التشريع بيد نساء سورية.. فهل من أمل..؟



إيمان أحمد ونوس
2016 / 6 / 18



ليس غريباً على المرأة السورية أن تصل لمنصب رئاسة السلطة التشريعية، وأن تُمثّل الحالة الفريدة والوحيدة في المنطقة العربية. فلقد كانت أول امرأة تحصل على حق التصويت ومن ثم الترشّح منتصف القرن الماضي، ومن ثم توالت في الصعود قدماً نحو مستقبل صنعته بدأبها وإصرارها وعنفوانها الذي أهّلها للوصول إلى مناصب قيادية ومراتب علمية تليق بها حقيقةً، أو ليست سليلة إمبراطورات أمثال جوليا دومنا وأخواتها، وملكات اعتلين العروش كزنوبيا..؟ أليست حفيدة مريانا المراش أول سيدة عربية تكتب المقالات الصحفية عام(1870)، وكذلك الرائدات اللواتي اقتحمن الحياة العامة، وناضلن كثيراً لإسماع صوت المرأة، عبر مشاركتهن في الحياة العامة والسياسية مُخلّفات بصمة واضحة لا يمكن إنكارها، أمثال لبيبة هاشم التي أصدرت عام(1906) مجلة (فتاة الشرق) وتبعتها ماري عجمي التي كانت أوّل امرأة رفعت شعار المقاومة النسائية ضدّ العثمانيين وأصدرت أول صحيفة نسائية عرفتها دمشق هي(العروس) عام(1910) وتابعت رائدات النضال الوطني تصديهن للظلم الذي فرضته السلطنة العثمانية عبر جمعيات ذات أهداف نضالية وتنويرية كجمعية يقظة الفتاة العربية عام(1915)، وكذلك نازك العابد التي أسست جمعية نسوية ومدرسة للفتيات حملتا اسم (نور الفيحاء)
وما دمنا نتحدث عن وصول أوّل امرأة سورية لرئاسة مجلس الشعب، فلا بدّ لنا أن نتذكّر رائدة العمل النسائي في سورية ” ثريا الحافظ” صاحبة أول منتدى أدبي في الشرق مثلما هي أول سورية ترشّح نفسها للانتخابات عام(1935) ولذا، استطاعت المرأة أن تكون فاعلة، وأن تقلب موازين المعادلة السياسية في انتخابات العام(1945) بسعيها للوصول إلى المرشّح الذي يدعم تحررها ومشاركتها في الحياة السياسية، حيث وقفت الناخبات السوريات مع قائمة خالد العظم وخالد بكداش، وكانت النتيجة أن فازا بالانتخابات بسبب تأييد النساء لهما.
لقد مُنحت المرأة السورية حق الانتخاب عام(1949) شرط أن تكون متزوجة ومتعلمة، لكن دستور(1950) منح جميع النساء حق الانتخاب، وتمّ في العام(1954) منح المرأة حق الترشّح، إلاّ أنه لم تدخل أي امرأة إلى البرلمان السوري إلاّ بعد انتخابات(1973) حين دخلت(5) نساء إلى البرلمان من أصل(186) واستقرّ تمثيل المرأة على قوائم الجبهة الوطنية التقدمية بنحو(12%) أي حوالي(30) مقعداً من أصل(250) حتى وقتنا هذا. إلاّ أنه تجدر الإشارة إلى أن المرأة السورية قد وصلت للبرلمان زمن الوحدة ما بين سورية ومصر، ولكن عبر قرار سياسي محض من السلطات العليا، إذ كان في عداد ممثلي القطر السوري سيدتان هما جيهان الموصلي ووداد هارون.
واليوم، ونحن ننظر في وضع المرأة السورية في عهود مضت، لا يمكننا إلاّ أن نقارنها بما وصلت إليه المرأة اليوم سواء في المكانة العلمية والقيادية التي تشغلها، أو مدى فاعلية حضورها وتأثيره في الحياة العامة أو حتى الخاصة، وذلك بسبب التراجع الكبير لوضع المرأة في المجتمع، ودور الحركات النسائية المعاصرة لأسباب ذاتية وموضوعية تتركّز في نقاط أساسية أهمها:
