عن الحبّ وأشياء أخرى



شاكر الناصري
2016 / 7 / 21

قبل ما يقارب الشهرين، عقدت في كوبنهاكن ندوة نظّمها " نادي الكتاب والسينما في الدنمارك" للرّوائيّ العراقيّ المقيم في إسبانيا، محسن الرّمليّ، للحديث عن روايته " ذئبة الحُب والكُتب"، لم أقرأ الرّواية حتى الآن، ويبدو أنّ من حضروا النّدوة قد قرأوا الرّواية وتكوّنت لديهم فكرة أو ملاحظات عنها.

من الواضح أنّ الرّواية كانت رواية سيرة ذاتيّة أو سيرذاتيّة، كما يحلو للنّقاد أن يميزوها، أي أن كاتبها قد عاش تلك الوقائع وقام بسردها بطريقة حاذقة تنقذ الرّواية من الوقوع في فخ السّيرة المباشرة، التي وقع فيها الكثير من الرّوائيّين العراقيّين الذي كتبوا وقائع حياتهم كما هي، بعضهم إفتعل الوقائع والأحداث، فجاءت روايته باهتة تفتقد للإبهار وبسرد مهلهل ومزيّف!

ليس هذا ما أريد الكتابة عنه، بل الكتابة عن الحبّ، الحبّ بين المرأة والرّجل، حبّ المرأة للمرأة، وحبّ الرّجل للرّجل.... إلخ في العراق، الحبّ الذي عشناه وعرفناه، بكلّ حلاوته وأساه، و تجاوز الأسوار والخطوط الحمراء التي تحيط بهذه العلاقات وتسوّرها بالمحرم وتصوّرها كفساد أخلاقي وإنتهاك للقيم الإجتماعيّة، يستوجب العقاب القاسي، القتل دفاعًا عن الشرف أو غسل العار!!!

ما أثار فكرة هذه الكتابة التي تأخرت كثيرًا، هو حديث إحدى السّيدات اللواتي حضرن النّدوة، عن الرّواية وعن علاقة الحبّ التي ربطت بين أمرأتين لحد ممارسة الجنس، وقد وصفت قضيّة ذكر هذه الواقعة أو سردها بالطريقة التي اوردها الرّملي، بأنّها مهينة للمرأة العراقيّة، وتنتقص من قيمتها ومكانتها.....!!!

كانت إجابة الرّمليّ واضحة وحاسمة: شفتهن بعيني!

هل الحبّ محرمٌ إجتماعيًا، وأخلاقيًا، وينتهك الأعراف وسطوة العائلة ويشعرها بالعار، أو يتسبب في إهانة المرأة على طول البلاد وعرضها؟؟

حين كنت أعيش بالقرب من جامع ست لندن- أقرأ لِنده، في شارع ٢٠ بالناصريّة، جنوب العراق، كنت شاهدًا على العديد من قصص الحبّ الملتهب ومنها قصّة حبّي. كان الجميع، النّساء، الرّجال، الأطفال يعرفون بأنّ فلانًا يحب فلانة، بل وحتى الأهالي، الآباء والأمّهات والإخوة والأخوات، كانوا يعرفون بالعلاقة التي تربط هذا الفتى الملتاع بإبنتهم.

كان بعض النّاس يتطوعون وبإرادة غريبة، لا يفسرها سوى الحبّ أو الشعور بقيمته، لحماية هؤلاء العشاق ومساندتهم، فما أن أنظر صوب باب بيتها، حتّى يشير ابن الجيران بحركة من يده، أنّها مرّت من هنا! وما أن اسلك الطريق صوب المدرسة، مدرستها، حتى أشاهد إبتسامات الجارات أو بناتهن!

كان الكثير من شباب المنطقة، يعيشون حالات حبّ متشابهة، فتجد الشباب والفتيات، اللواتي تأنّقن، فوق سطوح البيوت يتبادلون النّظرات والإشارات والقبل المتطايرة. بعضهم يتجرأ كثيرًا، فيقفز، ليلاً، من فوق ستارة بيت أهل الفتاة. أحدهم وجد في جامع ست لندن، المكان المناسب للقاء حبيبته!!

متنزه الناصريّة، وبساتينها، شوارعها المغبرة، بيوتها التي لم يكتمل بناؤها.... شهود صامتة على الكثير من قصص الحبّ والعلاقات الحميمة.

خروج البنات من المدارس، " وگت الحَلة"، يشعر الجميع بكرنفال الحبّ الذي ينطلق كلّ يوم، في شوارع مدينتنا، شارع 20، الحبوبيّ، الزّيتون، ...إلخ، حسرات، ونظرات عتب، ضحكات غنج، ومشاعر حرّى تسفح على الأرصفة. الإنتظارات الطويلة التي تُشعرنا بالوقوف على موقد جمر متقد: ستأتي، لا، لازم صارت مشكلة.... إلخ من إستنتاجات القلق والخشية من عدم مجيء الحبيبة، حتى يطل هلالها من بعيد فتحمر الوجنات ويتسرّب القلق بعيدًا..... وما يحدث في الناصريّة، كان يحدث في مدن عراقيّة أخرى ايضا، في الجامعات والمعاهد وأماكن العمل..............الخ.

لماذا يتمّ تصوير الحبّ وكأنّه الخطر الذي يهدّد القيّم والتقاليد الإجتماعية ويهدّد أركان المجتمع ويحطّ من شأن المرأة العاشقة او يسبب العار لأهلها؟

تصوير كهذا هو قتل متعمد للمشاعر الإنسانيّة الرّهيفة، المشاعر التي تعيد للإنسان صدقه، وتشعره بقيمة وجوده. الوقائع اليومية، السّريّة والعلنية، لحياة النّاس، رغباتهم وآمالهم، تشي بعلاقات حبّ بين النّساء، إمرأة تحب إمرأة، أو رجل يحب رجلا. وقائع يجدون فيها سعادتهم ورغيتهم للاستمرار في الحياة.

أعلم أنّ عشاق الظلام والزيف وكارهي الحياة سيهاجمون هذه الكتابة، لكنّي على يقين أنّها ستحظى بحماية نسبة كبيرة من عشاق الحياة والحبّ.