الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح1



عباس علي العلي
2016 / 6 / 19

الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح1


أبتدأ وقبل الدخول في البحث والغوص بتفاصيل موضوع الحجاب لا بد أن ننوه إلى أن قضية الحرية للإنسان لا تتجزأ ولا يمكن أن يكون الإنسان حرا ما لم يكن حرا في كله وليس في بعضه، حرية الرجل مع أستعباد المرأة والانتقاص من إنسانيتها هو عين العبودية، وتحرير المرأة من إرادتها الخاصة قهر أضافي يسلب الحرية معناها السامي، عندما نريد للمرأة أن تتحرر لا يعني أن نمنحها ما لا تستحق ولا نمنعها ما تستحق، الحجاب ثقافة مجتمع وطراز أجتماعي متعلق بقيم أخلاقية ذاتية لا علاقة للدين بفرضه أو منعه، ولا موجب لإقحام الرب في مسألة بينية خاصة بالبشر ونجعلها شرط للحرية أو قيمة للإيمان بالله.
النقطة الثانية والأهم من غيرها أننا لا ندع إلى التمسك بالحجاب كزي تراكمت الثقافة المجتمعية والرغبة الذاتية في صياغته، كما لا ندع أحدا أن يرفضه على أساس ارتباطه المزعوم بالدين أو نتاج القيم الأخلاقية، موقفنا من الحجاب بعد أن نستعرض حقيقة وجوده والعوامل التي ساهمت وساعدت في أكتسابه الشرعية الأجتماعية، هو أن نبرئ النص الديني من كل ما ربطه العقل الديني المتزمت من قراءات خادعة له، وجعل الحرية الشخصية للمرأة مقابل الإيمان وعليها الخيار أما حجاب مع أي شكل من أشكال الإيمان ولو كان زائفا ولا أخلاقيا، أو التخلي عنه مع تجريدها من قيم الدين وسمات الأخلاق حتى لو كانت في أعلى القمم فيهما.
عندما تختل القيم الفكرية والروحية الناظمة للمجتمع تختل تبعا لذلك موازين الحقوق والواجبات، بل تختل حتى فكرة كيف لنا أن نعيش معا ونعمل معا ونكون معا، المرأة وبسبب أنانية القائد الديني الأعتباطي الذي فرض قوانينه على الدين والمجتمع والقيم تحول لجلاد للمجتمع، وخاصة تلك الحلقة الجميلة والحيوية فيه، والتي تقهره وتكسر إرادته الأنانية وأعني بها المرأة الحرة التي تتواءم مع قوة الطبيعة وشكليتها الجميلة، فصار لزاما عليه أن يطوعها ويذلها وينتقص منها ليس بعنوانه الشخصي، بل بما يملك من سلطة منحها الجهل بالدين والعرف الأجتماعي اللا متوازن وفاقد الوعي بحقه، ليكون القاهر المستبد والمستلذ بسادية حقيرة لينصب نفسه قيما عليها، بل لينصب نفسه قيما على الحياة كلها ويلونها باللون القاتم الموحش الذي يناسب مرضه النفسي.
الحجاب في الأخر ومنذ البدء هو زي يحترم خصوصية المرأة وأيضا يعكس قيم التفكير النمطية التي يرغب المجتمع أن يرى فيها أعضاءه، وأيضا مرة أخرى يعط إنطباعا عن تأثر الفرد الأجتماعي بالبيئة التي يعيش فيها ويستجيب بتناغم مع متطلباتها دون أن يختار مجبرا ما لا يناسب الظرف الحولي، وبناء على فكرة دينية نشأت وأنتقلت وتناقلت محملة بكم هائل من التطورات والأفكار الخاصة والعامة، الحجاب نعود ونكرر ثقافة إنعكاسية للسائد من الأفكار فقط وليس لها علاقة من حيث المصدرية بالدين الذي هو خطاب عقلي إرشادية تخييري ليس فيه قوانين تتعلق بالكيفية التي تظهر إيماننا به أو يكشف قدرتنا على الإلتزام به.
المشكلة التي لم تحسم لليوم داخل العقل الديني ومع كثير من المفردات الفكرية والمفاهيم والمصطلحات الأخرى، هي عدم الأخذ الحقيقي بالمقاصد المعنوية للنصوص من الأبنية اللغوية لها، أي أن المفسر والمتأول عندما يريد أن يبحث عن قضية فكرية أو عقائدية لا يلزم نفسه بقانون منطقي موحد ومنهج عملي واحد على كافة القضايا كي يكون علميا وعمليا في قراءته، فهو بالغالب يؤمن بمظهرية النص وملتزم بالظاهر اللغوي وحين يعجز في أن يطبق ذلك كقانون على قضايا أخرى يرجع إلى الأحتمال والتعلل والبحث عن مبررات داخل البناء اللفظي، دون أن يعترف أن اللغة كما يفهمها تستوعب الكثير من أوجه المعنى وبالتالي فالظاهر وحده لا يكفي للبحث عن المقاصد الخاصة للنص.
في قضية الحجاب يبني كل فكرته بالالتزام به على مجموعة كبيرة من النصوص التي ترد فيها كلمة حجاب، ويبني على مجرد وجود هذه الكلمة في النص الديني على مبدأ لزوميته والتأكيد والتشديد على التقيد بهذا الحكم الذي لا أساس له في النص لكنه موجود وبشده في عقله المنساق خلف أنانية ذكورية استشعارية مثارة، كما في الكثير من المفاهيم الشبقية التي يثيرها مستندا إلى تأويلات منحرفة للنص ويعلقها بالمرأة وكأنها محل إثارة وتفريغ للشهوات ويسلبها حتى مجرد جعلها مؤمنة كما جعلها الله وقارن بينها وبين الرجل المؤمن، لدينا الكثير من الأفكار المبنية على هذا التفكير الناقص عندما يقف مخذولا عن جواب لسؤال قديم، إذا كان الرجل المؤمن له جائزة اخروية نتيجة إيمانه بالله متمثلة بالحور العين، ما هي جائزة المرأة المؤمنة في الاخرة إذا لم يكن زوجها مثلا مؤمنا يرافقها الجنة أو لم تتزوج أصلا.
هذا المثال يظهر إنحراف التفكير السوي لدى الغالبية العظمى ممن تصدر وظيفة التفسير والتشريع بناء على سلطة التفسير والتأويل وهم مجموعة الفقهاء والمجتهدين، يظن الكثير منهم إن توهين المرأة والحط من قيمتها الأجتماعية والإنسانية رهين بسلامة إيمانها وحلا ناجحا لمسألة الطموح الذاتي الإنساني لديها بأن تحترم كإنسان ندا للرجل ومساوي لها في القيمة، لقد أبتدع الفقيه أول مرة مسألة الخلط بين القيامة والقوامة والقيمومية والتي تعني في الأولى والثانية شرطية التمام في تولي المسئولية كالقيام للصلاة والرجال قوامون على النساء، وفي الثالثة التي تعني تولي القادر على الغير قادر أو القوي على الضعيف كقيمومة الولي على القاصر الجسدي أو العقلي، وجعل المفردتين تحت عنوان واحد.