للأنثى حظّ الذكرينِ في نسبة النجاح في الباكالوريا ! (حالة المغرب)



حسن الزهراوي
2016 / 6 / 28

للأنثى حظّ الذكرينِ في نسبة النجاح في الباكالوريا !
(حالة المغرب)
حسن الزهراوي

يتساءل الكثير لماذا نسبةُ النّجاح في صفوفِ الإناث تفوق عادة نسبة النجاح في صُفوف الذكور ؟ وهو تساءل مشروع على كل حال والتساؤل يظل آلية طبيعية من آليات الكشف والبحث.
حسب البلاغ الصحفي الصادر عن الوزارة الوصيّة بلغت نسبة النجاح في صفوف الإناث في المغرب 48,69 في المائة، مقابل 39,69 في المائة لدى الذكور، سنحاول في هذه المقالة أن نقارب بعض الأسباب التي نراها وجيهة كمحاولة لتفسير وفهم بعض الجوانب التحليلية المرتبطة بالموضوع.
تعود في تقديري أسبابُ التفوق هذا إلى عواملَ متعدّدة ومتداخلة ومركّبة يمكن مقاربتها وإجمالها في الآتي:
الإناثُ عادة ما يكْدحْنَ ويتعبن ويشمّرن على ساعدِ الجدّ والاجتهاد الدؤوب، ويلتزمْن بأداءِ الواجب، طبعا حينما أتحدّثُ هنا عن الواجب يمكن أن أضيف حتى الأعمال المنزلية الشاقّة ولربّما الأعمال الخارجية أحيانا كما الشأن عند الفتيات القرويات الهامشيات، تستطيع بسهولة أن تميز ــ كإطار تربوي ــ في تصحيح أوراق الامتحانات الإشهادية بين ورقة الجنسين من حيث التنظيمُ وجماليةُ الخط وترتيب الأفكار و"أناقة" الورقة، رغمَ أنك لا تتعامل في الواقعِ إلاّ مع أرقام التشفير "les codes" دون الأسماء. باختصار؛ التفسير السوسيوثقافي والسيكوثقافي لتميّز الإناث في هذه السنة على غرار السنوات الدّراسية الماضية وفي أكثر من بلد (كونها ظاهرة عالمية وتفوق على أكثر من صعيد) يرجع في المقامِ الأوّل إلى كون الأنثى كائن مقهور مجتمعيا، يُمارَسُ عليها العَسَفُ والاضطهاد بشتى تلاوينه، والعنف بكل تشكلاته وتمظهراته (العنف الرمزي والمادي.. )، الأنثى في مجتمعاتنا المعطوبة تسعى دائما أمام هذا اللاتكافئ واللامساواة وهذا الميز القائم على أساس الجنس لـِـفرض نفسها كقوة فاعلة ومواطنة مسؤولة، تكدح وتتعب، تصل الليل بالنهار لتقول للمجتمع الذي يهدر كرامتها أيّها المجتمع أنا هنا، أنا موجودة قادرة أن أثبت ذاتي "وكينونتي المقهورة" رغم كل المتاريس والاكراهات التي تعرقل بها سيري ومساري وتقدمي بعاهاتك وتقاليدك.! والدارسة والتمدرس إحدى هذه السبل والمستويات والجوانب التي تسعى من خلالها للبرهنة على كينونتها وأنَوِيّـــتِهَا بكل تحدي وجسارة.
المجتمع لا ينصف المرأة، ولا يربيها بنفس المنطق الذي يربي الجنس الآخر، ولربما خاضت معارك "دونكشوطية" ماراطونية مع الأسرة كي تنزع حقها المقدس في متابعة دراستها ولاسيما في المناطق الشبه الحضرية والقروية حيث يتم تسجيل نسب كبيرة ومربكة في الهدر المدرسي والانقطاع عن الدراسة في صفوف الفتيات لانتشار الأمية وأسباب اقتصادية أخرى، ولذلك تسعى الأنثى دائما جاهدة لإثبات الذات كلما أتيحت لها الفرصة وفتح المجال أمامها، حتى بالمنطق الفيزيائي الميكانيكي (الكرة مثلا كلما مورس عليها الضغط وضربت بقوة مع الأرض إلا وكانت لها قوة معاكسة ومضادة في الاتجاه والقوة ). إذن الأمرُ مرتبط بالنسق السوسيوثقافي والحضاري العام الذي تعيش فيه الأنثى وتتحرك داخله، وشعارها أكون أو لا أكون. لو أردنا أن نقارب الموضوع في المستوى التربوي والبيداغوجي فإن جميع الفاعلين والمتدخلين في الحقل والنسق التربوي يؤكدون أن التلميذات أكثر انضباطا واتزانا وحضورا واحتراما وأداء لواجبهن، وأقل شغبا وأكثر شغفا بالمطالعة واعداد الواجبات المدرسية من فئة الذكور الذين يطغى على سلوكهم الصفي التربوي الإهمال والتهور وإنتاج العنف (العنف الأفقي بين التلاميذ ـ التلاميذ، والعنف مع باقي الأطر المتدخلة) وهذه حقيقة وواقع لا يتنازع عنه اثنان، وأتحدث هنا من موقع كوني مدرسا وفاعلا احتك بشكل يومي مع المتعلمات والمتعلمين، وأرصد مكامن الفرق بين الجنسين في الممارسة الصفية الديداكتيكية والاقبال على التمدرس. الاناث يستغلن جهد المستطاع أوقاتهن الذي يتواجدن فيه في المنزل ويستغلنه وقلما تجد متعلمة تأخرت في انجاز أنشطتها المنزلة القبلية الا في فيما ندر من الحالات القليلة جدا، في مقابل الذكور الذين يتواجدون في أغلب الأوقات خارج المنزل في التسكع وقتل الوقت فيما لا يجدي. طبعا مع عدم التعميم ، إذ الأخير ليس منهجا علميا دقيقا.
نتقاسم هذه المعطيات وهذه المؤشرات حتى مع تشكيلات مجتمعية أخرى؛ في المجتمع الايراني مثلا، والكلّ يعرفُ وضعية المرأة القهْرية في ولاية الفقيهِ، حتى نمط اللباس يُفرض عليها بشكل عمودي فوقي، ولا يحقّ لها أن تختار اختيارا حرّا ما تريده هي ــ والذات الإنسانية قائمة على مبدإ الاختيار الحرّــ الدراسات ولغة الأرقام تشير إلى أنه من مجموع ومجمل الحاصلين على رسالة الدكتوراه، 80 في المئة نسبتهم نساء، ولذلك الذين يهتمون بمستقبل الشأن الايراني يتوقعون أن تكون للمرأة الايرانية المكانة التي تستحقها في التغيرات التي ستمس الخريطة المجتمعية وستفرض نفسها كقوة ضاربة فاعلة في البنية السوسيولجية وفي مراكز القرار.
وقس على ذلك مالم يقل، ولذلك لا نستغرب إن وجدنا للأنثى حظ الذكرين في نسبة النجاح في امتحانات الباكالوريا وغير الباكالوريا، ما دمنا في مجتمع اقطاعي لا ينصف الأنثى بل يمارسُ عليها ألواناً وصنوفاً من التّمييز والحصار الثقافي ولا أحد يريد لها أن تفتح كتابا وتعانق ما فيه من حروف حتى لا تفتح عيونها فالرجل الشرقي يهاب المرأة الواعية المثقفة ويعتبرها شرا مستطيرا.