حيث لم نشهد في دولنا العربية يوما رئيسة للوزراء, أو وزيرة للاقتصاد. فغالبا ما تعطى المرأة بعض الوزارت الهامشية ذات التأثير الضعيف. وللأسف يتجاهل الكثيرون أنه ما من مجتمع يمكن أن يتقدم وقد أبعد المرأة عن مفاصل الدولة و الحياة.
ولعل أولى الدول التي أدركت هذا الموضوع هي بريطانيا أيام الحرب العالمية الأولى. لقد أدرك البريطانيون أنهم لن يستطيعوا الانتصار في الحرب إلا بمساعدة النساء. فالنساء لعبن أيامها دورا لايستهان به. فبعد أن كانت المرأة لا تملك حق الانتخاب, وإذا بالدولة تستنجد بالنساء ليشغلن مراكز الرجال الذين كانوا يقاتلون على الجبهات. فأخذت الكثيرات من النساء يتطوعن للعمل في مصانع السلاح ويشغلن المراكز المهمة في الدولة لمساعدة بريطانيا على النصر. عندها فقط أدرك البريطانيون أنهم يجب أن يجعلوا المرأة شريكة حقيقية لهم في الحكم. كما حذى الكثير من الدول الأوروبية حذو بريطانيا. وكثيرا ما تسلمت المرأة في أوروبا المناصب العليا في الدولة. كما هو الحال في ألمانيا,حيث تعتبر أنجلينا ميركل مثالا يحتذى به للحاكم, عندما دفعت بلادها باتجاه الرخاء و الرفاهية الاقتصادية, فبعد أن تسبب هتلر بتدمير بلاده وجذب كل دول العالم لمحاربته , حيث بقيت ألمانيا لفترة كبيرة من الزمن في وضع اقتصادي سيء. جاءت هذه المرأة المتواضعة و الذكية لتعيد لألمانيا الاستقرار من جديد.
وعندما نبحث في التاريخ العربي الإسلامي نجد الكثيرات من النساء اللاتي كن جديرات بالحكم الفعلي للبلاد بدلا من أولادهن أو أزواجهن. فمثلا ألم تكن عائشة الحرة,أم أبوعبد الله الصغير آخر أمراء الأندلس, أجدر بالحكم من ولدها الذي أضاع مجد العرب والمسلمين هناك. ألم تكن هذه المرأة وراء حث ابنها على قتال الأعداء, أليست هي التي قالت لإبنها وهي تؤنبه على ضياع حكم المسلمين في الأندلس "إبك الآن كالنساء, ملكا لم تستطع حفظه مثل الرجال". لقد استطاعت هذه المرأة حفظ غرناطة لفترة كبيرة من الزمن, وكانت وراء ثبات الغرناطيين ضد أعدائهم.كانت تستنهض روح المقاومة لدى ابنها.وقد حظيت هذه المرأة بشهرة كبيرة في إسبانيا, حيث ألفت حول شجاعتها الأساطير. أما في كتب التاريخ لدينا فلا تكاد تذكر. اذا فأحيانا يكون وجود المرأة في مراكز مهمة في الدولة هو لحمايتها من السقوط كما حدث في مملكة غرناطة أو لحماية مصالحها و إبعاد المجانين والمتطرفين عنها كما يحدث الان في الولايات المتحدة الأمريكية.
أخيرا يمكن القول أن الغرب ما كان له أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم لولا مشاركة المرأة للرجل في مفاصل الحكم,حيث أصبحت المرأة شريكة حقيقية للرجل في اتخاذ القرارات المهمة في الدولة, ولم يكن أبدا وجودها وجودا مزيفا من أجل المظهر العام كما يحدث في بعض الدول العربية و الإسلامية, فالمجتمع الذي لا تشارك به المرأة بشكل حقيقي و فعال في مراكز الدولة المختلفة,هو في الحقيقة مجتمع أعرج لا يمكن له أن يدخل في سباق مع أي مجتمع آخر, لأن الهزيمة ستكون بانتظاره حينها.