المرأة العانس، بين تقاليد بالية، وتحرر غير مبرر



ضياء رحيم محسن
2016 / 7 / 14

تشكل مسألة ارتفاع نسبة العنوسة والعزوف عن الزواج في العراق قضية رأي عام، خاصة مع ارتفاع معدلات الطلاق المعروضة أمام المحاكم، وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على العائلة العراقية والمجتمع ككل، من أجل ذلك ولضمان وجود أسرة متماسكة؛ يجب التفكير وبسرعة في إيجاد حلول ناجعة، نستطيع من خلالها التقليل من نسبة العنوسة والعزوف عن الزواج لدى الشباب، بالإضافة الى التقليل والحد من ظاهرة الطلاق للمتزوجين الجدد.
هناك أسباب عديدة للعنوسة، وهي لا تختلف كثير من بلد الى أخر، خاصة في الوطن العربي، وأغلب هذه الأسباب تدور حول الفقر والتعليم والإنفتاح الثقافي، ناهيك عن تراجع دور الدولة وتناقص دورها في دعم الأسرة إجتماعيا وإقتصاديا.
تبلغ نسبة العنوسة بين الشابات في العراق حوالي 75% من مجموع الشابات في سن الزواج، وبسبب عزوف الشباب عن الزواج بسبب الأوضاع الأمنية والإقتصادية في البلد، نجد كثير من الفتيات يحاولن إقامة علاقات مع الشباب بعيدا عن أنظار العائلة، في محاولة لجذب أنظار الشباب إليهن، من خلال نوعية اللبس والكيفية التي تظهر فيها أثناء خروجها مع الشاب، وهذه السلوكيات كانت الى فترة غير بعيدة مرفوضة في المجتمع العراقي، الذي يعتبر مجتمعا محافظا مقارنة ببقية المجتمعات العربية.
كانت للحروب التي خاضها النظام السابق والحصار الاقتصادي أثر كبير في ذلك، ذلك لأننا نجد وبحسب الإحصائيات المتوافرة على ندرتها، أن العراق فقد أكثر من مليون شاب، بالتالي فإننا أزاء مليون شابة فاتتها فرصة الزواج من فتى أحلامها، ثم جاء الحصار الاقتصادي الذي ألقى بظلاله على الحالة الاقتصادية لأفراد المجتمع، ومنع الشاب العراقي من مورد مالي يستطيع أن يبني فيه عائلة صغيرة، وقد تغير الحال بعد سقوط نظام صدام، حيث أخذ الشباب يفكرون في الزواج مرة أخرى، بعد أن حصل كثير منهم على فرص عمل؛ إستطاعوا أن يفتحوا من خلالها بيوتا عرفت الاستقرار وبحبوحة العيش.
المشكلة في عنوسة الفتيات لا تكمن في الأسباب التي ذكرناها أنفا، بل هناك أسباب تكون الشابة سببا رئيسا فيها، وبعضها تكون العائلة فيها، فما هي هذه الأسباب التي تكون الشابة سببا رئيسا في عنوستها؟ وما هي الأسباب التي تكون العائلة سببا في عنوسة الفتاة؟
للإجابة عن هذين السؤالين، يجب أولا النظر الى طبيعة العلاقة ما بين الرجل والمرأة، هل هي علاقة تكاملية، أم أن كلا منهما ينظر الى الأخر نظرة دونية.
في المجتمعات الشرقية ينظر الرجل الى المرأة نظرة دونية، بمعنى أنها عبارة عن وعاء يفرغ فيه شهواته والكبت الموجود فيه، بالإضافة الى أنه يقوم بإفراغ جميع المشاكل التي تحصل له في العمل على رأس زوجته؛ إلا بعض الشواذ عن هذه القاعدة وهي قليلة لا تكاد تذكر، في وقت نجد أن المرأة تنظر الى الرجل بأنه سيدها ومالك رقها، متى شاء أعتقها، وكلا الحالتين هي خطأ حتى من وجهة نظر الدين الإسلامي الحنيف، والذي كرم المرأة في آيات قرآنية عديدة، بالإضافة الى الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على حُسن معاشرة الرجل لزوجته.
