الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح3



عباس علي العلي
2016 / 6 / 19

بالمجمل وبدون الدخول بتفاصيل أخرى يتضح لنا أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها المسلم اليوم كملقي للأحكام الربانية بالواسطة المتعددة من أشخاص ومناهج وأليات، تتمحور بالخلط العشوائي بين النص ككيان ثابت والحكم كمتغير متطور مستجيب ومنفعل بالزمن، وليس هذا هو عموم المشكل وننسى هذا التداخل بين الذاتي والموضعي، بين إرادة الله في التجربة مع البشر وبين طريقة إدارة التجربة منهم فحسب، بل بطغيان الرأي والهم والإسقاط الذاتي على ما يجب ان يكون وفقا لفكرة الدين الأساسية، حين يتبنى العقل الديني التجربة دون أن يخضعها للهدف والغاية منها ويخوض فيها بشروطه وألياته وفكرته الخاصة، تتحول التجربة من إطارها العام الإنساني الكلي إلى مخاض لفكرة محدودة في زمانها ومكانها ولكنها تستمد شرعية بقائها لأنها ولدت داخل بيت الدين.
إذن التحريف مورس علنا وواقعا وبوسائل تقليدية تتكرر في كل مرة مع أي تجربة دينية جديدة لاسيما لو فرقنا التحريف إلى نوعين لفظي وفكري، وحسب مقتضيات التكوين والقدرة على ذلك من قبل الإنسان مع صراحة النص الديني وأعترافه بذلك في أكثر من موضع وفي أكثر من حال، من الصعب على الكثيرين برغم المحاولات العديدة للإساءة للنص من خلاف تحريف البناء اللغوي خاصة مع جزم أكيد وراد في القرآن كوعد رباني في منع التحريف في النص لغويا، لكن من المؤكد أن التحريف والتخريب الفكري أسهل على من يسعى له لمجرد أنه يتقمص روح القديس وشكل العارف ليعبث بالنص ويجره لغير ما كان يراد به أصلا.
من هنا أستطاع العقل الديني تحويل عملية الإرشاد القيمي الأخلاقي حسب مسئولية ووظيفة النبي في القيادة الاجتماعية المتطورة مع تجديد أطر الحياة مع الإسلام الضيف الجديد على الواقع العرباني، وإعادة طرح المفاهيم الأخلاقية وتوصيفاتها في مجتمع التحول في صدر الإسلام المنبثقة من قاعدة (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، إلى تشريعات عقائدية ليس بالضرورة أن تكون كذلك ويمكن ممارستها بذات المنهج الأصلي القيمي دون أن نقحم الدين الذي فيه تجرد عال من الزمان والمكان والحال المحدود في بيئة قريش أو المدينة مثلا ليكون واعظا في غير محله، هناك مجتمعات لديها قيم وأخلاقيات متقدمة حتى على ما طرح تناسبا مع واقع الجزيرة وحسب علاقة القيم بالبيئة والثقافة المحلية، فليس من المنطق والعدل أن نعيد بنائها في تلك المجتمعات التي دخلت الإسلام لتلائم مثلا مزاج الديني الذي يعيش بيئة مكة أو المدينة أو نجد والحجاز.
خلاصة القول في قضية الحجاب التي صارت اليوم محل مزايدات بين الديني الذي لا يرى من الحقيقة سوى ثوبها الأسود الذي يكفي لتغطية ما يمكن من إنحراف وفساد في الواقع البشري ليتظاهر أمام مؤيديه بأنه الحارس على القيم والأخلاقيات، وبين من يرى أن التحرر من الشكليات والمظاهر التي فرضت قسرا هو الطريق الأمثل لإنقاذ الإنسانية من وحل الخطيئة المزمنة، كلا الطرفين غارق في تغيب إرادة الله منا من خلال ما قاله في النصوص، الله لا يريد مجتمع فاسد في ذاتيته وفي تفاصيله الداخلية ومحجب ومتق في شكله الخارجي، كما لا يدع إلى تجريد المجتمعات من قيمها المنتجة من حاجاتها وتجاربها وبيئاتها والثقافة الإنسانية طالما أنها لا تعرقل خيار الإنسان في أن يكون عقلانيا متحررا من الغرور ومتخليا عن الإفساد الذي يجره بلا وع لأن يكون خارج حركة الزمن.
الحجاب المعروف اليوم فرضته ظروف اجتماعية وثقافة سلفية تعتمد على قراءات متشددة للنص الديني دون أن يخضع لحوار اجتماعي مسئول، هذا لا يعني قطعا أننا ضد المرأة التي تختار الحجاب أيا كان شكله أو ميزته طالما كان قرارا حرا، إشكاليتنا في فرضه على أنه علامة تقوى ودليل إيمان لأن ما يلحق الإيمان من مظاهر يشترط فيها ما يشترط في الإيمان أصلا وهو البلوغ والأختيار الحر والدافع الأخلاقي الذاتي، إن فرض الحجاب كما في فرض العبادات على الناس دون إقتناع ودون فهم لجوهرية العبادة أو الشعيرة يفقدها الهدف الأسمى والنتيجة المرجوة، كما يفقدها الأجر الرباني المرتجى ويتحول الإذعان لها طريقا مهيعا للرضوخ للعبودية وخاصة عبودية العادة الأجتماعية تحت ضغط الواقع المريض.