مكانة المرأة مؤشر مدى تقدم أو تخلف الأمم



ضياء الشكرجي
2016 / 7 / 3


ثقافة هيمنة الذكورة وقهر الأنوثة، ثقافة أصالة الذكورة وتبعية الأنوثة، ثقافة علوية الذكورة ودونية الأنوثة، هذه الثقافة الظالمة والمتخلفة، عانت منها الإنسانة، الفتاة، المرأة، عبر آلاف السنين، كرستها الأديان، ثم التقاليد، وروح الديكتاتورية الذكورية. فحتى الخالق تعرضه الأديان، وبما في ذلك الأديان الإبراهيمية الثلاثة منحازا كليا للرجل، فالمرأة خلقها من أجل الرجل، ولخدمة الرجل، ولمتعة الرجل. حتى العهد الجديد الذي وضع هدفا له في البداية نسخ الشريعة الموسوية وأحكامها الظالمة، أمر المرأة أن تطيع زوجها، مهما كلفتها الطاعة وأهانت إنسانيتها، كما أمر العبد أن يطيع سيده، مهما كلفته الطاعة وأهانت إنسانيته. وجاء القرآن ليهمش المرأة، فمثلا حواء، التي يفترض بها أنها الإنسان-الأنثى الأول، هذا الإنسان بصيغته الأنثوية خلق ثانيا بعد الإنسان الأصل، لاحقا له، وتابعا له، وغير مستقل عنه؛ حواء هذه التي يفترض حسب رواية الأديان الثلاثة هي الإنسان الثاني، لم يذكرها القرآن بالاسم، بل تكرر ذكرها تابعة ملحقة بآدم بذكر «آدم وزوجه»، أو «أنت وزوجك»، فآدم وحده الذي أسجد الله الملائكة له، وآدم وحده الذي علمه الله الأسماء كلها، وآدم وحده الذي تاب الله عليه، ثم نجد القرآن لا يخاطب النساء قط، عندما يريد ربهن منهن شيئا، بل كل الخطاب يجري في القرآن عبر الرجال، وكأن الرجل هو رسول الله المرسل إلى المرأة، وعبره يبلغها الله ما يريد منها فعله أو تركه. وجعل الرجل قوّاما عليها وجعل له درجة فوقها.
إن الأمم والشعوب، ولاسيما الشعوب ذات الأكثرية المسلمة، لا يمكن لها أن تنهض، وتتقدم وتتأنسن، ما لم تتحقق فيها مساواة المرأة بالرجل مساواة كلية بلا أي استثناء، وبلا أدنى «نعم ولكن». صحيح إن المساواة الكلية لم تتحقق بعد حتى في العالم الحر والمتقدم، لأن هذا الجزء من العالم ما زال هو الآخر لم ينفض عنه كل بقايا اللوثات العالقة به من تركة مجتمعات ثقافة أصالة وسيادة الذكورة، لكن هذا العالم، على أقل تقدير على صعيد الثقافة المجتمعية العامة، قد حقق خطوات كبيرة بهذا الاتجاه.
لا يمكن أن نخطو في مجتمعاتنا باتجاه تحرير المرأة ومساواتها، إلا عندما نستأصل أحكام الشريعة وتقاليد العشيرة، ليس فقط من قوانينا، بل من عقولنا.
وأتطلع بكل شوق إلى ثورة النساء في مجتعاتنا، وأن تضع المرأة الشرقية نهاية لاضطهادها، بل نهاية لمشاركتها في شرعنة هذا الاضطهاد لحريتها، والبخس لحقوقها، والاحتقار لإنسانيتها، وأن تضع نهاية لأن تكون هي نفسها أداة لإخضاع المرأة لديكتاتورية الرجل، والدين الرجولي، والفقه الرجولي، والعرف الرجولي، مبررة لنفسها ذلك، أنه يمثل إرادة الله المطاعة بلا سؤال، أو التسليم لأمر واقع لا تملك أن تتحداه وتغيره.
والرجل الذي لا يقر بمساواة المرأة له، ففي عقله لوثة، أو إنه بذلك من حيث لا يشعر إنما يحتقر نفسه، باحتقاره الإنسان-الأنثى، باحتقاره لأمه وأخته وزوجته وابنته، وبالتالي احتقاره لنفسه.
أما أشباه المثقفين، وأدعياء العلمانية، وأنصاف الليبراليين، في مجتمعاتنا، الذين لم يتحرروا من ازدواجيتهم، إذ يكتبون ليل نهار عن مساواة المرأة بالرجل، وما أن يدير واحدهم ظهره للمجتمع، ويتجاوز عتبة مملكته المستبد فيها بأمره، ويكون في بيته من غير رقيب، فهو عندها الطاغوت والديكتاتور والذكوري بامتياز، فيميز بين ابنه وابنته، ويعطي نموذجا سيئا لأولاده، في معاملته لزوجته، كونه الآمر الناهي، وهي المطيعة فيما يأمر وما ينهى، ولو في كثير من الأحيان مغلفا ديكتاتوريته الذكورية بمعاملة الحب واللطف والرقة، لكن مروِّضا زوجته وابنته على ان التمييز أمر طبيعي، كما إن كونه وابنه ذكرين، وكون زوجته وابنته أنثيين أمر طبيعي، أو إن ذلك التمييز يمثل إرادة الله، فـ «الرجال قوامون على النساء» حكم الله، و«للرجال عليهن درجة» إرادة الله.
ثوري لإنسانيتك وكرامتك، وحطمي الأوثان، ومزقي الحجاب والنقاب والبرقع والعباءة والچادر، وكوني إنسانة كما الرجل، وارفضي أن تكوني أنثى مملوكة للذكر، دون أن تتخلي عن اعتزازك بأنوثتكِ، على ألا يتقدم على اعتزازكِ بإنسانيتكِ.

ملاحظة: كنت قد كتبت المقالة ليوم المرأة العالمي، لكن فاتني أن أنشرها وقتئذ.