امرأة هشة ورجل عصابي



فريدة موسى
2016 / 6 / 19


أتصور أن مجتمعاتنا الشرقية المستغرقة في سبات عميق منقسمة على نفسها بين احترام المرأة الأم وإجلالها وبين انتهاك حقوق المرأة الزوجة، الحبيبة، الصديقة. ولعل ذلك الانقسام هو السمة العامة لكل ما يتعلق بالقيم التحررية والإنسانية، فالشعوب التي تتابع بشغف أخبار وفضائح المشاهير هي نفسها التي تهرع للتبرك بالأولياء الصالحين في كل مناسبة. المرأة ذلك الكائن الساقط من قيد الإنسانية في مجتمعات العالم الثالث هي التي تتحمل القاسم الأكبر من المسئوليات، بل إن صورة المرأة المعيلة التي تحمل على عاتقها مسئولية أسرة كاملة أضحت صورة منتشرة بشكل كبير، فهي تعمل لتتكسب رزقها أياً ما كانت مؤهلاتها العلمية، وأيضاً هي التي تشرف على تنظيم الشئون المالية والإدارية للعائلة. ولا يمكننا أن نغفل دورها في تربية الأطفال الذي تبذل فيه عمرها بأكمله. ولأن تلك المجتمعات تؤسس وترسخ فكرة تبعية المرأة لرجل فإن المجتمع بأكمله ماكينة تفريخ نساء ضعيفات ذوات ملامح نفسية هشة ورجال عصابيين مشوَّهي الأفكار مرتعبين من فكرة ظهور المرأة على الساحة ومنافستها لهم في شتى مجالات الحياة العلمية والمعرفية. ولأن الاعتراف بالمرض هو أول خطوة في طريق العلاج لهذا يجب أن نعترف جميعاً أن نسبة كبيرة بشكل مرعب من رجال هذه المجتمعات لا يعترفون بحقوق النساء ولا يحترمون إنجازاتهن العملية، وبناء عليه في المقابل فإن نساء هذه المجتمعات يلجأن إلى مهادنة الرجال بُغية مواربة الباب أمام النزاع السلطوي المستتر بين الفريقين، فلا يتوقفن عن تملق الكائن الذكوري الأقوى بغية نوال رضاه والسير في ركابه لتستمر الحياة بهدوء، خاصة أن أي امرأة تفكر في السير ضد التيار والخروج من القطيع فإن المجتمع يلفظها ويكيل لها أبشع الاتهامات. واللافت في الأمر أن المرأة، برغم أن علاقتها بالرجل في تلك المجتمعات لم تعد رهن التبعية المادية، أصبحت تقتسم معه كل المسئوليات بل وتزيد عليه أحياناً، إلا أنها مازالت تؤثر البقاء في الظل، فـ«ظل رجل أفضل من ظل حائط»، حسب تلك المقولة المترسخة في قناعات العامة مهما اختلفت درجاتهم العلمية. ولعل أكثر الكائنات ظلماً لقضايا المرأة هي المرأة ذاتها. فتلك المرأة التي تعاني من خيانة أو قهر أو ظلم رجلها هي تلك التي تفتخر بقدرة أخيها أو ابنها على قهر وقمع امرأته، متوهمة أن ذلك سمة من سمات قوة الشكيمة ودليل على الرجولة وقوة السيطرة. وهكذا تستمر دورة الحياة، نساء يلدن نساء ويربيهن بنفس الطريقة العقيمة، فالولد هو صاحب الكلمة على أخته التي لو اعترضت لسمعت من أمها الكلمة التاريخية التي تتوارثها الأجيال (هو الرجل ويجب أن تمتثلي لرأيه فهو يعرف عن الحياة أكثر منك). ولسنا ندري لماذا أصبح الرجل يعرف عن الحياة أكثر؟! وما الدليل البيولوجي على كونه أكثر قدرة على الإلمام بخبايا الأمور؟! وكأن المرأة خُلقت بتصميم منقوص دوره فقط تسلية وإمتاع الرجل والمثول لطاعته دون مناقشة أو اعتراض. وبالطبع فإن بعض الموروثات الدينية المغلوطة لهذه المجتمعات تدعم تلك النظرية، فالنساء من ذلك المنظور ناقصات عقل ودين وخُلقن فقط للتسرية عن الرجل وإنجاب الأطفال وتولي مهام الطبخ والتنظيف وغيرها. وبينما المجتمعات الغربية المتقدمة تتغير سمات الحياة والعلوم والمعارف والتكنولوجيا فيها بسرعة الضوء مازلنا نحن تحت ركام أفكارنا المغلوطة ننتهك حقوق بعضنا البعض، بل نستعبد بعضنا البعض ونقتطع من الحياة نصفها الأجمل لنعتبره عورة وعاهة ونقيصة. المجتمعات المتقدمة تعتذر كل يوم للنساء عن أخطاء الماضي التي مورست ضدهن ونحن نتفنن في صنع قيود جديدة لقهر نسائنا وإعادتهن لظلام قبور الجهل. لماذا يخاف الرجال في المجتمعات المتخلفة من خروج النساء من القمقم؟! لعل السبب الرئيسي هو إحساسهم بأن تلك السلطة التي توارثوها جيلاً بعد جيل ستذوب في بوتقة الأفكار التقدمية الخلاقة التي تهدف للمساواة بين الجنسين على غرار المجتمعات المتقدمة التي أصبحت المرأة فيها تقود الشعوب اجتماعياً وعلمياً وفكرياً، تلك المجتمعات التي تعتبر المرأة ثروة قومية بينما نحن نعتبر صوتها ووجهها وجسدها وفكرها عورة يجب أن تستتر لأنها ما إن تظهر يظهر معها الشيطان، وكأن الشيطان ينقصه امرأة ليظهر.
وبين امرأة ضعيفة هشة تربت على تجرع القهر في صمت مخزٍ ورجل عصابي تربى على أفكار عنصرية فجة تنمو كل الأفكار الإرهابية غير الإنسانية لتأكل كل حلم وكل طموح مجتمعي يهدف إلى النهضة الشاملة وتخرج حاملة قبحها في مواجهة العالم محمولة على أعناق رايات الموت السوداء.