- تردي نظرة المجتمع للمرأة ومحاولة حصرها في أداورها التقليدية والنمطية، وبالتالي انكفاء غالبية النساء على أنفسهن، وقناعة الكثيرات بأنهن ما خلقن للعمل السياسي.
- عدم وجود قانون جمعيات عصري وعملي يواكب المتغيّرات الحاصلة سواء على وضع المرأة، أو على مستوى المجتمع ككل، وهذا ما انعكس سلباً على الحركة النسائية، وبالتالي افتقارها لآليات وأساليب الضغط اللازمة لتحقيق الحد الأدنى من مطالب النساء.
- ضعف أو انعدام التواصل والتنسيق بين هذه الحركات وجماهير النساء، لاسيما على المستوى الشعبي، مما جعل غالبية النساء لا تميّز بين تلك الحركات وباقي التنظيمات الشعبية والأهلية الأخرى، وربما لا تعلم بوجودها.
- سيطرة القرار السياسي على هذه الحركات وتقييد آلية عملها في إطار محدد، مما جعلها في نظر المجتمع من جهة منظمات سياسية غير محبّذ العمل معها أو الاقتراب منها، ومن جهة أخرى وأهم أنه أفقدها دورها الفعلي في مسألة التنوير والتثقيف والمطالبة الجادة بحقوق النساء، مكتفية بتقديم التقارير والتوصيات، وبالتالي عدم تمكّنها من تأهيل كوادر نسائية قوية تصل لمراكز صنع القرار.
إن هذه العوامل مجتمعة أدّت للانكفاء والاكتفاء بحضور صوري للمرأة في الحياة السياسية ومراكز صنع القرار عبر مبدأ الكوتا النسائية القائم على النسبية والمحاصصة، والبعيد في ذات الوقت عن وصول كوادر نسائية كفوءة ومؤهّلة للقيام بواجبها نحو النساء بفاعلية وحيوية حقيقية ترتقي وتصل بهنّ إلى حقوقهنّ التي أهدرتها القيم الدينية والاجتماعية المتخلّفة، وهذا ما حدا بمجلس الشعب في دور تشريعي سابق إلى رفض مناقشة تعديل قانون الجنسية بما يسمح للمرأة السورية منح جنسيتها لأبنائها من أب غير سوري، وكذلك محاولة بعض أعضاء اللجنة المكلفة بدراسة القوانين التمييزية ضدّ المرأة (وبعضهم نساء)عرقلة ورفض تعديل بعض القوانين الجائرة بحق المرأة، مما يجعلنا اليوم ونحن في غمرة وصول أول امرأة لمنصب رئيس مجلس الشعب أن نُحيي الأمل في نفوسنا، وإن كان ما زال واهياً، لنضع كل آمالنا وأحلامنا كنساء بأن تكون هذه الحالة الفريدة، فريدة حقاً وبفاعلية، ونقلة نوعية إيجابية في مختلف مجالات الحياة، باعتبار المرأة واهبة وصانعة الحياة والأجيال، وأن تغدو كل تلك المطالب في حيّز الواقع العملي والرؤية الصائبة والمُنصفة من أجل وصول المرأة السورية إلى حقوقها كاملة، لاسيما وأنها بعد سنوات خمس من حرب أتت على كل شيء، وتركتها وحيدة وعارية إلاّ من إصرارها وعزيمتها للوقوف بصبر لا مثيل له من أجل أن تستمر الحياة، وأن تعود سورية لعموم أبنائها بلداً علمانياً ديمقراطياً رائداً في كل المجالات، لاسيما فيما يخص النساء كسابق عهدها.

المرجع:

- المرأة السورية بين الواقع والطموح- مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية
- المرأة السورية ومجلس الشعب- المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي.