أصوات نسائية تنادي بمقاطعة النظام السياسي وأخرى تطالب بتشكيل حزب نسوي



محمد كريزم
2005 / 12 / 16

مع إقتراب موعد الإنتخابات التشريعية في فلسطين وما تمثله من قيمة بالغة الأثر على المجتمع، علت أصوات نسائية تطالب بمقاطعة الإنتخابات، فيما أخرى نادت بتشكيل حزب نسوي، بينما أكدت أصوات أخرى على أهمية المشاركة الفاعلة للنساء في كافة مجالات العمل السياسي والإجتماعي وضمان ديمومته.
وتباينت الأراء والمواقف النسائية خلال مؤتمر نظمته جمعية صوت المجتمع حول الرؤى الجديدة للمشاركة السياسية للمرأة.

مقاطعة النظام السياسي
الباحثة والناشطة النسوية دنيا الأمل إسماعيل طالبت النساء بقطع علاقتهن مع النظام السياسي ومؤسساته وأبنائه، والتخلص من الإزدواجية التي تخلق فجوة بين ما يحملونه من شعارات نسوية تنادي بالمساواة، ثم تقبل بما يمنحه هذا النظام من وجود باهت هنا وهناك، في لقاء أو لجنة أو ماشابه، مؤكدة أن التأثير الجدي على النظام السياسي وإجباره على تبني سياسات عادلة تضمن حقوق النساء وكرامتهن الإنسانية كمواطنة لها حقوق وعليها واجبات يتطلب مقاطعتهن للانتخابات التشريعية والبلدية كوسيلة ضغط فاعلة.
وسوغت إسماعيل هذه المطالبة بالمقاطعة لحقيقة مفادها أنه إذا إستطاعت المرأة أن تحقق بعض المكاسب الإجتماعية والقانونية، التي تكفل لها ضمان تحقيق مواطنتها الكاملة كعضو فاعل في المجتمع عبر نضالها الطويل، فإن هذا النضال كان من الممكن أن يكون أقصر زمنياً وأعمق من حيث المضمون والتنوع، في حالة كون النظام السياسي الفلسطيني كائناً تحقق بالفعل، يمكن الإستدلال على أركانه الأساسية الثابتة من حيث توفر قيم العدالة والديموقراطية بين كفتي ميزانه.
تشكيل حزب نسوي
و ترى خديجة حباشنة أبو على عضو الأمانة العامة للإتحاد العام للمرأة الفلسطينية أن النساء بحاجة لإعادة النظر في كل ما حولهن من آليات وأساليب متبعة والانطلاق نحو أشكال جديدة ومبتكرة للعمل مثل تنظيم حملات التأثير والضغط ذات الأهداف المحددة ( حملة لكل هدف )، وتكوين برلمان نسائي مواز بالمشاركة ولكن بمبادرة نسائية، والانطلاق نحو تشكيل حزب مبتكر للنساء أقرب لبنية الحركة اللولبية المفتوحة يعنى بالقضايا السياسية والثقافية والاجتماعية ضمن سلسلة أولويات مجتمعية متتالية.
وأشارت أبو علي إلى أن الاهتمام الدولي المتزايد بقضايا المرأة في العقود الأخيرة هو بداية الإدراك للأزمة التي يعيشها العالم في ظل غياب الرؤية النسوية، منوهة إلى أن العقلية الأبوية السلطوية ومنظومة المفاهيم التي تسير وفقها لا تزال رؤية حكومات رسمية فوقية بمفاهيمها القديمة، وإن أتاحت ضمن شروط محددة بقدر من الشفافية المضبوطة بإدماج روية المنظمات الأهلية، مما يجعل رؤية وممارسات هذه المنظمات قريبة من رؤية الحكومات، بل أن كثير من هذه المنظمات كما تقول بدأ يحمل نفس التشوهات الموجودة في النظام الحكومي، ويتحول إلى مراكز للوجاهة.