من هنا ولكي تنفس عن ما تكنه في صدرها، إتجهت في بادئ الأمر الى الدراسة والتعليم، حيث نجد أن كثير من الفتيات متفوقات دراسيا، الأمر الذي تسلقن فيه الى أعلى الدرجات العلمية، أخذن ينافسن الرجل في مجالات عمل كانت حكرا عليه، لكن في ذات الوقت نجد أنهن أخذن ينفرن من الزواج بسبب عدم التوافق الفكري بين المرأة والرجل، خاصة إذا كانت المرأة أعلى منه علميا، بما يبعدها عنه، وتحاول وضع مواصفات لشريك العمر المستقبلي، ومع مرور الزمن والسنين بالنسبة للمرأة غيرها عن الرجل، أخذ سقف مطالبها ينخفض شيئا فشيئا، مع تناقص فرص العثور على زوج المستقبل، نحن هنا لسنا ضد طموح المرأة في التفوق علميا، لكن يجب المزاوجة بين الطموح الفكري والجسدي، لأن فسلجة جسم المرأة يختلف كثيرا عن الرجل، ذلك على المرأة التنازل قليلا عن بعض مطالبها في زوج المستقبل، بما يحفظ لها أنوثتها، وتتمكن من إنشاء عائلة وتربية جيل مثقف وواعي.
في المقابل نجد أن العائلة كانت هي أيضا تمثل الحجر العثرة أمام زواج الفتاة، حيث نجد الشروط التي تضعها العائلة بوجه من يتقدم للفتاة، من حيث المهر العالي والنسب والطائفة وغيرها من الأمور التي تجعل الشاب يُضرب عن الزواج، لأنه لا يستطيع أن يلبي جميع الشروط التي تضعها عائلة زوجة المستقبل.
وقريبا من هذا نجد أن الأسلوب التقليدي في الزواج، هو أسلوب عقيم لعدم توفر الفرصة المناسبة للشاب والشابة في التعرف على بعضهما، حيث نجد أن الشابة ليس لها أن تقرر فيما إذا كان المتقدم لخطبتها مناسبا لها أم لا، فما عليها سوى أن تقول نعم بعد أن توافق عليه العائلة، وبذلك فإن العائلة تظلم إبنتها في ذلك من غير أن تشعر، كما أن كثير من العوائل تحاول أن تجعل من الشابة سلعة تباع وتشترى، من خلال طلب المهر العالي، وإقامة حفل الزفاف في أرقى المطاعم والإقامة في أفخم الفنادق، وهو ما لا يستطيع الشاب أن يوفره، أو قد يوفره من خلال الإستدانة من هذا وذاك، بما يثقل كاهله وهو في بداية حياته الزوجية.
بعد كل ما تقدم، هل يمكن القبول بهذا الوضع الذي تمر به فتياتنا، بالتأكيد لا يمكن لأي عاقل أن يوافق على هذا الوضع، لأنه يعرض النسيج الاجتماعي للإنحلال، بالإضافة الى مشاكل إجتماعية لن تكون الدولة قادرة على حلها لو إستفحل الأمر، من هنا فإن من أهم المعالجات التي يجب الأخذ بها هي: ـ
1ـ ضرورة قيام الإعلام المرئي والمقروء بلعب دوره في التعريف بخطورة العنوسة على المجتمع والعائلة، والتطرق الى ضرورة التقليل من الشروط المجحفة التي يضعها أولياء أمور الشابات، لمن يتقدم لخطبة بناتهن.
2ـ وضع دراسات من قبل متخصصين في علم الاجتماع، لجعل قضية العنوسة قضية رأي عام، ومشكلة إجتماعية، وعمل حلقات دراسية للتعرف على مشاكل الشابات والشباب، والإستماع الى آرائهم؛ لأنهم معنيين أكثر من غيرهم بهذه المسألة.
3ـ إبعاد الشباب عن التفكير بالهجرة الى البلاد الأوربية، كونه ليس حلا للمشاكل التي يعانون منها، بل أن الهجرة قد تعني تراكم المشاكل وعدم القدرة على حلها، ما يضطرهم الى العودة محملين بمشاعر الخيبة، بما يزيد من الضغوط عليهم.
4، تقليل الطلبات من قبل أولياء الأمور: من خلال المنابر والخطب الدينية، والتذكير بالأحاديث النبوية الشريفة، التي تحض على أن يكون تزويج الفتيات بأقل المهور، ومن تقبلون دينه، وليس نسبه بعيدا عن تدينه.
5ـ إقامة حفلات الزواج الجماعي، في محاولة لكسر التفاوت الطبقي بين المتزوجين.
6ـ تقديم الرعاية النفسية والإجتماعية لهذه الفئة من الفتيات، خاصة تلك التي تتعرض الى مشاكل نفسية ومادية، وإيجاد مورد مادي مستقل يؤمن لها مستقبلها، بعيدا عن حاجتها للسؤال.
7ـ التعريف بضرورة الحث على الزواج المبكر للفتيات، والوقوف بشدة ضد محاولات بعض الجهات المغرضة لتحريمه، والدعوى الى مساواة الرجل بالمرأة، ومراقبة المسلسلات التي تعرض على الفضائيات، والتي تحرض على الفسق والفاحشة.