وأوضحت أبو علي أن مشاركة عدد قليل من النساء في مواقع القرار لن يكون كافياً لإدماج الرؤيا النسائية ، لأن منظومة مفاهيم الرؤيا التقليدية مهيمنة حتى على النساء أنفسهن، مشيرة في السياق ذاته إلى أن غالبية النساء اللواتي تمكن من الوصول إلى مواقع القرار ودوائر الضوء قد وقعن تحت تأثيرها لعدم قدرتهن على مقاومتها.
وأضافت أبو علي أن البعض يعتقد أن مسوغات مشاركة المرأة في العمل السياسي وفي مواقع صنع القرار، تنحصر في إنصاف النساء بالتمثيل في البرلمان، منوهة إلى أنه وإن كان هذا أحد المسوغات الهامة، بسبب النظرة النمطية السلبية بين غالبية من أعضاء البرلمان وأصحاب القرار، إلا أن المسوغ الأساسي لمشاركة المرأة بشكل مناسب في مواقع صنع القرار، هو إدماج النظرة النسوية لإعادة التوازن لسياسات وبرامج التنمية في البلاد بكافة أشكالها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والسياسية.
تأكيد المشاركة السياسية
من جهتها أكدت السيدة زينب الغنيمي رئيسة مركز شؤون المرأة على أهمية المشاركة السياسية للمرأة في صناعة القرار والتي تنطلق أساساً من حق المرأة الطبيعي بصفتها إنسان شريك في المجتمع مساواة بالرجل، مشددة في الوقت ذاته على أهمية تصويت النساء في جميع الإنتخابات، والمشاركة في صياغة السياسات وتنفيذها على كافة المستويات بإعتبارها تشغل نصف المجتمع وانها قادرة على أن تقرر في كافة قضايا المجتمع الإقتصادية منها والقانونية والسياسية وأنها ليست ضلع قاصر وتحتاج لوصاية ألأخر ليصوغ السياسات بمعزل عن إرادتها وموقفها، وتأكيد حضورها القوي في صياغة القوانين والتشريعات الخاصة بتنظيم الأسرة وقانون العقوبات والعمل والتقاعد والتأمينات الإجتماعية بما يضمن كفالة حقوق المرأة وعدم التمييز ضدها.
وأشارت الغنيمي إلى أن قانون الإنتخابات لازال قاصراً عن ضمان حصة للمرأة في انتخابات المجلس التشريعي على مستوى الدوائر، لكنها نوهت إلى أن النتائج الإيجابية التي سجلت لصالح المرأة على صعيد قوانين الإنتخابات ساهمت بتعديل الوعي المجتمعي نحو ضرورة انتخاب المرأة، والإقرار بذلك من قبل جميع الفئات الشعبية، وهو الأمر الذي وضع الأحزاب والقوى السياسية أمام اختبار جدي إزاء ضرورة تمكين المرأة وتحسين أوضاعها داخل ألأحزاب حتى تتمكن من خوض معركة تمثيل الحزب أو الفصيل في المعارك الإنتخابية.
حرية الإرادة
أما أمال خريشة مديرة جمعية المرأة العاملة في رام الله أوضحت أنه لا يمكن رؤية المشاركة النسوية في صنع القرار إلا بتماس مع حدود الواقع وإنعكاساته وإرهاصاته على جوهر العملية الديموقراطية، مشيرة إلى أنه طالما أن الإرادة ليست حره، تبقى الحرية منقوصة بمعنى أن القدرة على ممارسة حق تقرير المصير سواء للشعب أو للأفراد، وبالتالي يمكن تصور مدى التحديات التي تواجه المرأة الفلسطينية لتأصيل وتثبيت حقوقها الإنسانية في الجوانب المختلفة كونها إنسان لا كجزء من ممتلكات الدولة أو الحزب أو العائلة.
وأضافت خريشة أنه في ظل الأوضاع القائمة والتركيبة السياسية والاجتماعية فإنه من الصعوبة بمكان على النساء اختراق النظام الزبائني كونها تقبع في أدنى خطوط هرمية النظام الأبوي في مؤسسات السلطة ومؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، مما يدفع النساء للمشاركة في عمليات الضغط من أجل الإصلاح وعمليات البناء الديموقراطي.
وإعتبرت حباشنة أن مشاركة النساء الإجتماعية داخل العائلة أو العشيرة أو الحي أو التنظيم السياسي أو في البرلمان، يولد حالة من التفاعلات والصراعات اليومية التي تجري لتغيير تراتبية علاقات القوة الأبوية من اجل تمكين النساء من ممارسة حقوقهن كمواطنات، مما أدى إلى بروز مفهوم تمكين المرأة كعملية يستطعن من خلالها تقرير مصيرهن وتوسيع خيارتهن والتحكم بمواردهن والتعبير عن الإرادة كتجسيد للحرية والانخراط والمشاركة بشكل واسع في الهياكل السياسية والمجتمعية ويستخدمن القوة لا للسيطرة بل لإنجاز وتغيير الأنظمة الأبوية السلطوية التي تستند في قمعها للمرأة على الفروقات الجنسية ما بين المرأة والرجل.
مواجهة التحديات
من جانبها شددت منى الشوا مديرة وحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على أن أهمية المشاركة السياسية للمرأة في كافة المستويات المختلفة تكمن بالأساس بإتاحة المجال للنساء في المشاركة بشكل فاعل في وضع الخطط والسياسات والبرامج مما يعود بالفائدة ليس على النساء فحسب وإنما على المجتمع ككل، مشيرة إلى أنه لا ينبغي أن تكون المشاركة السياسية للمرأة في عملية الإنتخابات والترشح وحصرها في مواسم محددة تنتهي بانتهاء الإنتخابات بل لابد من العمل عليها بشكل منظم ودائم.
ونوهت الشوا إلى أن المرأة الفلسطينية مازالت تواجه تحديات حقيقية في مشاركتها بالحياة السياسية على الرغم من مشاركتها الفاعلة في عملية النضال الفلسطيني بكل مراحله، معزية هذه التحديات إلى جملة من الأسباب منها الموروث الثقافي للمجتمع الذي يطغى عليه النظام الأبوي الذي يقوم على الرجال ودورهم الرئيسي في إحتكار الفضاءات العامة والمسؤوليات في مراكز القرار، وعلى دونية النساء وعدم الاعتراف لهن بروح المبادرة وبإمكانية تولي المناصب السياسية، كما أن النظام الأبوي يقوم على تقسيم جنسي للأدوار بحيث ينحصر دور النساء في العمال المنزلية والوظائف التقليدية.
وأشارت الشوا إلى تحد أخر يرتبط بالقوانين السائدة التي تكرس التمييز ضد المرأة، إضافة إلى أن المجتمع المدني مازال دون مستوى الإهتمام بقضايا المرأة، إلى جانب أن الأحزاب السياسية لم تول أهمية للمشاركة السياسية للمرأة بشكل كاف إلا في الأدبيات والتنظير، منوهة إلى أن حال المرأة في ألأحزاب والفصائل هو امتداد لحالها ووضعها في المجتمع.
زيادة التمثيل النسائي
أما دلال سلامة عضو المجلس التشريعي أوضحت أن تعديل قانون الإنتخابات مؤخراً سيزيد نسبة تمثيل المرأة في المجلس التشريعي القادم ليصل إلى 22 إمرأة، مشيرة إلى ان تبوأ المرأة للمسؤولية في الهيئات السياسية الرسمية لم يعد يعتبر أحد المطالب السياسية لديموقراطية النظام السياسي فحسب، بل يتعدى ذلك إلى أن مشاركتها السياسية هي تعبير حقيقي وفعلي عن مصالحها، فبدون مشاركة المرأة الفاعلة لا يمكن الحديث عن مساواة في الحقوق والواجبات بين فئات المجتمع المختلفة.
ورأت سلامة أنه على الرغم من أهمية التحول التدريجي في المجتمعات بالنسبة لوضعية المرأة والتي تستند بشكل أساسي إلى زيادة نسبة التعليم وتحسين المستوى المعيشي والاقتصادي والصحي وتوفير فرص العمل، إلا أن ذلك يبقى بالنسبة للمرأة مرتبطاً بفرص المشاركة المحدودة وفي كثير من الأحيان التقليدية وليس السياسية، فالمشاركة السياسية تطلبت من المشرع الفلسطيني ضمان هذه المشاركة عبر القانون وآلياته المختلفة والتي مازال أمامها الكثير لفعله.